جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«أنا أو هى».. قصة قصيرة

تلك المرأة الساكنة قلبك، المطلة من ملامحك، المقيمة فى دمك، كم أغار منها، قبل أن أحبك كنت أسخر دائمًا من مشاعر الغيرة وأعتبرها سذاجة لا تليق بامرأة مثلى، أنا لست بساذجة لكننى أحترق غيرة عليك.
نلتقى أنا وأنت، كل شىء مهيأ لنا، غموض الليل، ورقة الهواء وعذوبة الأنغام وسِحر الشِتاء، فاضت بقلبى الأشواق وأنت كعادتك عاشق جميل، يمنحنى أحلى الكلمات لكن تلك المرأة الساكنة قلبك، المطلة من ملامحك، المقيمة فى دمك، تتدخل بيننا، تعكر صفو الوصال.
فى كل لقاء، أحسها، أشم رائحتها، أنظر إليك، أراها تتحدانى، وتسألنى الرحيل عنك لست أدرى هل أرحل أم أبقى؟
فى كل لقاء أتمنى لو تأتينى دونها، لكنها ممتزجة بظلك وتسبق خطواتك إلى جلستنا، فى دهشة تسألنى: لماذا أنتِ متعكرة المزاج وما زلنا فى أول الليل؟
بماذا أجيبك؟ هل أعترف بأننى أغار عليك؟ هل أعترف بأننى أضع نفسي فى مقارنة مع تلك المرأة الأخرى؟ هل أعترف بأننى أسيرة الشعور الذى طالما سخرت منه؟ يمنعنى كبريائى من الاعتراف.
بالأمس التقينا، وسامتك مبهرة الضياء، حديثك ساحر، يطوف بى بعيدًا عن الزمان والمكان، تدعونى عيناك للارتماء فى بحرهما ألبى النداء.
تأخذ يدى بين يديك وتقول: مالك هذه الأيام أصبحتِ كثيرة الشرود والتوتر.. ماذا بكِ؟
لا أستطيع إخفاء مشاعرى الليلة، لا بد من أن أصارحك وليذهب كبريائى إلى الجحيم.
قلت: أغار من تلك المرأة الأخرى التى اقتحمت حياتك، لا أستطيع أن أحتملنا نحن الثلاثة معًا، خلصنى من عذابى قل لى، أتحبها؟
مندهشًا تقول: أحبها؟ ما هذا العبث الذى تتحدثين عنه؟ ألا تعرفين مَنْ أحب؟ لا أتخيلك تغارين حقًا؟
أقول: الغيرة تكاد تذهب بعقلى، وخيالى يصور لى أشياء كثيرة.
تقترب أكثر بحنان تقول: أعرف خيالك الجامح، ولكننى أحبك أنتِ.. أنتِ الحب الذى عشت سنوات عمرى أبحث عنه، أنتِ المرأة تدهشنى وتحيرنى، والتى ادخرت لها كل مشاعرى وأسرار فرحتى.. لست أتصور أن أفقدك أو أن تغيبى، صالحنى حبك على عمرى الضائع وقسوة الأيام، لست أتمنى شيئًا الآن سوى أن تبقى معى حتى آخر العمر.
هل كان لا بد من اعترافى بالغيرة، حتى تُسمعنى كلمة الحب؟
أسألك: ولكن ماذا عنها هى؟
تقول: هى صديقة.. لا أكثر ولا أقل.
قلت: اهتمامك بها أكثر من الصداقة، لم لا تعترف بالأمر؟
تقول: أى أمر؟
قلت: إنك تحبها وهى تحبك.
تقول: ماذا حدث لك؟ لماذا لا تصدقيننى؟
قلت: ربما تحبنا نحن الاثنتين فى وقت واحد، ربما لا تدرك أن اهتمامك بها يتعدى حدود الصداقة.
بانفعال تقول: لا أستطيع مجاراتك فى هذه المناقشة وأرفض أن تساورك الشكوك.
قلت: وأنا أرفض أن تشاركنى فيك امرأة أخرى.
تسألنى: ماذا تعنين؟
قلت: إما أنا أو هى.
تقول: إنها صديقتى، كيف تطلبين مِنى أن أنهى علاقتى بها.
قلت: لو كانت مجرد صديقة، كما تزعم، لسهل عليك التخلى عنها.
تقول: إنها صديقتى لا أستطيع الاستغناء عن وجودها.
قلت: لست أؤمن بالصداقة بين الرجل والمرأة.
تقول: لكننى رجل مختلف وهى امرأة مختلفة.
أقول: وأنا امرأة عادية.. تقليدية.. أليس هذا ما تود أن تقوله؟
تقول: كلامك الليلة يدل على ذلك.
قلت: لن أستطيع احتمال تلك المرأة الأخرى، أكثر من هذا الحد، إننى أخيرك إما أنا أو هى.. إما صداقتها أو حبى.
تركته وحيدًا مذهولًا من قرارى المفاجئ.. أنا أيضًا لم أكن مستعدة لمثل هذا القرار، من حقى أن أغار عليه، من حقى ألا تشاركنى فيه امرأة أخرى.
يتهمنى بالتقليدية لأننى لا أعترف بصداقته مع المرأة الأخرى، غريب أمر الرجال يريدون كل شىء، يرغبون جميع النساء ولديهم تفسيرات لكل ما يفعلونه، ترى لو كنت أنا فى مكانه ماذا سيفعل؟ لو كان فى حياتى رجل صديق لا أستطيع الاستغناء عن وجوده كما الحال مع صديقته، ماذا سيكون شعوره؟
أحيانًا يؤنبنى ضميرى، ربما أكون قد قسوت عليه، ربما أكون واهمة أو بالغت فى الأمر، أو أكون قد جرحته بشكوكى، لكن ما هى إلا لحظات وأطمئن، فهو الذى بدأ القسوة بإقحامه تلك المرأة الأخرى بيننا، هو الذى جرحنى بإصراره على عدم التخلى عنها.
مر وقت طويل ونحن الاثنان فى صمت، هو ينتظر مكالمتى وأنا أنتظر عودته، لا هو يتكلم ولا أنا أعود.
مر وقت طويل والحياة بدونه أيام متشابهة العبير والألوان، أفعل كل شىء بدقة فى موعده، أروح وأجىء وأتكلم وأبتسم لكننى ذابلة الملامح، بقلبى حزن لا يُذهبه إلا وجوده معى.
لن أعود، كل شىء أهون من امرأة أخرى تشاركنى فيه باسم الصداقة، لن أعود رغم أننى أدرك أنه حب عمرى الماضى والآتى. 
------
من بستان قصائدى 
هذا العالم ليس عالمى 
هذه القوانين لا تناسبنى 
هذه الأخلاق الفاسدة تنفرنى 
هؤلاء الرجال يشربون دمائى
هل أفوز وحدى 
ضد السلاطين والطغاة 
وطواحين الهواء 
سأعتكف فى مدينة الكتابة 
بنيتها بالعرق وكلماتى وبكائى