الرئيس الفرنسي بأفريقيا.. هل يسعى ماكرون لإعادة باريس للقارة السمراء مرة أخرى؟
يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الأربعاء، جولة إفريقية تستغرق خمسة أيام وتشمل كلا من الجابون وأنجولا والكونغو الديمقراطية والكونغو برازافيل.
واستعرضت “الدستور” في سياق ذلك آراء الخبراء بشأن سعى ماكرون من خلال هذه الزيارة إلى إعادة فرنسا للقارة السمراء مرة أخرى.
نرمين سعيد كامل الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تقول في تصريح خاص لـ"الدستور": “يبدوا أنها محاولة لاستعادة نفوذ فرنسا المتراجع في أفريقيا خصوصًا بعد المقاومة التي تلاقيها القوات الفرنسية الموجودة في عدد من دول القارة السمراء”.
وأضافت كامل أن الجولة ستركز على المناطق التي يتراجع فيها النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل شديدة الاضطراب، وهي المناطق التي لم تكن من ضمن مستعمرات فرنسا السابقة.
وحول تفاصيل الجولة، قالت كامل إنها تركز بشكل أساسي على الإعلان عن سياسات فرنسية جديدة تجاه القارة الأفريقية في محاولة لاحتواء النفوذ الروسي المتنامي، والذي يأتي بالتزامن مع تزايد نفوذ دول أخرى في القارة حرصت على الدخول إلى أفريقيا من خلال البوابة الروسية التي تعتبر أكثر قبولًا للأفارقة في الفترة الحالية، متابعا: “وقد شهدت جنوب أفريقيا على سبيل المثال انعكاسًا للتقارب بين موسكو وبكين في تدريبات عسكرية استمرت لمدة عشرة أيام متتالية في مناورات هي الأضخم من حيث النوعية والمدى الزمني إضافة إلى انتشار قوات مجموعة فاجنر المقاتلة في نطاقات مختلفة من القارة الأفريقية”.
وتابعت كامل تصريحاتها قائلة: “يطرح التساؤل هنا حول جدوى الجولة الفرنسية في استعادة نفوذ فرنسا المتراجع أو في احتواء النفوذ الروسي – الصيني المتنامي خصوصًا بعد إقدام بوركينا فاسو على طرد قوات فرنسا التي قاتلت إلى جانبها في وقت سابق شهدت فيه البلاد عددًا من الانقلابات، كما أقدمت فرنسا على سحب قواتها من مالي ما يؤكد أن باريس لم يعد مرحبًا بها في العديد من المناطق بالقارة السمراء بسبب سلوكها الذي يصنفه الأفارقة باعتبار أنه عنصري وهو ما يعني أن باريس ستصبح مهددة بعد فشلها في احتواء نفوذ الجماعات الإسلامية المتزايد في أفريقيا”.
أحمد السيد: زيارة ماكرون.. فلسفة جديدة لفرنسا
من جانبه، قال أحمد السيد الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، إن امتناع 21 دولة إفريقية عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار انسحاب روسيا من أوكرانيا أثار مخاوف فرنسية تجاه علاقتها بأفريقيا، إذ من بين الدول الممتنعة عن التصويت ست دول كانت تتمتع بعلاقات قوية مع فرنسا، وكان الرئيس الفرنسي قد زار دولتين منها يوليو الماضي وهما "الكاميرون" و"غينيا بيساو"، بالإضافة إلى "بنين".
وأضاف السيد فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أنه يجرى تنسيق زيارات هذا الأسبوع حيث يقوم الرئيس "ماكرون" برحلة لأربع دول أخرى هى "الجابون" لحضور قمة الغابة الواحدة بشأن الحفاظ على الغابات في جميع أنحاء العالم، ثم "أنجولا" ثم "جمهورية الكونغو"، وأخيرًا "جمهورية الكونغو الديمقراطية" المجاورة.
وتابع: "لكن يُمكننا القول إن رحلة "ماكرون" المرتقبة لإفريقيا تأتي وسط تنامي القلق في باريس بشأن النفوذ الروسي المتزايد في البلدان الأفريقية خاصة تلك الناطقة بالفرنسية، إلى جانب المناورات الصينية والنفوذ الصيني المتزايد في عموم إفريقيا مُنذ عدة سنوات".
وأشار السيد إلى أنه يمكن النظر للزيارة المرتقبة للرئيس "ماكرون" لإفريقيا بأنها "الفلسفة الجديدة" لفرنسا والتي تعني مواجهة فرنسا للقوى المتنافسة في أفريقيا كروسيا التي عادت لأفريقيا مُستهدفة بشكل مباشر النفوذ الفرنسي، بالإضافة للقوى الصينية والتركية.
وأوضح السيد أن هناك تخبطا ملحوظا في السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا، بات جليا في شعاراتها بالتخلي عن ثوبها الاستعماري مع التمسك بواجبها نحو مكافحة الإرهاب، الأمر الذي راه البعض مدخلًا لتأسيس قواعد عسكرية فرنسية في أفريقيا.
وأضاف أن طموح فرنسا تجاه مستعمراتها القديمة في إفريقيا لم يتوقف، ويستمر ماكرون في زياراته لإفريقيا، وستكون الزيارة القادمة لأفريقيا هذا الأسبوع هي الثامنة عشرة على مدار حكمه لفرنسا، ويتوقع التركيز منها على مكافحة التغيرات المناخية، والتمهيد لواقع أن فرنسا تحاول مع إفريقيا من جديد، بعيدًا عن ثوبها الاستعماري.
ولفت السيد إلى أن زيارة ماكرون تأتى لطمأنة دول أفريقيا خاصة مع ما أُعتبر من تغير قرارها ردًا على الإخفاقات الفرنسية التي تسببت في مقتل 85 رجلًا من رجال القوات المسلحة في "مالي" في مواجهة الجماعات الجهادية، بالإضافة لإفساح الطريق أمام مجموعة "فاجنر" الروسية للتصدي لهذه الجماعات، وهو ما فسر زيارة وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" أوائل فبراير الماضي للمجلس العسكري في "باماكو".
وتابع: "كما سيحاول ماكرون طمأنة دول إفريقيا بمحاولة إيصال رسالة للقارة السمراء بأن دولها على قدم المساواة وعلى علاقة متكافئة مع باريس، بعيدا عن إرث الاستعمار الراسخ في عقول أبنائها، وكان ماكرون قد سعى إلى إبعاد نفسه عن إرث الماضي وسيسعى لبناء علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة مع الدول الأفريقية".
وأضاف السيد أنه من المتوقع أن يعلن الرئيس الفرنسي عن تقليل أعداد القوات الفرنسية في أفريقيا، في محاولة لنزع فتيل التوترات في غرب إفريقيا، حيث تتصاعد المشاعر المناهضة لفرنسا.
واختتم السيد تصريحاته قائلا: “في الأخير، سيواجه الرئيس الفرنسي معركة شاقة في رحلته المقبلة إلى إفريقيا للفوز بكسب ود دول في قارة تقاوم بشكل متزايد القوى الاستعمارية التي باتت تلعب دورا في شؤونها”.