جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«التاء المربوطة» وأهل الفكر

مدحت بشاى يكتب:

********

هل لنا أن نتذكر ونحن نعيش أيام شهر مارس (شهر المرأة وأعيادها) ما كتبته «هدى شعراوى» ونُشر بجريدة الأهرام يوم وفاتها فى البرقية التالية: «تلقت رئيسة الاتحاد النسائى العربى برقيات من رئيسات الاتحادات النسائية فى الأقطار الشقيقة العراق، سوريا، فلسطين، لبنان، شرق الأردن، بمناسبة انعقاد دورى لجامعة الدول العربية يفوضنها فى اتخاذ القرارات الحاسمة لنصرة فلسطين وتأييد الجامعة فى نضالها كما عبرت فى هذه البرقية عن تنظيم جهودهن لجمع المال وإعداد الكساء وقيد أسماء المتطوعات للإسعاف، والاستعداد الكامل للجهاد مع أخواتهن العربيات جنبا إلى جنب».. ؟
وهل ننسى أن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية ذاتها هى وليدة توصيات للمؤتمر النسائى العربى الذى نظمته هدى شعراوى فى القاهرة فى أكتوبر عام 1938 للدفاع عن قضية فلسطين؟
بالطبع لا يمكن نسيان أدوار المرأة المصرية النضالية الوطنية ومشاركتها الرجل فى مسيرات الكفاح ودعم رسائل التنوير والمساهمة الفاعلة فى تحريك مؤسسات المجتمع المدنى لدفع ثقافة التغيير المجتمعى وإرساء ملامح هوية اجتماعية للمواطن المصرى..
ورغم المكاسب الهائلة التى تحققت للمرأة فى الفترة الأخيرة وكان من أبرزها فى الفترة الأخيرة حصولها على مناصب عليا فى منظومة القضاء، وزيادة أعداد النائبات فى مجلس النواب بشكل رائع، وأعداد الوزيرات فى تشكيل الحكومات الأخيرة، وتعيين المرأة فى منصب «المحافظ»، ومنصب «رئيس جامعة» ومكاسب أخرى تتعلق بتشريعات حديثة فى مجال الأحوال الشخصية وغيرها، إلا أن المرأة وكما تذكر الدكتورة «رقية سليم» فى كتابها «المرأة المصرية» ما زالت تتعرض لأشكال عديدة من العنف، وتتأثر فى حياتها الخاصة والعامة بتبعات التطرف الدينى من جانب أهل الشر وأبناء التراجع الحضارى، وبأثر وتبعات الاتجاهات السلبية وأنماط السلوك المتخلفة السائدة فى المجتمع من جانب بعض من يعتبرونها دون الرجل فى القدرات الجسدية والعقلية، والتى تؤكد عليها بعض وسائل الإعلام وبعض مواد الدراما ذات التأثير المُخزى والتى تعمل على تثبيت أفكار زمن البرقع والاحتفاء بأوامر من كنا نتصور أنه شريك حياة!.. وتدفع المرأة بالتالى للتصرف ضمن القوالب المتوقعة..
لقد طالب «قاسم أمين» أبناء مصر فى أوائل القرن الماضى بأن يصلحوا من أحوالهم، وأن يعملوا على ارتقاء شأن المرأة المصرية، وهذا هو الواجب الخطير الذى يسهل كل إصلاح نأمله لصالح الأسرة المصرية..
وهنا ينبغى التذكير بالمواقف الطيبة للمستنيرين والنخبة فى إطار التعاطف والتأييد للمرأة المكافحة والمتميزة لدعم دورها المجتمعى والوطنى، ومن منا ينسى موقف العالم المصرى الكبير الدكتور «مصطفى مشرفة» من تلميذته سميرة موسى وتصميمه على تعيينها إلى حد تقديم مذكرة بتلك الرغبة إلى وزير المعارف وإرفاقها بطلب استقالة من عمادة الكلية إيمانا منه بأنه لا شىء يمنع تحقيق العدالة للمتفوق..
ولكن للأسف وبشكل وتفهم عكسى كان قد جاء على لسان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد فى تناوله لوصف دور المرأة فى بدايات القرن القادم فيقول وهو المفكر المستنير «إن المروءة بل الضرورة تقضى علينا أن نرأف بها كما نرأف برفيق ضعيف لا غنى عنه، وإذا كان لا يحق أن تكون «سيدة» كما هو اليوم، فليس ذلك بإرجاعها «أمة» كما كانت أمس، ولا شىء من العدوان على حريتها أو اهتضام حقوقها، فهذا المجتمع يشهد معركة ضروسًا والنساء آسيات جروحه، ومضمدات كلومه، وجابرات كسوره، فكيف به وقد طرح آسياته والمراهم واللفائف وتبدلن بها الخناجر والقذائف ثم برزت للنضال بين المناضلين، أعوذ بالله، إن المجتمع ليكون ساعتئذ كأنه قطيع من الذئاب قد أضراه الجوع والسعار)..
أعتقد أنه وبعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان على كلام «العقاد»، هناك من يكرر هذه الدعاوى الغريبة الآن حول ضعف قدرات المرأة وأنها ليس لها من سبيل سوى اعتمادها على الرجل الذى يجب أن يخوض عنها وعن المجتمع كل المعارك، ودورها هو التلطيف والطبطبة والحنان وتضميد الجراح، وأظن أن ما قيل مؤخرًا من آراء رجعية حول عدم صلاحية المرأة لمناصب القضاء هو تكرار لحديث قديم..
ولعل مثل تلك الأفكار والاتجاهات السلبية من جانب بعض النخب هى التى تم التركيز على إشاعتها فى عام السواد الإخوانى عندما دان لهم حكم البلاد ليعودوا بنا وبتاريخنا مئات السنين إلى الخلف..
وعليه، تقدمت المرأة القائد والملهمة فى ثورة 30 يونيو، وتحملت عبء المشاركة فى الثورة ومواجهة التنظيم الظلامى وتحملت من قبلها عنف الجماعة ضدها عندما كان خطابهم السائد أن المرأة عورة ومكانها المنزل، وقام أعضاؤها بالاعتداء على المتظاهرات ضد فكرهم المتخلف بالضرب والسحل أمام مقر الجماعة بالمقطم، فقد كان من الأسباب الرئيسية للمواجهة مع الإخوان ومشاركة النساء بقوة خوفهن على مكتسباتهن اللاتى عانين لعقود طويلة من أجل الحصول عليها..
واليوم، وفى تفاعل بديع من جانب أهل السينما وأهل إبداع القوى الناعمة، نتابع فعاليات الدورة السابعة لمهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة، هو مهرجان سينمائى مصرى مختص بالأفلام المتعلقة بقضايا المرأة، ويعد بمثابة حوار سينمائى بين المبدعين بمختلف قارات العالم، بهدف إبراز دور المرأة فى المجتمع، وتسليط الضوء على أهم القضايا والتحديات التى تواجهها.