جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

السير باتجاه مى نورالشريف

لا تظهر الفنانة الرائعة مي نورالشريف في أعمال جديدة منذ عدة سنوات، وهو ما يعد خسارة فعلية للدراما، لأنها وجه نادر الجمال والصفاء، يمكن تطويعه فنيا فيصير معبرًا عن حالات شتى بصورة قد لا يستطيعها سواه.

وبالأساس هى من أصلاء الوسط الفني؛ إذ تنتمي إلى بيت فني جليل الشأن، يضم رمزا من رموز التمثيل في مصر والعالم العربي، هو الوالد الراحل نور الشريف (28 أبريل 1946- 11 أغسطس 2015)، الذي يساوي مدرسة فنية راسخة التقاليد، بين طلابها أساتذة معتبرون بمدى الأجيال، ومفتوحة أبوابها سرمديا للراغبين في التعلم على نمطها، ويضم البيت نفسه فنانتين قديرتين لم تعودا تعملان، هما البديعتان بوسي ونورا، سبقت نورا شقيقتها في الابتعاد بزمن طويل (قررت اعتزال التمثيل في 1996) وظلت بوسي تعمل إلى عام 2019، أي حتى أربع سنوات فائتة (آخر أعمالها كان "البرنسيسة بيسة" بطولة الفنانة اللامعة مي عزالدين و"قيد عائلي" بطولة الفنان الكبير الراحل عزت العلايلي)، لكن بوسي ونورا تركتا بصمة لا تمحي بطول الشريط السينمائي خصوصا، وكانتا مختلفتي الأداء قدر تشابههما الشكلي، بل كل منهما كانت علامة مضمونة لنجاح ما تقوم ببطولته أو تشارك فيه!
ولدت مي نورالشريف بالقاهرة في 10 أبريل 1982 (جيل بدايات حكم مبارك)، درست في القسم الأدبي بمدرسة المردوديو، ثم التحقت بالجامعة الأمريكية قسم إعلام (تخصص إذاعة وفلسفة ومسرح) وتخرجت فيها في 2004، بدأت التمثيل مبكرا للغاية من خلال فيلم "الحكم آخر الجلسة" (1985)، كان عمرها آنذاك ثلاث سنوات، شاركت بعد ذلك في عدة أعمال: اللقاء الثاني (1988)، ليل وخونة (1990)، لعبة الانتقام (1992)، ثم توقفت، مؤقتا، عن التمثيل إلى أن عادت بدورها الشهير "نشوى" مع مسلسل "الدالي" بأجزائه الثلاثة (2007، 2008، 2011) وهو الدور الذي جعل الجماهير تتساءل باندهاش: أين كانت مي؟ ماذا كانت تصنع في غيابها؟ ولماذا لا تظهر دائما بذلك التجلي الممتاز؟
ظهرت مي، بالتزامن مع "الدالي" وبعده، في مجموعة من الأعمال: ما تخافوش (2009)، وادي الملوك (2011)، قضية معالي الوزيرة (2012)، عرفة البحر (2012)، اللهم إني صائم (2017). ثم اختفت من جديد؛ لتعود الجماهير إلى أسئلتها حولها مجددًا أيضًا، وليصبح اختفاؤها لغزًا فعليًا؛ فموهبتها كبيرة وحاضرة، تشابه موهبة الأم والخالة، وإن استقلت عنهما بمسارها الخاص، كما أن وفاءها لوالدها بارز في اسمها الذي لم يتغير إلى آخر فني يجور على اسمه، لم تكن مي تعتمد على سمعة بيتها باذخ السيرة في مشاويرها، فهي منفردة، ومن عرفوها من قرب يمدحون تجردها من التواكل ونبلها الإنساني الصادق، ولكن لعلها خفة الوسط وربطه المجاني لها بمن أحاطوا بها، وظني أنها ستعود أقوى مما كانت!