جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الهبدجية اشتكوا

في كل نشاط أو هواية أو مهنة نلاحظ المحترفين أصحاب المهارات النادرة والعمل المتميز، هم في الواجهة دائمًا وما يتبع تلك الواجهة من شهرة وأموال ومكانة مختلفة في مجتمع يبحث عن المتفرد.
نقول بشكل عام إن هذا أمر جيد وإيجابي، المحترفون لا يشغلهم مزاحمة الفهلوي الكذوب، لأن في الاختبار العملي يبقى الأصيل ويذهب الدخيل المدعي إلى مكانه اللائق هناك في سلة المهملات.
ولأن العالم بات مثل قرية صغيرة بفضل شبكة الاتصالات المرعبة، ولم يعد هناك ما يمكن تسميته بسر الصنعة، اختلط الحابل بالنابل وصار التمييز بينهما غاية في الصعوبة، وخطوة خطوة بدأت الأكاذيب تتقدم في بجاحة، تعتلي المنصات وتلتهم الميكروفونات، عينها على عدد المشاهدات والفلورز والترند، وبالرغم من أن هذا الزحام لا أحد، حسب تعبير شاعرنا الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي، إلا أن مساحة ليست بسيطة قد ازدحمت في العقل والروح، وهو ما يؤثر بالسلب على المحترفين الذين أشرت لهم في بداية المقال.
هذه الظاهرة التي تعتمد على فقه الفوضى لا تختص بها مصر وحدها، ولكن سوف تلمحها جيدًا في البلدان التي تأخرت عن ركب التقدم، سوف تراها في الشرق الأوسط بوضوح وتمسكها بيدك في مساحات واسعة في أفريقيا وتمشي بجوارها في شرق آسيا. 
أنصاف المواهب لا يمكن أن أصنفهم ضمن باب "حسن النية" لأنهم مخربون بإمتياز ويعتاشون على بواقي تخريبهم بوعي شديد، وهنا تكمن الخطورة وتصبح الكتابة واجبة، وحتى لا يتوه الكلام نحن نشير بأصبع سبابتنا إلى الفهلوية الكاذبين، سواء في مجال المهن الحرفية أو النصابين في مجال صناعة الرأي العام والهبد المتدفق في مجالات مختلفة كالاقتصاد والسياسة والشئون الدولية وطفح المجاري. 
جولة سريعة في وسائل التواصل الاجتماعي سوف تعرف بعدها عمق الأزمة الناتجة عن انتشار الخبراء والمتخصصين وحجم الجهل والإدعاء في مختلف الموضوعات، لا تقل لي إنها حرية الرأي التعبير- الله يخليك - لأنه بالعقل وحسب المعادلة العادلة أقول من حقك أن تهبد ومن حقي أن أضع هبدك تحت حذائي ومثلما حاولت مصادرة عقلي فأنا من حقي أن أسعى لإسكاتك رحمة بالأجيال القادمة.
ولعل التعريف المشهور بالهبد قد أصاب كبد الحقيقة، المعروف في فعل الهبد عدم التفكير ولكنه تخبيط أينما جاءت يدك، ويكون هذا مناسبا وانت تهدم جدارا على سبيل المثال ولك الحق أن تهبد وأنت تنفض مرتبة متربة، ولكن أن تهبد في كل وقت وفي أي موضوع فهذا استنزاف لا يليق.
ولأنهم يتكاثرون مثل الذباب، تأكدنا أن الله يضرب الظالمين بالظالمين، فنلاحظ شكوى الهبدجية القدامى من محدثي الهبد، ولسان حالهم يقول "الصنعة لمت يا جدعان".
وبالمناسبة من قال لا أعلم فقد أفتى، ها هي سهلة وبسيطة ..أتكلم في الشأن الذي تخصصت فيه، أعمل في المجال الذي درسته وأعرفه، أمشي على أرض صلبة كي أضع بصمتي المهنية، وهذا أمر عظيم لو تعلمون.
الخسائر التي تتلقاها أفراد من الهبدجية كبيرة ..أقلها سباك يدعي أنه سباك، والخسائر التي تتلقاها البلد بشكل عام من الهبدجية قد ترتقي إلى حجم الجريمة، حيث الخصم المتربص قابع في مكان ما يتلقف ما تنتجه ماكينة الهبد اليومي لتعيد تصديره لنا بعد إضافة بعض البهارات وفواتح الشهية ليأكله قطاع ليس قليلا من أهالينا.
عشنا زمن الشائعات المنسوجات بإحكام وكانت دائمًا تسقط أمام أول ضربة بمعول الحقيقة، أما تداخل الخطوط واللكاعة والجهل النشيط فهو أخطر من الشائعة.
رحم الله عبدالرحمن الشرقاوي الذي لم يستمع إليه أحد عندما قال "الكلمة مسئولية"