جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حملات التشكيك

انصبت حملات التشكيك على كل مشروعات الدولة التي قامت بها ، غير أن النصيب الأكبر كان التشكيك في قناة السويس، وقد بدأ التشكيك منذ أن أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراره بتأميم قناة السويس عام 1956، وقتها تعرضت مصر لحرب من جانب ثلاث دول هي بريطانيا وفرنسا وشاركتهما إسرائيل، وقتها تدخلت أمريكا والاتحاد السوفيتي. 
غير أن التشكيك بدأ عندما أعلن الكاتب توفيق الحكيم في كتابه الشهير "عودة الوعي" عن أنه لم يكن هناك جدوى من تأميم القناة طالما كانت ستئول إلى مصر بموجب عقد الامتياز، الذي قام بمده بطرس غالى رئيس وزراء مصر في عهد الخديو عباس حلمي الثاني. امتياز قناة السويس وعوائدها كان محددًا بين الحكومة المصرية والبريطانية بتسع وتسعين سنة، تبدأ مع افتتاح قناة السويس في نوفمبر 1869 وتنتهي في نوفمبر 1968. 
وظلت حملات التشكيك تعمل ولكن بصوت خافت، إلى أن قرر الرئيس السيسي إنشاء فرع آخر لقناة السويس لزيادة قدرتها على استيعاب أعداد كبيرة من السفن لزيادة الدخل. وكان الرئيس السيسي مصرًا على أن يكون مشروع القناة الجديدة مصريًا مئة بالمئة، سواء في تمويله الذي مثّل صورة من صور إيمان الشعب بثرواته، عندما أقبل المصريون على الاكتتاب في المشروع ودفعوا أكثر من 8.5 مليار دولار خلال ثمانية أيام فقط قبل أن تعلن الحكومة إقفال الاكتتاب. 
هاجمت مواقع التواصل الاجتماعي المشروع الجديد، الذي ثبتت فاعليته وأدى إلى زيادة دخل قناة السويس حسب آخر تصريح لمجلس الوزراء المصري إن إيرادات قناة السويس بلغت 683.2 مليون دولار في سبتمبر، بنسبة زيادة 21.4 بالمئة، مقارنة بنفس الفترة عام 2021، التي بلغت خلالها حوالي 563 مليون دولار
كما شملت حملات التشكيك الصندوق الاستثماري الجديد لقناة السويس الذي بدأت الحكومة المصرية الخطوات التنفيذية لتدشينه، معتبرة إياه حصنًا لحماية هيئة القناة ضد التقلبات السياسية والاقتصادية العالمية وحالات الطوارئ، ومستشهدة بأزمة كورونا العالمية، علاوة على أزمة السفينة الجانحة "إيفرجرين" في مارس 2021.
وكانت بعض حملات التشكيك والدعاية السوداء ضد قناة السويس وتطويرها والتفريعة الجديدة للقناة، وللأسف روج عدد من خبراء الملاحة الدولية أن خبراء هيئة قناة السويس لم ينجحوا في إنهائها قبل شهرين على الأقل. ولذلك كانت المفاجأة أن ينجح رجال الهيئة بكل ما لديهم من خبرات تاريخية وكفاءات، في تعويم السفينة خلال خمسة أيام فقط، بعد أن بدأ العالم في حبس أنفاسه ووقف على قدم مع التعطل المؤقت لعبور السفن بالقناة بسبب جنوح السفينة العملاقة.
وبمجرد إعلان مجلس النواب عن مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 لنظام هيئة قناة السويس. حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالمناقشات التي امتدت إلى المواقع الإخبارية بعد أن انقسمت الآراء بين مؤيدين ومعارضين حول المشروع، وسط غياب للمعلومات والبيانات حول مستقبل الصندوق الاستثماري الجديد وآلياته وتبعيته ومصادر تمويله، مما نتج منه عشرات الأسئلة ومئات التعليقات.
وكان آخر تلك الحملات هو الحملة التي ظهرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي من تعاقد هيئة قناة السويس مع شركة إسرائيلية لإدارة قناة السويس. 
بلا شك هناك حملات تشكيك ممنهجة تم تدشينها ضد مصر خلال الفترة الماضية، ومنها الادعاء بأن المشروعات الاقتصادية والتنموية التي تقوم بها الدولة تتم بعشوائية ويتم الإنفاق عليها من الموازنة العامة للدولة، وهو الأمر الذي رد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي بحزم وشفافية خلال كلمته يوم 22 سبتمبر 2022 أثناء تدشين الوحدات البحرية الجديدة لهيئة قناة السويس.
الغريب أن مصر لديها أجهزة إعلام قوية، ولكنها تغيب عن مواجهة حملات التشكيك، ولا تتحرك إلا بعد ظهور الحملات، ويكون تحركها حكوميًا مما يفقد التحرك فاعليته. 
حملات التشكيك تعاظمت مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، وأسهمت بعض القنوات الفضائية المتعددة في بلبلة أفكار البسطاء حول بلدهم، وتكوّن لديهم اعتقاد جازم بأن بلادهم تلفق الوقائع، وأنها لا يمكن أن تكون صادقة، كما ترسخ لديهم اعتقاد بأن الإعلام الأجنبي صادق فيما يقوله، خصوصًا قناة «بي بي سي» العريقة، التي يعرفها معظم المصريين، منذ أن كانت محطة إذاعية، ففي ظل الدعاية التي كانت تبثها أنظمة الحكم المختلفة في مصر، كانت تلك الإذاعة تحظى باحترام كل الناس الذين يستمعون إليها، وكان الخبر الذى تبثه تلك الإذاعة هو عين الحقيقة. كما كان بعض القنوات التليفزيونية باللغة العربية، مثل قناة DW الألمانية، وقناة RT الروسية، وقناة الحرة الأمريكية، وقنوات أخرى بلغات أجنبية تحظى أيضًا باحترام المشاهد المصري. وهي القنوات التي أسهمت في بث وزيادة حملات التشكيك. كل تلك القنوات أخذت خطًا معاديًا لإرادة الشعب المصري بعد ثورتي يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣، وتبنت دائمًا وجهات النظر المعادية للإرادة المصرية، المتمثلة في إرادة شعبها من الانتقال من الحكم الديني في ظل الإخوان المسلمين، إلى الحكم المدني، وقد حاولت تلك القنوات تأكيد بعض وجهات النظر التي تؤيد أعداء مصر والمتربصين بها.