جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«إيران التى لم نعرفها بعد» كتاب يرصد العالم المجهول للدولة الإيرانية

إيران التى لم نعرفها
إيران التى لم نعرفها بعد

اهتم كتاب «إيران التى لم نعرفها بعد» الصادر عن المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، الذى يقع فى ٢٥٥ صفحة من القطع الطويل، بدراسة العناصر الهيكلية فى القوة الإيرانية، ولعل أحد أهم هذه العناصر هو الحرس الثورى الإيرانى، من خلال دراسة معمقة وتحليل شامل له، حيث إنه يعد المؤسسة الأهم فى جمهورية إيران الإسلامية.

وجاء فى مقدمة الكتاب: «تكثر الكتابات العربية وغير العربية عن إيران لاشتباكها مع العديد من القضايا الإقليمية والدولية أيضًا، الأمر الذى يجعل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية واحدة من القوى الإقليمية المؤثرة فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، وتقدم إيران نموذجًا للدول الثيوقراطية القائمة على أساس دينى منذ الثورة التى شهدتها عام ١٩٧٩، والتى ارتكزت على مرجعية دينية آمن بها أتباعها وفرضوا منظورهم على كل مفاصل الدولة الإيرانية».

وينقسم الكتاب إلى بابين أساسيين، الباب الأول بعنوان «ظلال الداخل الإيرانى»، الذى يتضمن ٦ فصول كل منها يحلل أحد الأبعاد الهيكلية فى السياسات الإيرانية، التى تؤثر بشكل واضح فى صياغتها وتوجهاتها ولا تظهر بشكل مباشر فى القرارات والأحداث المتغيرة التى تمر بها إيران، ومن هنا جاء الفصل الأول «الموقع الجغرافى الإيرانى: فرص وتحديات جغرافية»، ليهتم بتحليل الجغرافيا الإيرانية الطبيعية والبشرية بعد أن يرصد مقومات وعناصر هذه الجغرافيا، ثم يعرض لتأثير هذه الجغرافيا على السياسة الإيرانية خاصة مع دول جوارها المباشر.

بينما الفصل الثانى «الأساس الأيديولوجى للنظام الإيرانى» يقدم تفسيرًا للرابطة الأيديولوجية التى تؤسس العلاقة التراتبية داخل النظام الإيرانى، من خلال صياغتها القانونية فى الدستور، والمرجعية الدينية التى يرتكز عليها داخليًا وخارجيًا، ويكمل الفصل الثالث «النظام السياسى الإيرانى: البنية والخصوصية» توضيح آليات عمل النظام السياسى فى إيران، من خلال توضيح مؤسسات صنع القرار والعلاقات الفعلية بينها، وتفسير الخصائص المميزة للنظام الإيرانى، والتى أكسبته القدرة على التماسك خلال العقود السابقة، ويعرض الفصل لأبرز التحديات التى تواجه النظام فى الوقت الراهن.

وفى الفصول الثلاثة التالية فى هذا الباب، يتم تناول المؤسسات الأكثر تأثيرًا فى السياسات الإيرانية، فالفصل الرابع «الحرس الثورى الإيرانى: البنية والدور والإشكاليات» يهتم بتوضيح دور الحرس الثورى وبنيته التنظيمية، والكيانات التابعة له سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية، والتى تساعد على تعدد المهام والأدوار التى يقوم بها الحرس الثورى داخل إيران وفى سياستها الخارجية أيضًا، ويشكل جزءًا مهمًا من الصورة الذهنية عنها.

ثم يقدم الفصل الخامس «المؤسسة العسكرية الإيرانية: دور مستقل أم ازدواجية مؤسسية؟» الجانب الآخر من القوة العسكرية الإيرانية ممثلة فى جيشها النظامى، ويستعرض الظروف التى حجمت دوره نسبيًا فى مرحلة ما بعد ثورة ١٩٧٩، وطبيعة علاقته بالحرس الثورى، رغم القدرات العسكرية الكبيرة التى يمتلكها الجيش النظامى.

أما الفصل السادس «الاقتصاد الإيرانى بين التقييد والانطلاق» فيعرض طبيعة الاقتصاد الإيرانى، والأزمات المتعددة التى مر ويمر بها فى الوقت الراهن، وهى الأزمات التى نتجت عن العقوبات التى فرضت على إيران جراء سياساتها المتشددة.

وإذا كان الباب الأول يلقى الضوء على الأبعاد الهيكلية المرتبطة بالداخل الإيرانى، فإن الباب الثانى يكمل كشف الأبعاد الهيكلية فى السياسة الخارجية الإيرانية، التى مكنتها وتمكنها من اختراق العديد من الدوائر، وتزيد من تأثيرها فى محيطها الإقليمى بالأساس، وعنوان الباب الثانى «المسكوت عنه فى السياسة الخارجية الإيرانية»، يركز بالأساس على تلك الأبعاد التى لم تلق اهتمامًا كافيًا فى الدراسات المهتمة بالشأن الإيرانى، والتى تضيف لقوة التأثير الإيرانى.

يحتوى هذا الباب على أربعة فصول: الفصل السابع «الدائرة الآسيوية فى السياسة الخارجية الإيرانية» يهتم بتحليل سياسة إيران فى منطقة آسيا الوسطى، وهى جزء مهم من المجال الحيوى الإيرانى وامتداد لبعض القوميات فى إيران، وتضيف للقوة والنفوذ الإيرانى بما تمثله من أهمية لعلاقات إيران بالقوة الكبرى.

بينما تطرق الفصل الثامن إلى «دور القوة الناعمة فى السياسة الخارجية الإيرانية»، فيشير إلى كيفية توظيف إيران لقوتها الناعمة، والتى تتميز بخصوصية واضحة نتيجة ضلوع البعد المذهبى فيها كواحدة من أهم أدوات القوة الناعمة الإيرانية، كما يتناول الفصل الأماكن المختلفة موضع الاهتمام الإيرانى، ويبرز اختلاف أسلوبها فى إدارة قوتها الناعمة من مكان لآخر.

ويعرض الفصلان التاسع والعاشر أهم المسارات المتوازية لتنفيذ مصالح السياسة الإيرانية الخارجية، فالفصل التاسع «الأبواب الخلفية للسياسة الخارجية الإيرانية: العلاقات مع التنظيمات الإرهابية» يعرض لمنطقة شائكة فى السياسة الخارجية الإيرانية، إذ يعرض للعلاقات الغامضة التى تربط بين إيران والتنظيمات الإرهابية الكبرى، خاصة طالبان والقاعدة والإخوان، من خلال تقديم استعراض لتاريخ هذه العلاقات وأبرز العلامات فيها.

ويتضمن الفصل العاشر «وكلاء إيران البراجماتية والأيديولوجية»، دور الجماعات التى تدعمها إيران فى استراتيجيتها فى منطقة الشرق الأوسط، ويوضح هذه المسارات، من خلال الكشف عن رعاية إيران لبعض الوكلاء الإقليميين، والذين ترتبط بهم بعلاقات أيديولوجية لتحقيق المصالح البراجماتية لها ولهم، وزيادة نفوذهم فى دولهم، ليوفروا بهذا تأثيرًا متناميًا لإيران، ويقدم الفصل أبرز النماذج لهؤلاء الوكلاء فى العراق ولبنان واليمن وفى الأراضى الفلسطينية.

وأكد الكتاب أن قوة إيران وقدرتها على التأثير تنبع من عدة اعتبارات ترتبط بطبيعة الدولة ذاتها ونظامها السياسى بعد الثورة الإسلامية فيها عام ١٩٧٩؛ الأمر الذى تطلب دراسة وتحليل تأثير الأبعاد الأعمق فى تفسير هذه القدرة سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، بما يساعد على إدراك عناصر القوة وعناصر الضعف الهيكلية فى الدولة الإيرانية.

وتطرق الكتاب إلى تحليل السياسات الإيرانية محاولًا تصحيح المفاهيم المغلوطة حيال كون المذهب الشيعى بالكلية هو الأساس الأيديولوجى الذى يقوم عليه النظام السياسى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويتطرق إلى ما أطلق عليه «النظرية الخاصة» التى تشكل الأساس الأيديولوجى لنظام الحكم فى إيران، وأن شيعية الدولة وأغلب أطياف المجتمع لا ترتبط بالنظام السياسى فى حد ذاته.

ويقدم كتاب «إيران التى لم نعرفها بعد» رؤية شاملة عن الدولة الإيرانية من كل الزوايا الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، من خلال الفصل المعنون «المؤسسة العسكرية النظامية فى إيران.. ما بين التهميش والتوظيف»، التطورات التى مرت بها المؤسسة العسكرية الإيرانية خلال العقود الماضية، وطبيعة علاقتها بالحرس الثورى، وكذا القدرات التقليدية والنوعية التى تمتلكها إيران فى الوقت الحالى.

ويكشف الكتاب عن كيف أسفرت السياسات الاقتصادية غير المتسقة والمتناقضة التى اتبعتها الحكومات الإيرانية المتعاقبة على مدار أربعة عقود متتالية، عن حدوث اختلالات هيكلية لا يزال يعانى منها الشعب حتى يومنا هذا، كما يوضح أسباب وانعكاسات إخفاق النموذج الاقتصادى الإيرانى على مدار أربعين عامًا رغم امتلاك الدولة العديد من المقومات الاقتصادية.

ويوضح الكتاب فى الفصل المعنون بـ«الدائرة الآسيوية فى السياسة الخارجية الإيرانية» التطورات السياسية التى أحاطت بطهران فى الشرق الأوسط وعودة فرض العقوبات عليها وجائحة كورونا، الفرصة لمشاركتها الفعالة «شرقًا» مستخدمة أيديولوجيتها الإسلامية والتنوع العرقى والطائفى للبلاد، والموقع الجغرافى كأدوات لها بجانب علاقتها مع الصين كأحد الأسس المحورية فى ذلك التوجه، لكن لا تزال هناك عقبات تقف فى طريق تحقيق أهدافها فى المنطقة الآسيوية.

وأوضح الكتاب أن النظام الإيرانى يواجه فى المرحلة الحالية تحديًا كبيرًا نتيجة العديد من العوامل، لكن أبرزها تراجع قدرته على الجمع المرن بين الاعتبارين الأيديولوجى والنفعى، وهى القدرة التى وفرت له خيارات أوسع ومنحته إمكانية أكبر على الحركة والمناورة، سواء فيما يتعلق بإدارة توازنات القوى فى الداخل، أو فيما يتصل بتحديد اتجاهات العلاقات مع الخارج، لا سيما القوى الإقليمية الرئيسية والدولية المعنية بقضايا المنطقة.

ويهدف الكتاب إلى تعميق المعرفة بإيران، وأن يكون أساسًا موضوعيًا للدراسات المهتمة بالشأن الإيرانى، ومجيبًا عن التساؤلات التى تسعى لكشف غموض وازدواجية كثير من السياسات الإيرانية على المستويين الداخلى والخارجى.