جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

افتتاح مسجد

خلق الله الإنسان «مطلق إنسان» وسخر له كل ما فى الكون لصالحه، ولم يفرق بين إنسان وآخر بسبب لونه أو جنسه أو دينه أو عقيدته. 

كما أن الله أعطى هذا الإنسان حرية الاختيار فى كل شىء حتى يمكن أن يحاسب هذا الإنسان حسب دينه وعقيدته وأعماله «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا»، «من ليس لهم ناموس فهم ناموس لأنفسهم». «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين».

وهذا يعنى أن الإنسانية هى الرباط الوثيق والعلاقة الأكيدة والصفة الراقية التى تربط الإنسان بأخيه الإنسان مهما تغيرت الألوان وتعددت الأديان. 

وعلى هذه الأرضية الإنسانية الراقية يكون من الطبيعى أن يحترم الإنسان دين وعقيدة واختيار الآخر الإنسانى خاصة فى المجال الدينى، حيث إن الله هو الذى سيحاسب الجميع حسب أعمالهم. وعلى ذلك قد دعانى أخى وصديق عمرى الدكتور إسماعيل كامل فى حفل افتتاح المسجد الذى أقامه فى مدينتنا مدينة القوصية العزيزة ظهر الجمعة الماضية بحضور الدكتور محمد عبدالمالك، رئيس جامعة الأزهر بأسيوط، وبحضور جمع من الأئمة والعلماء الأجلاء من رجالات الدين الإسلامى. وكان هناك حضور جماهيرى رائع، كان منهم الإخوة والأعزاء دكتور محمد سلامة بكر، أستاذ السمعيات بطب أسيوط والأستاذ بدر الشريف والأستاذ حمادة أبوسيف ونقيب المحامين الأستاذ مصطفى رمضان. دخلت المسجد بعد الانتهاء من صلاة الظهر واستقبلنى دكتور إسماعيل وجلست فى مقدمة الصفوف. تحدث كثير من الأئمة الأجلاء ثم تم تقديمى لإلقاء كلمة. 

وبالمناسبة فهذه هى المرة الثالثة التى أدخل فيها المسجد وألقى كلمة. كانت المرة الأولى عن حادثة الحرم الإبراهيمى التى قام أحد الإرهابيين الإسرائيليين بقتل العشرات من المسلمين أثناء الصلاة، وكان هذا اللقاء بأحد مساجد قرية الواسطة التابعة لمركز الفتح بأسيوط، أما الثانية فقد كانت فى الجامع الأزهر عند قيام الرئيس الأمريكى بيل كلينتون بضرب العراق عام ٢٠٠٨، فألقيت كلمة بدعوة من فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى حينذاك. وكان يملؤنى الفخر أن أعتلى منبر الأزهر الذى اعتلاه الرئيس عبدالناصر فى يوم من الأيام. أى أن الأولى والثانية كانتا فى مناسبات سياسية، أما هذه المرة فهى مناسبة دينية. 

وإننى أقتنع تمامًا أن المعبد والكنيسة والمسجد كلها بيوت الله التى يذكر فيها كل مؤمن بدينه الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد الذى نعبده جميعًا. أى أن هناك علاقة دينية بين المؤمن ودور عبادته، وأن هناك علاقة احترام بين المؤمن وكل دور العبادة سواء كانت تخصه دينيًا أو تخص غيره، لأنها أماكن يطلق عليها بيوت الله، ولذا كنت سعيدًا بحضور هذه المناسبة السعيدة التى تضيف بيتًا من بيوت الله الذى نتمنى أن تقوم فيه هذه البيوت بدورها الدينى وترسخ فكرًا دينيًا صحيحًا يسعى لتكريم الإنسان وقبول الآخر الدينى وغير الدينى، على اعتبار أن هذه التعددية هى إرادة الله. كما أننى أقتنع بأن شخصيتى الحضارية المصرية يدخل فى تكوينها الحضارى تلك الحقبة الإسلامية المعاشة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا فى إطار التاريخ والعادات والتقاليد والتراث والثقافة المصرية الجامعة لكل المصريين. تهنئة من القلب لأخى دكتور إسماعيل ولكل شعب القوصية على هذا المسجد، من منطلق أن المسجد والكنيسة لهما الاحترام، لأنهما بيوت الله الذى نذكر فيها اسم الله راجيًا من الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعًا عابدين لله الواحد الذى خلقنا إنسانيًا وسيحاسبنا أخرويًا، قابلين بعضنا بعضًا حبًا واحترامًا تاركين لله حكمه ومشيئته. حمى الله مصر وشعبها العظيم مؤمنين بالله الواحد.