جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

القائد بين رجاله

مازالت أجواء الاحتفال بعيد الشرطة المصرية تسرى طوال الأسبوع الماضى خاصة فى أعقاب تلك الاحتفالية المهيبة التى شرفها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بحضوره ومعه كبار رجال الدولة.. وأحسب أن الاحتفال هذا العام كان مختلفًا إلى حد كبير عما سبقه فى الأعوام السابقة، خاصة من تلك الكلمة المهمة التى ألقاها السيد الرئيس فى التكريمات التى قام بها سيادته لأسر الشهداء، وبعض السادة الضباط المتميزين، وأيضًا فى كلمة السيد اللواء/ محمود توفيق، وزير الداخلية.
من المؤكد أنكم لاحظتم معى أن أعداد المكرمين من أسر الشهداء قد انحسرت هذا العام بشكل ملموس، وهو ما يؤكد رؤية السيد الرئيس إلى نجاح الأجهزة الأمنية فى تقويض العمليات الإرهابية بشكل يجعلنا نتجه إلى تعمير محافظة شمال سيناء بصورة أكثر سرعة وفاعلية، خاصة بعد الزيارة التى قام بها السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء، يرافقه مجموعة من السادة الوزراء على متن أول طائرة تهبط بمطار العريش منذ ثمانية أعوام، وهو نجاح يُحسب بلاشك إلى حسن إدارة عمليات مواجهة الإرهاب سواء من الشرطة أو القوات المسلحة، بالإضافة إلى وعى أهالى سيناء الذى ساهم فى تكوين تحالف أو كيان لمساندة الأجهزة الأمنية فى كشف بؤر الإرهاب وتوجيه ضربات استباقية قوية للفلول الهاربين والمختبئين بها.
من ناحية أخرى، فقد جاء عرض وزارة الداخلية لبطولات ضباط المفرقعات، وهو أحد القطاعات المهمة فى الوزارة، والتى كان لها دور فاعل أثناء أحداث الشغب والإرهاب، والتى لم يسبق عرضها علينا من قبل، حيث جاء استشهاد المقدم/ أحمد عشماوى، والمقدم/ محمد لطفى حال محاولتهما تفكيك إحدى العبوات الناسفة، وذلك عام ،2014 وعلى الرغم من أن البطل المقدم/ طارق عبدالوهاب شاهد زميليه وقد استشهدا إلا أنه تقدم بكل إيمان وشجاعة ليكمل مهمتهما وأصيب أثناء عملية التفكيك بفقدان جزء من ذراعيه، إلا أن ذلك لم يثنيه عن عزمه وعزيمته وأعلن أمام الجميع فى تلك الاحتفالية أن قلبه ينبض بحب مصر وأنه يتلقى عمليات تأهيل مستمرة، لكى يعود لمواصلة عمله والتصدى للإرهاب الجبان الذى يتخفى تحت عباءة العبوات الناسفة المخفية لتُحدث أكبر قدر من الخسائر بين البشر الأبرياء دون تفرقة بين هذا أو ذاك.. وكم كان رد فعل السيد الرئيس مفاجئًا لنا جميعًا حينما صدق سيادته على منحة ترقية استثنائية لرتبة العقيد، وهنا ضجت القاعة بالتصفيق والوقوف احترامًا وإجلالًا لهذا البطل وتقديرًا لموقف السيد الرئيس على ما بذله البطل من عطاء.. وعلى الرغم من ذلك جاءت كلمة الرئيس لتهز مشاعرنا جميعًا عندما قال "من يستطيع تعويض طارق؟.. لا يستطيع أحد مهما كان حجم التكريم أن يقوم بتعويض طارق عما فقده من ذراعيه وما لحقه من إصابات، لكن تعويض طارق الحقيقى هو أمن مصر وأمانها ووحده شعبها وتحقيق الرسالة والهدف من تضحياته.. هكذا يكون العطاء وهكذا يكون القائد والقيادة".
وجاءت كلمة السيد وزير الداخلية لتؤكد على حجم التحديات التى تواجهها الدولة المصرية بصفة عامة وأجهزة الشرطة بصفة خاصة، حيث ألقت التوترات الدولية بظلالها السلبية على شعوب العالم، ومنها بطبيعة الحال الشعب المصرى، ومن هنا تضافرت جهود الداخلية مع جهود الدولة لفرض مظلة الأمن والاستقرار عبر تحقيق الاستباق الأمنى وجودة الأداء الشرطى محاطة بوعى شعبى يساند تلك الجهود ويدعمها.. وأشار سيادته إلى نجاح التعاون بين رجال الشرطة ورجال القوات المسلحة فى التصدى لمخططات الإرهاب والأفكار المتطرفة وإجهاض مساعى التنظيمات الإرهابية ومن يروج لها أو يدور فى فلكها لاستعادة تماسكها وتوازنها الذى فقدته عبر الضربات الأمنية الحاسمة وتجفيف منابع تمويلها.. كما أشار سيادته إلى تلك الجهود الجبارة التى تبذل لحماية المجتمع من سموم المخدرات التى تعد إحدى أدوات تدمير المجتمعات، خاصة على ضوء معدلات محاولات إغراق البلاد والمنطقة بجميع أنواعها سواء المخدرات التقليدية أو المخلقة استغلالًا لما يشهده محيطنا الإقليمى من تداعيات سياسية وأمنية.. ولم يكن حديث السيد الوزير عند ذلك التطور النوعى واللوجستى الذى شهدته مراكز الإصلاح والتأهيل للنزلاء الذين يقضون فترة عقوباتهم القانونية فيه إلا ردًا على مزاعم منظمات حقوق الإنسان تجاه الملف المصرى المتعلق بهذا الشأن.
وفى كلمته المهمة طرح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى عدة تساؤلات للرأى العام كانت فى غاية التدقيق والموضوعية، إذ تساءل سيادته عما إذا لم يتم تطوير قناة السويس لتحقق دخلًا قدره 8 مليارات دولار سنويًا بدلًا من 4.5 مليار على أحسن الظروف؟ هل كانت البنية الأساسية للكهرباء منذ سبع سنوات تستطيع أن تواجه زيادة الطلب عليها بعدما ارتفع عدد السكان منذ عام 2011 حتى اليوم بمقدار 20 مليون نسمة؟ وهل كان من الممكن أن يكون هناك دور للموانئ المصرية فى التجارة العالمية وسط منطقة لها أهمية بالغة دون أن تكون جاهزة لهذا التطوير والتنمية المحتملة؟ وهل تلك الزيادة السكانية الرهيبة كانت سوف تستوعبها تلك الطرق المتهالكة ووسائل المواصلات التى انتهت صلاحيتها .. أم كان من الضرورى العمل على تطوير شبكة الطرق والنقل التى كلفت الدولة حوالى 2 تريليون جنيه وإلا كان كيف كان سيتنقل المواطنون؟.
كان حديث الرئيس غير تقليدى فى تلك المناسبة بل إن سيادته كان واضحًا فى عرض جميع العوبات والمشكلات التى تواجه الدولة المصرية مثلما تواجه معظم دول العالم، وعلى الرغم من ذلك فإن شغلنا الشاغل منذ بداية الأزمات العالمية هو كيفية تخفيف آثارها على الداخل المصرى، وأن تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من أعباء وتكاليف الأزمة وعدم تحميلها على المواطنين بأقصى ما تستطيع قدرة الدولة تحمله.
وفى ختام كلمته، أكد سيادته ان تحقيق الآمال يتطلب جهدًا وصبرًا وقوة تحمل وأنه على ثقة فى الله وفى شعب مصر بأننا سوف نعبر ونتجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية بالعمل المخلص والجهد الذى لا ينقطع، والإيمان بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
هكذا كانت كلمات القائد أمام رجاله من أبناء الشرطة المصرية وبعض رجال القوات المسلحة، حيث أشعلت فيهم روح التحدى وأعطتنا نحن أيضًا طاقة إيجابية غير مسبوقة باعتبارنا شركاء فى هذا الوطن وعلينا أن نتحمل معًا تبعات ما يمر به من أزمات مثلما تمتعنا بخيراته، وإننى على يقين من أن قول الله سبحانه وتعالى "سيجعل الله من بعد عسر يسرًا" وسوف يسرى على مصرنا الغالية التى سوف تظل بلد الأمن والأمان والخير والعطاء دائمًا وأبدًا بإذن الله.
وتحيا مصر.