جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«عبد الوهاب طفل النساء» قصة حياة عبقرى النغم الهارب من الحب

الموسيقار محمد عبدالوهاب
الموسيقار محمد عبدالوهاب

ان النساء دائمًا ما يتزاحمن على حفلات الموسيقار «محمد عبدالوهاب». يحببن استماع ألحانه وأغانيه التى تلمس الجانب النفسى والعاطفى منهن. فيُصبن بولع شديد فى عشق هذا الفنان الذى لم يهتم فى حياته بالحب ولم تشغل باله عن الحياة أى عاشقة سوى فى مرات نادرة سنتطرق للحديث عنها فى هذا المقال. كان «عبدالوهاب» دائمًا هو طفل النساء المدلل، وفى هذا الكتاب الذى نحن بصدد الحديث عنه سنتعرف على بعض المواقف الحساسة والشخصية التى أثرت فى حياة عبدالوهاب وشغلت جزءًا من حياته بجانب الفن. فالفن والعلاقات النسائية فى صراع محتدم طوال حياة عبدالوهاب لكن دائمًا ما ينتصر الفن على أى شىء آخر فى حياته.

ويذكر الكاتب «جليل البندارى» فى هذا الكتاب أنه عندما سأل «محمد عبدالوهاب» عن ماهية ومعنى الفن فى حياته قال عبدالوهاب إنه لا يعيش إلا لشىء واحد فقط هو الفن! فإذا تناول طعامًا فمن أجل أن يعيش ليلحن الأغانى ويؤلف القطع الموسيقية.. وإذا لم يتناول طعامًا فلأنه مشغول بلحن من الألحان.. وإذا لم ينم فلأنه يفكر فى لحن جديد.. وإذا نام فلكى يستريح ليستيقظ فى اليوم التالى وهو هادئ الأعصاب ليواصل إنتاجه الفنى! ويعتبر الموسيقار الراحل «محمد عبدالوهاب» رائدًا من رواد الفن والموسيقى. فهو الذى غيَّر من شكل الموسيقى العربية، فهو صاحب الصوت المتعجرف، وهو نفسه صاحب الألحان المميزة المشهورة التى تتشابه مع المقطوعات الموسيقية الغربية واختلف الكثيرون على أصالتها.

فى كتاب «عبدالوهاب طفل النساء المدلل»، الصادر عن دار «كلمة» للنشر والتوزيع، يتحدث الكاتب «جليل البندارى» عن مغامرات «عبدالوهاب» النسائية، التى ربما لم يسمع أغلبنا عنها أو لم يحالفنا الحظ والوقت بالقراءة عنها والمعرفة أكثر عن حياة هذا الفنان الموهوب طفل النساء المدلل.

ومن لم يسمع عن «جليل البندارى» فهو شاعر وصحفى كان صديقًا شخصيًا ومقربًا للغالبية العظمى من فنانى الخمسينيات والستينيات. واشتهر بمقالاته النارية والجريئة فى النقد الفنى، حيث كتب عن «عبدالحليم حافظ» و«محمد عبدالوهاب»، وكتب أفلامًا ذاع صيتها خلال القرن الماضى، فهو الذى كتب وأنتج فيلم «الآنسة حنفى» وفيلم «العتبة الخضرا» وهى قصة ما زال المصريون يذكرونها حتى الآن، وكتب كتاب «راقصات مصر». 

وعندما نتتبع قصص «محمد عبدالوهاب» التى يرصدها «البندارى» فى هذا الكتاب سنتعرض للصدمة والشعور بالغرابة عندما نعرف نظرة عبدالوهاب للمرأة وللحب. فهو يرى المرأة كالزهرة التى ما إن تقطفها تتركها وتبحث عن غيرها. سوف تسأل نفسك هل هذا عبدالوهاب الفنان الذى يغنى للحب؟ يتتبع «البندارى» قصص الحب والغرام التى مر بها عبدالوهاب، فتبدأ هذه القصص بامرأة السفير العربى التى طلبت الطلاق من زوجها أملًا فى الزواج من عبدالوهاب وتخلى عبدالوهاب عنها. وبعد فترة يتزوج عبدالوهاب من مليونيرة الزمالك السيدة «ز. ش» التى عشقته حتى الجنون وقدمت له الهدايا والمال لكن دائمًا ما كان عبدالوهاب ينشغل بالفن وكان هذا يضعه فى مشاكل دائمة مع زوجته حتى طلقها. ثم يتحدث الكاتب عن علاقته بامرأة من أسرة محمد على ووعدها بالزواج لكن أهلها رفضوا زواجها من عبدالوهاب فدخلت غرفتها بقصر خالها الأمير، وأشعلت النار فى نفسها. وبعدها يسافر إلى رأس البر وهناك يقع فى غرام «إقبال نصار» فتعد إقبال نصار أول حب يقع فيه حيث كان ذليل هذا الحب. «كان يعرف أنه معبود للنساء.. وكان يعرف أنه على جانب كبير من الثراء والوجاهة والشهرة وكان يعرف أن كل امرأة تتمناه.. فإذا تمنعت عليه امرأة، فلا بد أن يكون فيها شىء غريب! وهذا الشىء الغريب هو الذى يجعلها تتفوق على عشرات ومئات النساء اللاتى اختلط بهن». لكن ما إن يحصل عبدالوهاب على ما يريد حتى يتركه ويبحث عن غيره «وهو يكاد يكون الملحن الوحيد الذى لم يكرر نفسه.. فهو يطوى رصيده من النساء والألحان والفلوس، ولا ينظر إليه بعد ذلك.. وإنما يسعى إلى رصيد جديد من النساء والألحان والفلوس». فعندما تزوج إقبال نصار خمدت نار حبه لها وظل يبحث عن غيرها. ظل يبحث دائمًا عن النساء فهو دائمًا ما يحب أن يلعب دور الطفل المدلل.

يفسر «البندارى» فى هذا الكتاب تعاون «محمد عبدالوهاب» مع «أم كلثوم» بالدهاء والأنانية، فقد استغلها لحسابه، فقد استطاع بالتعاقد معها أن يملأ أروع أعمالها الفنية على أسطواناته وربح من ورائها الألوف وعشرات الألوف «فهو من وجهة نظر صديقه جليل البندارى رجل أنانى يحب نفسه وجسده وفنه وشهواته إلى أبعد الحدود.. إنه رجل بالغ فى حبه لذاته كما يبالغ فى حبه لفنه.. وقد اندمجت ذاته فى فنه كما اندمج فنه فى ذاته، فأصبح لا يستطيع الفصل بينهما». عندما تقرأ عن عبدالوهاب ستجد كمًا رهيبًا من التناقضات فى هذه الشخصية فهو إنسان عاقل مجنون، بخيل ومبذر، هادئ وأحمق، صادق ومنافق، شجاع وجبان، نشيط وكسول. فهذا هو عبدالوهاب. «إن عبدالوهاب خداع كالسراب.. لا يُرى إلا من بعيد».