جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

نظرة مجتمعاتنا إلى التغيير

منى حلمى
حدث لى شىء مؤخرًا ما كنت أتمنى أن يحدث لى وهو أننى لم أعد أقرأ وأتابع أخبار العالم، إن قراءة ومتابعة أخبار العالم أصبحت تصيبنى بواحدة من هذه الحالات السلبية أو بالثلاث حالات كلها معًا، وهذه الحالات هى إما اللانتماء أو الكآبة أو الغيظ.
أشعر باللانتماء إلى العالم عندما أدرك أن الفقر مازال يعربد فى مناطق كثيرة، بل ازداد فى بعض المجتمعات البائسة.
أشعر بالكآبة من جرائم البشر وأكثرها بشاعة قتل الفتيات والنساء على أيدى ذكور الأسرة والعائلة لفقدهن غشاء البكارة، رمز الشرف الذكورى، وبسبب جرائم الطبيعة مثل الزلازل والفيضانات.
وأشعر بالغيظ لأن هناك معنا بلادًا على كوكب الأرض لا تجعل يومًا يمر دون زيادة فى معدلات التغيير والتقدم الحضارى فى جميع المجالات، بينما فى بلادنا التى نشاركها العيش على الكوكب نفسه "نائمة" أو "مغيبة" أو "متجمدة" فى مكانها متوقفة عن التغير والتغيير منذ قرون.
الفجوة بين بلادنا وبلاد أخرى أصبحت صعبة الاحتمال وعدم تغيرنا وتشبثنا المستميت بأحوالنا ينبئ بما لا يسر عدوًا أو حبيبًا.
وعندما أتأمل هذه الفجوة الشاسعة بيننا وبين البلاد الأخرى، أجد أن أحد الأسباب الرئيسية هى "تمجيد ثقافة الماضى" بكل عاداته وأعرافه وتقاليده.
نحن لا يهمنا منفعة الناس ومصلحتهم وسعادتهم ورقيهم، ما يهمنا فقط لا غير هو الحفاظ على ما ورثناه من عادات وتقاليد وأعراف منذ قرون طويلة.
بلادنا أسيرة العادات والتقاليد والأعراف ولا تريد التحرر والانعتاق، والأكثر خطورة، القول بأن هذه العادات والتقاليد والأعراف، بمثابة "الإرث المقدس" لا يمكن الاقتراب منه وهو أيضًا "هوية الوطن" و"خصوصية المجتمع".
النتيجة الطبيعية المنطقية، أن أي مواطنة أو مواطن يطالب بتغيير هذه العادات والتقاليد والأعراف حتى تلائم تغيرات الحياة والبشر وتساعد على النهضة وعلى التقدم والمزيد من الحريات والعدالة يُتهم فورًا بأنه يريد "مسح" هويتنا و"تدمير" خصوصيتنا وأنه "عميل" للغرب الاستعمارى الكافر المنحل وأنه "ترس" صغير فى مؤامرة عالمية متشابكة الحلفاء وهم ينفذون أجندة مشبوهة الغرض والتمويل للنيل من إسلامنا وهويتنا وخصوصياتنا.
كل هذه الاتهامات الأخلاقية المعلبة الجاهزة لا يوجد أى دليل حى أو ميت يثبت صحتها، غاية الأمر، أن هناك مواطنة أو مواطن تجرأ على ما لا يجوز التجرؤ عليه فى وضح النهار وعلى الملأ دون أدنى حياء.
بل على العكس فالأدلة المادية الملموسة والمقروءة والمسموعة والمرئية هى التى تثبت وعلى الملأ أننا مازلنا نستهلك عادات وتقاليد وأعراف الموتى على مر الأزمنة وما نشهده من ردة ثقافية ونكسة حضارية وتأخر فكرى وتعصبات دينية وعداوات طوائفية وتضخمات ذكورية ضد النساء، هى نتيجة مباشرة للجمود وعدم التفاعل مع تغيرات الحياة والتوقف عند أزمنة تخاصم التجديد وانتهت تاريخ صلاحيتها.
وأنا لا أفهم مقولة: نتغير دون المساس بالعادات والتقاليد التى تربينا عليها، هذه المقولة هى صلب وقلب الإرهاب الفكرى والإرهاب الدينى والإرهاب الثقافى الذى يستخدم لتكفير الناس وتشويه سمعتهم والتشويش على آرائهم الجديدة المجددة هى تهدد فى الصميم "لقمة عيش" البعض، نعم فإن التخلف والأفكار السلفية الرجعية الصحراوية الرملية، وما يلازمها من أزياء صحراوية ومفاهيم قاسية التزمت منفرة التطرف، فاجرة الذكورية أصبحت "شغل" الكثيرين وهى "بيزنس" رائج يدعمه مشايخ ودعاة ومفكرون ودول وتنظيمات وجمعيات ومراكز تلتقى كلها فى ترسيخ النظام العالمى الحالى وهو تحالف الرأسمالية المتوحشة مع الصهيونية مع الأصوليات الدينية مع التسلح مع الذكورية.
من هنا نفهم الحرب الضارية التى تنتظر كل إنسان يخلخل هذا التحالف ويفضحه ويفلس بضاعته الفاسدة الدموية، بضاعة تقتلنا بكل الوسائل لكنها تخدعنا بأسماء براقة.
إن خلخلة هذا التحالف ربما تبدأ من أى اتجاه، لكنها بالتأكيد لابد أن تمر من فضح الإرث المقدس للعادات والتقاليد والأعراف التى تتخفى تحت مبررات ثقافية أو دينية أو أخلاقية.
أنا لا أفهم كيف نتغير دون المساس بالعادات والتقاليد والأعراف كما يردد أغلب أعضاء وعضوات الدفاع عن التحالف الذى يخنقنا ويزدهر على حساب تجمدنا فى مكاننا؟
العادات والتقاليد والأعراف هى التى تشكل الحياة بكل تفاصيلها وفى جميع مجالاتها وهى التى تعكس أفكارنا ومعتقداتنا وقناعتنا ومشاعرنا وأخلاقنا وتحيزاتنا الوجدانية، وهى التى تنتج  بالتالى الأحكام والإدانات والعنصريات والتعصبات والتحالفات السامة التى تقتل الأفراد والشعوب.
أنا أؤمن بأن ما يسمى بالتقدم أو الرقي الحضاري أو النهضة الفكرية والثقافية التى تحررنا من هذا التحالف أو الإخطبوط هو بالتحديد الخروج من سجن العادات والتقاليد والأعراف التي ورثناها من الموتى والتى نمنحها بدون مبرر، القدسية والثبات.
العادات والتقاليد والأعراف الموروثة ليست مقدسة وليست ثابتة، والدليل على ذلك أن البشر على مر العصور قد قاموا فعلا بتغيير عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم أكثر من مرة وفى كل المجتمعات.
نحن نرفض أن يتحكم الأحياء في مصير الأحياء كيف إذن نقبل أن يتحكم الموتى في مصير الأحياء؟
لقد علمتنا الفلسفة أنه لا شىء ثابت إلا التغير، وعلى عكس ما يُشيعه أنصار الجمود فإن أكثر الناس حبًا لأوطانهم هم الذين يصرون على التغيير والتجديد.
إن البشر الذين صنعوا العادات والتقاليد والأعراف هم أنفسهم يتغيرون، كيف إذن يتغير الأصل ولا تتغير الصورة؟ كيف يتغير الصانع ولا يتغير المصنوع؟ كيف لمنْ يرقد تحت التراب أن يكسر أجنحة منْ يريد التحليق للسماء؟
         
من بستان قصائدى 
ما أجمل "الزهد" فى متع الحياة
أتركها بلا أمل
تسمعنى أغنى لحن الاستغناء
فى وحدتى واعتكافى أنا ملكة متوجة
مكتفية جدًا بذاتى
لا يخدعنى إغراء الأشياء