جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«خطة كيوبيد».. عرض مسرحى يجيب عن سؤال.. لماذا تخمد نيران الحب؟

خطة كيوبيد عرض مسرحى
خطة كيوبيد عرض مسرحى

يقتلنا الحب أم نقتله.. لماذا يبدأ الحب متقدًا قويًا ثم ما يلبث أن تهدأ ناره ويبدو هادئًا واثقًا؟ هل يتغير مفهوم الحب بعد الزواج، أم نحن من نتغير أم يتسلل بعض الفتور حين نعتاد الأشياء وتتآخى الأجساد ونقع رهينة روتين يقتلنا وضغوط مادية واجتماعية ونفسية تأكل خضار قلوبنا وتيبسها؟ هذا ما يناقشه فى سياق كوميدى اجتماعى العرض المسرحى «خطة كيوبيد»، إنتاج المسرح الحديث، الذى يعرض فى قاعة يوسف إدريس بمسرح السلام بشارع قصر العينى.

«خطة كيوبيد» عرض مسرحى من تأليف عبدالله الشاعر وإخراج أحمد فؤاد وبطولة عبدالمنعم رياض وكريم الحسينى ونوال سمير وأمنية حسن. 

تمثلات كثيرة للحب وصوره وهواجسه وتناقضاته يقدمها العرض، حيث يؤسس البعض علاقاتهم المدعوة «حب» على ممارسات الهيمنة والسيطرة على الآخر، وحيث يتمركز البعض حول ذاته ولا يرى الآخر، فتجد فتاة منتظرة من حبيبها أن يبذل قصارى جهده فى إرضائها وإسعادها بوصفها فتاة العالم المدللة، ولا تدرك أنها هى الأخرى عليها أن تبذل جهدًا فى إسعاده، وشابًا واقعًا فى حب فتاة لأنها حرة ومنطلقة ومتميزة ولا تشبه أحدًا لكنه يكرس كل جهده فى محو خصوصيتها، فيطالبها بإخفاء ضحكتها المميزة، وأن تغير ألوانها المشرقة، وأن تقاطع أصدقاءها وتجمعاتهم، وهو غير مدرك أنه إذا تغيرت وفقًا لـ«باترونه» الآمن على النحو الذى يجعله أكثر اطمئنانًا وأقل غيرة لن تكون هى ذات الفتاة التى أحبها وسيصبح أقل حبًا وشغفًا بها.

يقدم لنا العرض كل تلك النماذج من خلال حبكة درامية بسيطة حيث كيوبيد «إله الحب فى الأساطير الإغريقية» بعدما تقاعد من زمن بعيد عقب زواجه بحبيبته «هيرا»، يقرر أن يعود لعمله وذلك بعد تزايد الخلافات بين ابنته سيلين وابن عمها وحبيبها وخطيبها هيريوس، فيقرر كيوبيد أن يرسم خطة محكمة وتساعده هيرا فى تنفيذها حتى يضع الحبيبين فى مواجهة نفسيهما ويهيئهما للمصير الذى ربما يواجه حبهما عقب الزواج والاحتكاك بمشاكل الواقع والمعاناة اليومية والروتين التى هى أكثر قسوة إذا قورنت بمشاكل فترة الخطوبة، فهل ينجح كيوبيد فى إنجاح الأمر أم يتسبب فى تدمير علاقة الحبيبين حين يدركان قسوة الواقع المحتمل؟ هذا ما ستعرفه عزيزى المشاهد حين تذهب إلى مسرح السلام بشارع قصر العينى لمشاهدة العرض. 

يمكننا أن نقول إن كل مفردات العرض المسرحى يمكن توصيفها بالسهل الممتنع، فقد عالج الكاتب المسرحى وكاتب الأشعار عبدالله الشاعر موضوع المسرحية معالجة كوميدية مستخدمًا لغة راقية، ونجح فى إثارة ضحكاتنا على خيباتنا وإخفاقاتنا العاطفية والإنسانية، وبذات المنهج قدم أحمد فؤاد رؤيته الإخراجية حيث روح الكوميديا الديلارتى بمبالغتها دونما افتعال يتقاطع مع بساطة الأداء، وانتقل الممثلون من الغناء للتشخيص ومن شخصية لشخصية ومن حالة إلى حالة بسلاسة كبيرة تكاد لا تشعر بها، وتخير أحمد أمين للديكور درجات السماوى التى جعلت المتفرج يشعر براحة كبيرة، كذلك الأزياء لرباب البرنس كانت مبهجة ومتسقة مع الشخصيات، والإضاءة مالت للإنارة فى معظم اللحظات لذا تميزت اللحظات الخاصة فى العرض باختلاف الإضاءة. 

استمتعت بالعرض وسعدت بإعادة افتتاح قاعة يوسف إدريس بعد ١١ سنة من التوقف وتذكرت مسرحيتى الأولى «ولد وبنت وحاجات» إخرج هانى عفيفى، وبطولة بيومى فؤاد ومنى هلا وعماد إسماعيل فى ذات القاعة، والتى كان موضوعها أيضًا هو الحب، وتنبهت إلى أن رسالة العرض أن للحب هذا الحضور الممتد وأنه لا سبيل لإنكاره مهما واجهنا من منغصات، ومهما اضطر البعض لإنكاره فهؤلاء وكما تقول الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا فى قصيدتها «حب سعيد»: على الناس ممن لا يعرفون الحب السعيد، أن يقولوا بعدم وجوده، بهذا الإيمان سيكون من السهل عليهم أن يعيشوا ويموتوا.