جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هوية الطفل.. وبناء المعرفة

من المشاريع الرائعة والهامة التي أعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم السابق، عن تبنيها والبدء في تطبيقها مشروع "الهوية الرقمية للطلاب" لمنح كل طالب من بداية التحاقه برياض الأطفال في مدارسنا المصرية، كارت يسجل فيه رحلة الطفل من أول رياض الأطفال حتى الثانوية العامة، بكل الشهادات والدرجات والحالة الصحية للطالب والسمات الشخصية والسلوك والقدرات الفنية والرياضية، والسمات الشخصية والمعرفة..
وأشار وزير التربية والتعليم إلى أن هذا الكارت سيسجل فيه أيضًا جميع المدارس التي التحق بها الطالب خلال رحلة تعليمه قبل الجامعي، وأسماء المعلمين الذين درسوا له.

ويبقى السؤال: هل نحلم ونأمل أن يجد المشروع وغيره من المشاريع الهامة التي طرحها الوزير السابق الاهتمام والشروع في دعمها باعتبارها خطة وزارة ومشروع دولة؟
أرى أن تفعيل مشروع "الهوية الرقمية للطلاب" من شأنه دعم الجهود المبذولة لاكتشاف الموهوبين في المجالات المختلفة، وتحديد مواطن القوة في الشخصية وتطويرها، ووضع خريطة جغرافية للإمكانات البشرية، ومعالجة مواطن الضعف في السمات الشخصية..

لقد افترض علماء النفس لفترة طويلة أن لعب الأدوار التمثيلية والألعاب التخيلية الأخرى يساعد أكثر على التعلم عندما يكون الموقف الذي يجري تمثيله أو تخيله أقرب ما يكون للواقع، حيث السياق التخيُّلي قد يحسِّن مخرَجات التعلُّم للطفل في بعض الحالات، مما يؤدي إلى ما يسمى بالأفضلية الخيالية..
قد تعكس هذه الأفضلية حقيقة أننا ابتداءً من مرحلة الطفولة يكون لدينا استعداد لإيلاء اهتمام إضافي بالمواقف التي لا تتفق مع الأنماط العادية..
وعليه، أرى أهمية مشروع وزارة الثقافة بإنشاء جائزة الدولة للمبدع الصغير، والتي تتم تحت رعاية السيدة انتصار السيسى، حرم رئيس الجمهورية، وكان انعقاد دورتها الأولى عام 2021 والمسابقة تتم إدارتها من خلال المجلس الأعلى للثقافة، وبدأت الاحتفالية الأولى بكلمة للسيدة انتصار السيسى، قالت فيها: "إن الهدف من الجائزة هو بناء جيل جديد قادر على تحقيق أحلامنا وطموحاتنا"..

يُعد الخيال، أو ما يمكن أن نصفه بإمكانية التقاط كادرات ذهنية مصورة من الواقع واستدعاء ملامحها وأسرارها والتعامل معها، من المواهب التي تميز الإنسان على سائر مخلوقات الدنيا، ويمتاز بها النابغة المبدع على سائر الناس.. 
ولعلنا في هذا الصدد نؤكد ما جاء في فكر الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط، ذلك الفيلسوف الذى تحدث عن أهمية الخيال والمخيلة فى بناء المعرفة، وهناك حاجة كبيرة للاهتمام بتنمية القدرة على الخيال وإطلاق ملكة المخيلة لدى مواطنينا بشكل عام وأطفالنا وشبابنا بشكل خاص..
نعم، فالأبحاث العلمية الحديثة تؤكد أن تقديم الخيال العلمي للطفل في شكل منتجات إبداعية وفكرية، وحتى من خلال الألعاب المختلفة، يدفع في اتجاه تأسيس القواعد الأولى للتفكير العلمي والعملي والنقدي لديه، كما يساعد أيضاً على ارتباطه وشغفه بالتعلم وبناء علاقته بمكونات المعرفة الأساسية، ليستبدل حكاوي الخرافات الساذجة، والتي منها ما يدفع لتكوين مزاج عدواني أو المثبطة لأي دوافع للتفكير والمشاركة، بألعاب وقصص تعتمد على أسس علمية منطقية..
وهنا، نأمل من الجهات المعنية إنتاج وسائل ووسائط دعم الخيال العلمي «كتب ووسائط إلكترونية ومجلات أطفال وبرامج تليفزيونية وإذاعية ومهرجانات إبداعية وغيرها» التي تقدمها أجهزة ومؤسسات وزارات الثقافة والتعليم والإعلام والرياضة حتى تدعم وترعى مثل تلك النوعيات، وإعداد المسابقات القومية لتشجيع صناع ومبدعي كتب الأطفال والمجلات والألعاب والبرامج الإلكترونية، والتي أراها باتت غاية في الأهمية في مجال تقديم الإثارة والمتعة، وهما وسيلتان تربطان الأطفال بعملية القراءة، إضافة إلى أن هناك نوعيات جيدة من كتب الخيال العلمي تناسب الأطفال في سن التكوين أكثر من غيرها، مثل الكتب التي تمدهم بالجديد من المعلومات والاختراعات الحديثة، وتعد البديل المثالي لحكايات الجان والقصص الخرافية..

وقد أجرى مؤخرًا مجموعة من الأبحاث في "لندن" على مجموعة من الأطفال، انتهى الباحثون منها إلى أن مؤلفات الخيال تنمي الثقافة العلمية للطفل، وتوسع مداركه وخياله، وتدعم سلوك حل المشكلات عنده، مشيرين إلى أهمية دور مرحلة الطفولة في تكوين 80 في المائة من شخصية الإنسان، وإلى ضرورة تقديم الخيال العلمي المدعم بالقيم للأطفال، وهو ما يفيدهم كثيراً في نضج شخصياتهم. ويشترط الباحثون توافر شروط معينة لدى مؤلفي قصص الخيال العلمي للأطفال، منها اطلاعهم على الثقافات المختلفة في هذا المجال في كل روافده العملية والنفسية والاجتماعية، وقدرتهم على الإبداع المناسب لكل مرحلة عمرية، مع وعيهم بأهمية الصورة والشكل الإخراجي والطباعي..
ومن المهم إنتاج أعمال تتناول بشكل مثير ومحبب للأطفال النظريات الهندسية والعملية بصورة مبسطة لهم، إضافة إلى اهتمام الآباء والأمهات بمتابعة مواهب الطفل ومراعاة ميوله ومراحله العمرية عند اختيار قصص الخيال العلمي لقراءتها.