جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حضرة المحترم أبى!

جندي مقاتل "عبدالرازق إبراهيم منصور" أحد أبطال سلاح المدفعية وصناع ملحمة العبور ..
٦ سنوات كاملة قضاها والدي علي الجبهة مدافعاً عن الأرض والعرض .. ذاق مرارة الهزيمة فتشبث بالعزم وتسلح بالعزيمة، حتى تحقق لنا النصر في حرب رمضان العظيمة. الحديث في بيتنا لا ينقطع عن ذكريات الحرب وسنوات الكفاح، زملاء الدفعة ورفقاء السلاح، حديث ذو طلاوة عن الصبر والثبات ومواجهة التحديات، خوض المعارك واقتحام الأزمات، المناورات والتدريبات، أوامر القادة والالتزام بالتعليمات، حِكاية، وحَكَايا، وحكايات، تروي في كل عام مرة، وأحياناً عدة مرات! 
سمعناها وحفظناها، أعجبنا بها وتخيلناها، عشنا بداخلها وعايشناها، لم نملها ولن ننساها! 
يجلس الوالد أمام التلفاز الذي لا يحبه كثيراً، وتقريباً لا يشاهده، اللهم إلا بعض حفلات أم كلثوم الليلية، ومباريات النادي الأهلي، كونه أهلاويا صميما، وحارس مرمى قديما، بيحب عادل هيكل وبيبو، وصالح سليم!
يجلس الوالد ليشاهد كل ما تذيعه القنوات من أفلام ووثائقيات، وأغان وطنية ومسلسلات "مادامت ستذكره بسنوات الحرب" يتفاعل مع كل ما يراه، ثم تغرورق عيناه ويشير إلى الشاشة قائلاً دي منطقة القنطرة، أنا كنت هنا، كنت قريب من التبة دي، كان جنبي زميلنا سمير اللي كان بيصلي بينا إمام، وعلى الناحية التانية كان واقف عادل وليم! 
في الحرب ياولاد كنا كلنا شخص واحد، مسلم مع مسيحي مفيش بيننا فرق، كلنا مقويين بعض، ومتقويين ببعض، كنا كلنا شبه بعض، كنا مصريين بجد! 
اللي بتشوفوه في الأفلام ده حقيقي، 
كانوا زمايلنا المسيحيين بيصبوا لنا الميا نتوضي، كانوا بيحرسونا واحنا بنصلي، واحنا بندعي لهم في صلواتنا ونحرسهم في صلواتهم، مات مننا كتير، وانجرح واتصاب كتير، لكن حافظنا علي البلد دي وهي تستاهل كتير، ربنا يحفظها وأهلها، ويعين اللي شايل حملها! 
ليس هذا مقالا بالمعني المفهوم، وانما هي كلمة حب صغيرة، أردت أن أعبر بها عن جزيل شكري، وعظيم فخري وامتناني لحضرة المحترم أبي..
البطل الذي رباني.