جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

"المتحدة" تتحد فى دراما رمضان

دخول الدولة وعودتها لمجال الإنتاج كان مطلبًا نخبويًا ملحًا طالب به المعنيون بالشأن سواء كانوا كتابًا أو نقادًا أو مخرجين.. واحتج وتباكى هؤلاء على أمجاد الماضي وما أنتجته "مؤسسة السينما" و"استديو مصر" في عهد طلعت حرب.. وأن ما أنتج كان من أعظم الإنتاجات التي شهدناها في تاريخ السينما المصرية وبعض تلك الإنتاجات والأعمال مدرجة في قائمة أهم ١٠٠ فيلم في تاريخ السينما المصرية التي كانت مصدرًا من مصادر الدخل القومي لمصر بعد القطن.. وكانت وما زالت قوة ناعمة لا يستهان بها لمصر في الخارج.. فالفن المصري كان رائدًا وسباقًا سواء في السينما أو التليفزيون والذي بدأ بثه في عام ١٩٦٠ وظهرت أول فضائية في الشرق الأوسط وهي "الفضائية المصرية"، ووصلت من خلالها ومن خلال السينما والدراما "الثقافة المصرية" والأغاني المصرية والموضة والجمال والبهاء والألق لكل ربوع الشرق لتصبح تلك الثقافة وتلك الفنون نموذجًا يحتذى به بل وتصبح اللهجة المصرية هي الأقرب لآذان العرب والأيسر في التعامل والنطق وتكون هي الدارجة الوحيدة التي يفهمها ويألفها الكل من المحيط للخليج.. وعلى صعيد الدراما والتي دومًا ما تزدهر في شهر رمضان كان لقطاع الإنتاج وشركة "صوت القاهرة" و"اتحاد الإذاعة و التليفزيون" دور كبير في خلق دراما نفخر بها ويطالب البعض بعودتها وأنا من تلك الأصوات التي تطالب بذلك.. وبالتالي دخول الدولة في الإنتاج الفني سواء في السينما أو في الدراما كان مطلبًا ملحًا وعندما تحقق واجه معارضة ومزايدة في السنوات الأخيرة لا أستطيع حقًا فهمها أو استيعابها.
فالدولة المصرية بادرت في عام ٢٠١٩ بباكورة إنتاجاتها في السينما بفيلم ملحمي خصصت له ميزانية ضخمة ودعمًا لوجستيًا غير مسبوق من القوات المسلحة.. وحقق فيلم "الممر" إيرادات كبيرة في دور العرض المصرية، وتجمعت الأسر المصرية كذلك عند عرضه على الشاشة الفضية، ولاقى قبولًا واستحسانًا من الجماهير العريضة المستهدفة وخصوصًا من المراهقين والشباب ممن لا يعرفون شيئًا عن تاريخ بلادهم وكفاح شعبهم في ظل اتساع رقعة وسائل التواصل وانفتاح العالم بفعل التقنيات الحديثة التي جعلت العالم أقرب للبيت الصغير الذي لا نسمع فيه سوى الصوت الواحد لا- القرية الصغيرة- كما كنا نقول ونظن حيث البيوت والأصوات المتعددة.. وصار هنالك نوع من الدعاية الموجهة والدعايات المضادة المغرضة التي تقلب الحقائق وموازين الأمور من خلال مواقع لها مآرب أخرى تستهدف وتود السطو على عقول الشباب والسطو كذلك على تاريخ الأمم وتراثهم وثقافتهم، لذلك كان أمرًا ملحًا أن تدخل الدولة في الإنتاج بفيلم موجه تشرف عليه القوات المسلحة يحكي عن نكسة الوطن وإرهاصات النصر.. وفي عام ٢٠٢٢ تصدرت الدولة أيضًا لإنتاج فيلم "كيرة و الجن" والذي ذكرنا بثورة ١٩١٩ تلك الثورة المصرية الشعبية الخالصة والملهمة والتي تصدى فيها الشعب برجاله ونسائه وبكل أطيافه ودون تمييز ضد الاحتلال الإنجليزي.. وعلى مستوى الدراما شهدنا أعمالًا هادفة وكاشفة لتاريخ ووقائع لم نكن نعلم عنها شيئًا، وكان من الضروري أن يتم الكشف عن تفاصيل وأسرار مرحلة مهمة من مراحل الوطن أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير وثورة الثلاثين من يونيو وإسقاط حكم الجماعة المجرمة التي أرادت لمصر السوء، وشاهدنا بأعيننا تسريبات حقيقية كشفت عن الكثير وكشفت عن الوجه القبيح للجماعة الإرهابية في مسلسل "الاختيار" بجزئيه، كذلك مسلسل "القاهرة كابول" ورصد حكايات وتحركات جماعات الإسلام السياسي المسلح مثل "طالبان" و"داعش" وتجنيده أبناءنا وغسله للعقول والأدمغة.. كذلك مسلسل "هجمة مرتدة" والذي يحكي صفحات من تاريخ جهاز المخابرات العامة المصرية والأمن الوطني وتصديه للعناصر المخربة التي دخلت بلادنا في عهد الفوضى وفي غفلة من الزمن استغلها الإسلام السياسي المتشدد والمسلح واستغلها الصهاينة لتخريب الوطن وتشتيت مواطنيه لإسقاط الدولة بل إسقاط الوطن وهويته وثقافته وطمسها لصالح نهوض دول أخرى تريد بنا ولنا السوء وتعدو هي للأمام وتتقدم.. ونتراجع نحن ومن ثم كان من الضروري بل والحتمي أن تسخر الدولة كل إمكانياتها لإفشال مخططات الهدم والانشغال ببناء المواطن والاستثمار في العقول وفي البشر كما الاستثمار في الحجر 
وكان لشركة "المتحدة" التي اتحدت لتتصدى لكل ما هو هدام في فترة لم تكن أبدًا سهلة في تاريخ البلاد وقدمت ما هو مفيد وبنّاء فظهرت أعمال جادة ذكرت بعضها أعلاه وها هي مستمرة في إنتاجاتها في رمضان ٢٠٢٣ بكم وعدد لا بأس به من الأعمال الدرامية المتنوعة التي لم تقتصر فقط على اللون الوطني متمثلًا في مسلسل "الكتيبة ١٠١" والذي يروي بطولات جيشنا وأبناء مصر المنتمين للقوات المسلحة والتي يقع أفرادها في قلب الضمير المجتمعي وكأنهم حائط الصد والدروع البشرية التي تحمينا وتفدينا وتضحي بأرواحهم العزيزة الطاهرة من أجل الوطن ومواطنيه وهو عمل وطني هام يعد امتدادًا لمسلسل "الاختيار" بجزئيه الأول والثاني، كذلك الدراما الدينية التي انتقت وانحازت لتنقل لنا "رسالة الإمام" "الشافعي" الذي يرمز للإسلام الوسطي السمح، الإسلام الذي عرفته مصر في ظل ورحاب أئمتها الذي كان اليسر لا العسر هو منهاجهم في الحياة كالشافعي وأبوحنيفة، ولم تعرف مصر التشدد أو التعصب الذي زحف على وادينا الأخضر مع ظهور تيارات الإسلام السياسي في السبعينيات وتسللها للعقل المصري في التسعينات مع ظهور موجة دعاة الفضائيات الدينية التي بدأتها إحدى دور الجوار لتتخلص من القوى الناعمة المصرية التي تعرضت لخضات وهزات عنيفة لتستعيد اليوم عنفوانها وعافيتها وتتألق من جديد من خلال دراما اجتماعية وتاريخية بناءة تنحاز للوطن وللمجتمع، هذا بخلاف الكوميديا والدراما الشعبية لتكون المائدة الرمضانية عامرة بالكثير وبالمتنوع.. وتعددت شركات الإنتاج وعادت بقوة في الموسم الرمضاني ٢٠٢٣ لتثري الأعمال الدرامية ولتفتح السوق من جديد وتتسع الرؤية لاستيعاب المزيد من الأصوات والمواهب، فالفن لا يقدم عملةً واحدة وليس أحادي التوجه بل يطرح الكثير من وجهات النظر، ففي التعددية ثراء وزخم شعر به المتلقي وبشكل ملحوظ، ولم يقتصر إنتاج المتحدة على خمسة أعمال فقط.

ولم تحتكر الشركة الأعمال الدرامية كما يروج البعض، فقد شاركت "المتحدة" واتحدت وتعاونت مع كيانات أخرى مدت لها يد العون والشراكة، رغم أنها كيانات كبيرة لا تحتاج للدعم، لكن سياسة "المتحدة" تميل للتعاون ولا ترفض الشراكة من أجل تقديم محتوى يليق بمصر وبقوتها الناعمة، فاشتركت هذا العام مع شركة "العدل جروب" وهي كيان إنتاجي ضخم في إنتاج مسلسلي "عملة نادرة" لنيللي كريم و"حمد الله ع السلامة" للفنانة "يسرا". 
وشاركت كذلك شركة "أروما" ومنصة "فيو" في إنتاج عمل اجتماعي رائع هو "مذكرات زوج" لنص روائي هام للراحل الكبير "أحمد بهجت" جسد بإتقان وخفة ظل من خلال فريق العمل المتجانس، فكانت النتيجة مرضية للغاية.. وفي النصف الثاني من رمضان المتابعون في انتظار عمل جديد لـ"منى زكي" عنوانه "تحت الوصاية" من إنتاج المتحدة وشركة "سعدي- جوهر"، التي اشتركت أيضًا مع "المتحدة" في إنتاج كوميديا هادفة بعنوان "الصفارة" لأحمد أمين ومسلسل "جعفر العمدة" لمحمد رمضان، وبالتالي تسعى "المتحدة" لخلق إنتاج مشترك لا احتكار، كما يحب أن يروج البعض، رغم دخول العديد من الشركات والمنتجين في هذا الموسم الرمضاني .. فالمنتج "ممدوح شاهين" وحده أنتج ثلاثة مسلسلات دفعة واحدة في هذا الموسم 
بإنتاجه مسلسل "إكسلانس" لمحمد سعد و"ستهم" لروجينا ومسلسل "زرع شيطاني" لحنان مطاوع، أما المنتج "محروس المصري" فأنتج مسلسلًا بعنوان "ليل أم البنات" للفنانة سهير رمزي، المنتج اللبناني الكبير "صادق الصباح" فعاد للظهور في هذا الموسم بمسلسل "الأجهر" لعمرو سعد. 
وشركة "الباتروس" التي أنتجت مسلسل "بابا المجال" لمصطفى شعبان، وشركة "إيجيل" التي أنتجت لدينا الشربيني مسلسل "كامل العدد"، وشركة "فنون مصر" التي أنتجت مسلسل "حضرة العمدة" للفنانة "روبي" ، والمنتج "عبدالله أبوالفتوح" الذي أنتج للنجم "محمد ممدوح" مسلسل "رشيد"، وبالتالي فهنالك حوالي ٩ شركات إنتاج وربما أكثر دخلت للسباق الرمضاني في موسم ٢٠٢٣.. شاركت المتحدة اثنتين منها في حين انفردت حوالي ٧ شركات وأنتجت بنفسها لنفسها أعمالًا تُعرض على الشاشات.. فالمجال إذًا مفتوح والسوق أيضًا مفتوحة والحكم والكلمة الفصل للمشاهد بل وللتاريخ الذي سيوثق حتمًا كل ما تم إنجازه خلال العام والأعوام التي سبقته والأعوام المقبلة، بعد أن استردت الدراما عافيتها وبالتالي تسترد مصر الآن قوتها الناعمة التي يحاول البعض زحزحتها وإزاحتها لكنها دومًا ما تخالف توقعات المتربصين وتمكث في وجدان وعقول المتلقين، لتظل مصر قبلةً للإبداع والفن. 
وتتيح دومًا فرصًا وشهرةً وثراءً للمبدعين العرب، كما كانت تفعل في الماضي، ومازالت تفعل في الحاضر وستظل هكذا في المستقبل.