جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مجدى الطيب.. رحيل مجد وطيبة!

لقي الناقد السينمائي الكبير مجدي الطيب ربه، في يوم الإثنين الفائت، حيث انتقل إلى الجوار الإلهي عن ٦٥ عاما (مواليد أسوان في يونيو ١٩٥٨)، نقل ولداه الجثمان من القاهرة إلى مسقط رأسه حيث مدافن الأهل في جنوب الوطن، وهناك كان العزاء، لكن من المنتظر أن يقام له عزاء في القاهرة التي عاش فيها وأضاء سماءها، لا سيما أن شقيقه المهندس جمال الطيب، الإنسان الودود والكاتب رفيع المنزلة، يقيم فيها أيضا. فجر موت الرجل المجيد مشاعر احترام لاسمه قدر ما فجر مشاعر حزينة لفقده، وهذا درس يجب أن يتعلمه الجميع، الحرص على أن تكون السيرة الشخصية محمودة، بلا رياء، وإن كانت الحكاية بديهية، إلا أن الحياة كثيرا ما يطغى شرها فيطاوعه الإنسان، ولا يبقى له نصيب من حمد!
ترك الرجل الجميل وراءه كما هائلا من المقالات المهمة الكاشفة، في الدائرة التي تفرد بداخلها، وترك آثارا إيجابية شتى من ظلال مشاركاته الفاعلة بالمهرجانات السينمائية والندوات المتخصصة، في مصر وخارجها، كان أيضا يملك عضويات متعددة بجمعيات السينما ولجان التحكيم ولجان قراءة السيناريو، وكم أدار مراكز صحفية حاشدة لتغطية فعاليات فنية مؤثرة، مما يصعب حصره، ولقد كان كتابه عن رمسيس مرزوق أحد أهم الأطروحات في نطاقه، كتاب "فيلسوف الصورة"..
لم يكن الرجل يؤمن بالشطحات والأحوال المريبة التي يؤمن بها بعض الفنانين، كان هادئا ورزينا ووديع الخصال عموما، لا أعني أنه كان يرفض أحدا بسبب طبع عجيب، لكنه كان مؤمنا بالاستقلال عن المجانين والخارجين على المألوف، باسم التجلي الفني، ولذا كانت صورته الخاصة نقية، وكان ممدوحا في مجاله مهما يكن من اختلاف مع قناعاته، مجاله الضاغط الذي يشوش أحيانا أفرادا من المنتسبين إليه فيفقدهم شيئا من الاتزان.
لم يسعدني الحظ بلقاء الرجل الذي كان وافر العلم وكريم السجايا، فيما علمت يقينا، وقد كان عدم اللقاء أكثر ما ندمت عليه مع سماعي الخبر المفاجئ المؤلم، بل ذكرت هذا الأمر لصديقي المهندس جمال الطيب، وأنا أعزيه في فقيده الحميم، والمفارقة أنه هو من واساني حينها قائلا: لا ندم على فوات لقاء يا صديقي، هذه أمور مقدرة، والراحلون الطيبون موجودن بجانبنا، وإن غابت أجسادهم!
قرأت نعي النقابة طبعا، وكلمات كثيرة لمثقفين ومشاهير في الفن والنقد، صادقوا الرجل أو زاملوه في رحلته الطويلة الحافلة بالمجهودات الضخمة والمنجزات العظيمة؛ وقد كانت السطور كلها تشير إلى معنيين رائعين، أنه كان رمزا متميزا في عمله، بكل ما للرمزية والتميز من دلالات، وكان شخصا مستقيما في سلوكه، بكل ما يعكسه لفظ الاستقامة من خلق قويم..
أعزي الوطن ومبدعيه، ولكن البركة باقية في النجلين العزيزين، وفي عمهما الملهم المهندس جمال، أطال الله عمره وعطره.