جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

المتحدة.. وزمن الفن الجميل

منذ سنوات طويلة للغاية، فارقت مشاهدة ومتابعة الأعمال الفنية المصرية بمختلف تشكيلاتها ولم أعد أتابع أي أعمال فنية مصرية على الإطلاق، في كثير من الأحيان أرجع إلى مشاهدة مسلسلات الزمن الجميل على اليوتيوب وأترحم على حال الفن المصري الذي كان ولم يصبح كما كان، والسبب هو الفجوة الثقافية والفنية التي حدثت في مصر بين الماضي الجميل والحاضر القبيح، فقط لم أتابع إلا مسلسل الاختيار بأجزائة المختلفة في السنوات الأخيرة لأنه يوثق تاريخ أهم مراحل الدولة المصرية.

الفن هو عنوان الهوية لأي أمة، أتذكر جيدًا مسلسل ذئاب الجبل الذي ما زال يعيش داخل وجدان الشخصية المصرية رغم مرور ٣٠ عاما على عرضه، هذا المسلسل هو تجسيد حي على عظمة الفن المصري حينذاك لأنه جسد حالة هوية مصرية أصيلة لأبناء الصعيد، وكل مكوناته كانت من العمالقة مجدي أبوعميرة للإخراج، والأبطال أحمد عبدالعزيز، عبدالله غيث، حمدي غيث، سماح أنور، زوزو نبيل، أحمد سلامة، إنعام سالوسة، أحمد ماهر، فاروق فلكس، وآخرون من عظماء الهوية والفن المصري، أتذكر جيدا قبل انتشار التلفاز الذي كان يملكه البعض القليل فقط في القرى والنجوع حينذاك، فكان هؤلاء يجهزون جلسة خارج منازلهم قبل بدء الحلقة بساعة، ليجتمع أهالي القرية أو النجع بالعشرات والمئات، ويسود الصمت تمامًا الجميع وقت إذاعة الحلقة، وينقطع المارة من الطرقات والشوارع، وبعد انتهاء الحلقة يعيش الكل في سرد أحداثها إلى اليوم الثاني للعرض، وأعتقد أن ذلك المسلسل هو الأعظم في تاريخ الدراما المصرية، وجاء بعده بسنوات مسلسل ليالي الحلمية، وسوق العصر، والمال والبنون، ولن أعيش في جلباب أبي، وعدة مسلسلات أخرى، كانت نهاية الحقبة الجميلة قبل اختراق عوامل التعرية للثقافة والفن المصري.

في هذا العام أشتم رائحة عودة زمن الفن الجميل في أولى حلقات مسلسلاته التي تنوعت بين ما هو وطني، تاريخي، كوميدي، اجتماعى اكشن، أطفال، مثل «حضرة العمدة» و «يحي وكنوز» و«كتيبة ١٠١» و «سره الباتع» قصة الكاتب الأديب الكبير يوسف إدريس ودراما المخرج الكبير خالد يوسف، وأيضًا مسلسل «مذكرات زوج» والاستعانة بالكاتب الأديب الكبير أحمد بهجت، جميع تلك الأعمال وأخرى متنوعة اعتمدت على قدر وقيمة الكاتب والمؤلف ومعه الإخراج الكبير لبعض الأسماء المصرية المهمة، هنا وجه مصر الحقيقي وريادتها للفن في منطقة الشرق الأوسط.

اقيم في دولة السعودية منذ سنوات للعمل، وأتعامل مع الكثير من الجنسيات وقد تفاجأت بالأفارقة على علم بالفن المصري والفنان الكبير عادل إمام ويسردون أحداث مسرحية شاهد مشفش حاجة، فقد تلاحظ لدي اهتمام الشعب السعودي بالكثير من الدراما المصرية هذا العام وتناولهم الحديث عن أولى حلقات تلك المسلسلات وإعجابهم بأداء الفنانين الكبار وطريقة الإخراج وتوقيت العرض، فشكرًا من القلب إلى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ودورها الكبير في استرجاع مجد فن مصر المفقود ليتصدر المشهد في الشرق الأوسط مرة أخرى، شكرًا من القلب لأنكم ساهمتم في عودة الجمهور المثقف لتلك الدراما بعد أن فارق مشاهدتها منذ سنوات طويلة، وفي انتظار المزيد من الأعمال العظيمة.