جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

احترام تنوع الحضارات.. وتعزيز التعاون على الصعيد العالمى

اقترح المؤتمر الوطنى العشرون للحزب الشيوعى الصينى فى أكتوبر 2022، دفع عملية تجديد شباب الأمة الصينية على جميع الجبهات من خلال مسار تحديث صينى النمط يعود بالفائدة على الشعب الصينى ويدفع التنمية المشتركة للعالم، وأكد أن التنمية الصينية لا تكون عن طريق الاستعمار ونهب ثروات الدول والشعوب ولكنها تنمية سلمية.

وتضمن خطاب الرئيس الصينى فى المؤتمر الوطنى العشرون ما وصلت إليه الصين فى هذه الفترة من تقدم فى جميع المجالات سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا بجانب البناء الثقافى والاجتماعى والإيكولوجى، وبناء الدفاع الوطنى والجيش والتمسك بمبدأ دولة واحدة ونظامان ودفع إعادة توحيد الوطن الأم.
كما تضمن الخطاب تمسك الصين بالمكانة المحورية للابتكار فى الوضع العام والتحديثات فى البلاد وتكثيف جهودها لتحقيق مستوى عالٍ من الاعتماد على الذات فى الأبحاث العلمية والتكنولوجية، بجانب تسريع بناء الصين لتصبح دولة قوية تجاريًا، وتعزيز التنمية العالمية الجودة للبناء المشترك "الحزام والطريق"، والحفاظ على العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية المستقرة والمتعددة الجوانب. وأشارالرئيس الصينى فى كلمته إلى خطة استراتيجية ذات خطوتين الأولى 2022 – 2035 للتحديث الاشتراكى، والثانية 2035 – 2050 لبناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة وديمقراطية ومتحضرة. وأكد أن بلاده تعارض عقلية الحرب الباردة فى الدبلوماسية الدولية، وتعارض بحزم كل أشكال الهيمنة والسياسات القائمة على القوة، وتعارض التدخل فى شئون الدول الأخرى الداخلية، كما تعارض ازدواجية المعايير.
وفى افتتاح الاجتماع بين الحزب الشيوعى الصينى والأحزاب السياسية العالمية فى 15 مارس 2023 وبحضور 500 شخصية من الأحزاب من 150 دولة قدم الرئيس الصينى مبادرته الخاصة بـ"الحضارة العالمية" التى تقوم " على أساس احترام تنوع الحضارات والدفاع عن القيم المشتركة للإنسانية والتقدير الشديد لميراث الحضارات وابتكارها وتعزيز التعاون على الصعيد الدولى. 
وأكد الأمين العام للحزب الشيوعى الصينى ورئيس جمهورية الصين الشعبية شى جين بينج على أن مستقبل ومصير جميع بلدان العالم مرتبط بعضه بالبعض ارتباطًا وثيقًا، حيث يلعب التعايش والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة دورًا لا غنى عنه فى تعزيز تحديث المجتمع البشرى، وازدهار حديقة الحضارة العالمية.
وفى نفس الاجتماع دعا الرئيس الصينى الأحزاب السياسية إلى دمج تنميتها بشكل وثيق مع مسيرات التحديث الوطنية فى بلدانها من أجل مواصلة توجيه مسار التحديث وحشد القوة من أجله.
وأضاف الرئيس شى جين بينج "إن الأحزاب باعتبارها قوة سياسية مهمة توجه عملية التحديث وتدفعها ملزمة بالإجابة عن ما هو نوع التحديث الذى نحتاج إليه، لابد من وضع الشعب فى المقام الأول، وضمان أن يكون الشعب محور التحديث".
ومن الملاحظ أن الصين تلعب دورًا دبلوماسيًا عالميًا مهمًا، فى هذه الفترة التى يعانى منها العالم من عدة أزمات سياسية واقتصادية ومناخية، بجانب تصاعد الصراعات والحروب سواء بين الدول أو داخل الدولة الواحدة، حيث تؤجج الرأسمالية الاستعمارية الأمريكية المتوحشة الصراعات من أجل استمرارها كقطب وحيد يهيمن على العالم، ومن أجل القضاء على صعود الصين وروسيا ونشأة عالم متعدد الأقطاب 
ومن هنا نجد فى الفترة الأخيرة عدة مبادرات قدمتها الصين منها مبادرة التنمية العالمية، والأمن العالمى وذلك فى سبتمبر 2022 فى الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقدمت من خلالهما حلولًا للتنمية والأمن العالميين.
وبالتزامن مع مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية قدمت فى فبراير2023 "المبادرة الصينية" من 12 بندًا لحل الأزمة سياسيًا تتضمن وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، والشروع فى محادثات السلام بين الطرفين لإنهاء الحرب، ورفض استخدام أى سلاح نووى، واحترام سيادة كل الدول، والالتزام بالقانون الدولى المعترف به بما يحفظ سيادة كل الدول واستقلالها ووحدة أراضيها، وتعزيز المساواة والتطبيق المتكافئ للقانون الدولى مع رفض المعايير المزدوجة، والتخلى عن عقلية الحرب الباردة، وأخذ المصالح والمخاوف الأمنية لكل الدول على محمل الجد، ووقف الأعمال العدائية وتفادى ما يؤجج التوترات، ومنع تدهور الأزمة أكثر بما يؤدى لخروجها عن السيطرة، من خلال دعم روسيا وأوكرانيا للعمل فى نفس الاتجاه لاستعادة الحوار المباشر بأسرع وقت، واستئناف محادثات السلام، وتنفيذ مبادرة حبوب البحر الأسود بشكل فعال وبطريقة متوازنة، بجانب وقف العقوبات أحادية الجانب غير المصرح بها من قبل مجلس الأمن الدولى، والحفاظ على استمرار سلاسل الصناعة والتوريد، ومعارضة استخدام الاقتصاد كسلاح لتحقيق أغراض سياسية، ودعم مرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب فى مناطق النزاع.
وفاجأت الصين العالم بالإعلان عن "الاتفاق السعودى الإيرانى" فى العاشر من مارس 2023، من خلال البيان الثلاثى المشترك للسعودية والصين وإيران، الذى جاء نتيجة مباحثات بين الجانبين برعاية الصين على مدى سنتين ونص الاتفاق على استئناف العلاقات الدبوماسية، بين المملكة العربية السعودية، وجمهورية إيران الإسلامية، مع إعادة فتح السفارات فى غضون شهرين، من أجل تخفيف حدة التوتر فى المنطقة وتعزيز دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومى العربى، وتطلعات شعوب المنطقة فى الرخاء والتنمية.
وأخيرًا ها هى زيارة الرئيس الصينى إلى روسيا فى العشرين من مارس 2023 ولمدة ثلاثة أيام من أجل تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا، حيث قال الرئيس الصينى فى مستهل زيارته "أنا مقتنع بأن هذه الزيارة ستكون مثمرة وستعطى زخمًا جديدًا لتطور سليم ومستقر للعلاقات الصينية الروسية، موسكو والصين جاران جيدان وشريكان موثوقان".
إن العالم على وشك تغيير شامل فى العلاقات بين الدول، وإننا نأمل أن يكون التغيير من أجل السلام والاستقرار ومن أجل خير الشعوب وتنمية ونهضة وتقدم بلداننا.