جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

إلغاء الوجود.. لماذا فعّلت إسرائيل «وثيقة الاستقرار» بغزة بعد 22 عامًا؟

فلسطين
فلسطين

وثيقة تم توقيعها عام 2009، كانت ذريعة إسرائيلية لمحاولة إبعاد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عن أراضى الضفة الغربية المحتلة، تم العمل بها قليلا آنذاك، لكنها عادت للواجهة مرة أخرى خلال العام الجاري.

ما هى وثيقة الاستقرار فى غزة؟

"وثيقة الاستقرار فى غزة" أو كما يطلق عليها تصريح الاستقرار، هى إقرار من المواطن الفلسطيني للسلطات الإسرائيلية بأنه يرغب في دخول قطاع غزة دون الخروج منه للأبد باتجاه الأراضي الفلسطينية أو الإسرائيلية.

كما تتيح الوثيقة لإسرائيل رفض منحه إذناً بالدخول إلى هذه المناطق، إضافة إلى ذلك تستطيع تل أبيب تعديل مكان إقامته إذا كان من سكان الضفة الغربية إلى غزة دون إشعاره، وبلا إضافة ذلك إلى البطاقة القومية.

وتشكل تلك الوثيقة خطرًا بالغًا على وضع الفلسطينيين، خاصة أن الكثير منهم يوقع على تلك الوثيقة دون التحرى والدقة فى قراءتها نظرا لكونها مكتوبة بطريقة قانونية باللغة العربية، لكنها مصوغة بأسلوب مختزل جداً ويصعب على المواطن الفلسطينى البسيط حتى قراءتها وفهم معاني مضمونها والإسقاطات المرادة بها، وبمجرد التوقيع عليها يكون الشخص ملزما بالتنازل عن حق الانتقال من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.

ونرصد فى التقرير التالي من خلال لقاء مع مجموعة من الخبراء الفلسطينيين خطورة تلك الوثيقة ولماذا فعّلت إسرائيل الوثيقة رغم وجودها في2009؟.

الحرازين: محاولة للتلاعب فى الوضع الديمغرافي للتهويد المستمر والاستيطان المتزايد

بداية أكد الدكتور جهاد الحرازين، القيادى بحركة فتح، أن وثيقة الاستقرار أو تصريح الاستقرار الصادر عن إسرائيل يمثل انتهاكا لكافة الأعراف والقوانين الدولية ولاتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي السكان المدنيين، خاصة المادة 47 من الاتفاقية.

وأضاف الحرازين فى تصريحات، لـ"الدستور"، أنه فى إطار حملات ومخططات الحكومة الإسرائيلية المتواصلة فى محاولة السيطرة على أراضى الضفة الغربية ومدنها ومحاولة التلاعب فى الوضع الديمغرافي والجغرافي للتهويد المستمر والاستيطان المتزايد تأتى هذه السياسة الإسرائيلية لتطبيقها منذ بداية العام علما بأنها عملت على تطبيقها عام 2009 ولكن شبه تضاءل العمل بها إلا أنه أعيد العمل بها من جديد وبشكل متسارع وتتمثل هذه الوثيقة بإرغام الشخص الفلسطيني القادم من الضفة الغربية إلى قطاع غزة للتوقيع على هذه الوثيقة والتى تكون مضللة وغير واضحة وبمجرد توقيعه على هذه الورقة يكون قد تنازل عن حقه بالعودة إلى الضفة الغربية أو حتى الزيارة أو التنقل والمرور.

وأكد، أن هذا الأمر يشكل تهديدا حقيقيا لحق من حقوق الشعب الفلسطيني بحقه فى التنقل والانتقال والتواصل ما بين الضفة والقطاع فهناك عائلات كثيرة مرتبطة ما بين الضفة والقطاع ولكن يبدو المخطط الإسرائيلى يهدف إلى إبعاد أكبر قدر من الفلسطينيين الى قطاع غزة، مدعيًا بأن هناك مكانهم وبأن الضفة هى أرضه وهذا الأمر الذى يمثل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب تضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية المرتكبة ضد الشعب الفلسطينى .

وشدد على ضرورة وجود تحرك دولي فاعل لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولى وكافة الاتفاقيات والعهود الدولية وحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة ومحاسبة قادته على تلك الجرائم المتلاحقة لان هذه الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية تنتهك بشكل يومى.

كما أكد ضرورة تنبيه المواطنين الفلسطينيين لمثل هذا الإجراء الخطير وعدم التعاطى معه أو التوقيع على هذه الوثيقة التى تفقد الإنسان أهم حقوقه وتصادر حرياته.

 

صافى: الوثيقة تدعم الترحيل القسري ومحظورة في القانون الدولي 

من جانبه قال الدكتور ماهر صافى، المحلل السياسي الفلسطيني، إن هذه الوثيقة عبارة عن إقرار من الفلسطيني للسلطات الإسرائيلية بأنه يرغب في دخول قطاع غزة دون الخروج منه مدى الحياة  باتجاه الأراضي الفلسطينية أو الإسرائيلية، ويتيح لإسرائيل رفض منحه إذناً بالدخول إلى هذه المناطق، أضف إلى ذلك تستطيع إسرائيل تعديل مكان إقامته إذا كان من سكان الضفة الغربية إلى غزة دون إشعاره.
 

وأضاف صافى فى تصريحاته، لـ"الدستور"، أن إسرائيل بدأت بتطبيق "وثيقة الاستقرار داخل غزة" عام 2009، لكنها توقفت عن ذلك خلال السنوات الأخيرة، لكنها عادت من جديد لهذه السياسة مرة أخرى  بشكل مكثف مع بداية العام.

وأوضح صافى أن من شأن هذا الإجراء أن يحصر وجود السكان الفلسطينيين في غزة، تمهيدا لإعلان دولة فلسطينية فيها، فضلًا عن أن هذه السياسة من شأنها أن تزيد الكثافة السكانية المتنامية بسرعة في قطاع غزة في ظل صغر مساحته مقارنة بعدد السكان المتزايد.

وأكد أن تلك الوثيقة تعد أيضا شكلا من أشكال الترحيل  القسري، وهي محظورة في القانون الدولي ومعاهدة جنيف وكافة القوانين الدولية.

عاكف المصرى: يجب وجود تحرك فوري وعاجل لحماية الشعب الفلسطيني

فيما أكد عاكف المصرى، المفوض العام للهيئة العليا للعشائر فى قطاع غزة، أن وثيقة الاستقرار هى إبعاد قسري وخطة إسرائيلية لحصر الوجود الفلسطيني في غزة.

وقال المصرى فى تصريحات، لـ"الدستور"، إن قيام إسرائيل بإرغام سكانًا من الضفة الغربية مقيمين في قطاع غزة وراغبين في التنقل من حاجز إيرز على التوقيع على وثيقة للتنازل على حق الاستقرار في الضفة الغربية تعد انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة، ويرقى إلى جريمة حرب.

وطالب المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان وكل أحرار العالم  بالتحرك الفوري والعاجل، لحماية الشعب الفلسطيني، ووقف هذه الإجراءات العنصرية، لما لها من تبعات وآثار خطيرة.

الرقب: يجب توعية الشعب الفلسطيني بخطورة الوثيقة  

من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، أن وثيقة الاستقرار في قطاع غزة هي وثيقة اعتمدتها إسرائيل في عام 2009، ولكن أخفتها لاحقا، مشيرا إلى أن الوثيقة مكتوبة بطريقة قانونية محكمة ومكتوبة في ورقة واحدة باللغة العربية، وتهدف لتخفيف الضغط الديمغرافي في الضفة الغربية وكل من يدخل قطاع غزة يوقع على هذه الوثيقة والتي تكون بمثابة الموافقة على تغيير عنوان إقامته من الضفة إلى قطاع غزة حتى لو كان قادما لزيارة، وقد يقع الكثير من القادمين إلى قطاع غزة نتيجة السرعة في خطأ التوقيع على هذه الوثيقة دون قراءتها بتروٍ.

وأضاف الرقب فى تصريحات خاصة، لـ"الدستور"، أن إسرائيل يهدف أيضا لتثبيت قطاع غزة كمقر للدولة الفلسطينية وتثبيت أو استقرار كل من يدخلها دون السماح له بالعودة الضفة الغربية إلا بموافقة من الجيش الإسرائيلي لدخول الضفة الغربية كزائر وليس مستقرًا.

ولفت الرقب إلى أنه قد ينطبق هذا الإجراء مستقبلا على فرض هذا الإجراء على فلسطيني عام 1948.

وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية تستغل هذه الوثيقة لتحقيق هدفها الأبعد وهو إفراغ الضفة الغربية قدر المستطاع من الفلسطينيين وإزاحة عدد كبير من الشعب الفلسطيني من الضفة إلى قطاع غزة.

وشدد الرقب على أن هذا الإجراء غير قانوني، مطالبا بضرورة توعية الشعب الفلسطيني لخطورة هذه الوثيقة ورفض التوقيع عليها.

أبو ظريفة: إسرائيل تريد إبعاد غزة عن المشروع الوطنى

فى السياق، قال طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الفلسطينية، إن  تفعيل إسرائيل لهذه الوثيقة يندرج في اطار إبقاء قطاع غزة معزول عن مشروع المواجهة مع دول الاحتلال انسجاما مع حالة النهوض فى الضفة الغربية، لافتا إلى أن إسرائيل أرادت من تفعيل هذه الوثيقة إبقاء غزة بحالة من الهدوء وعدم انزلاق قطاع غزة نحو القيام بأى فعل تعتبره إسرائيل معادى لها ويعيد حالة التوتر بين غزة وإسرائيل.

وأضاف أبو ظريفة فى تصريحاته، لـ"الدستور"، أن إسرائيل أرادت من خلال تلك الخطوة أن تبقى غزة معزولة على الرغم من التأكيد أن هناك وحدة فى الأرض والأهداف ووحدة فى النضال وعلى الرغم من محاولة الاحتلال فى تقسيم الجغرافيا الفلسطينية أرادت إسرائيل أن تشطب هذا المبدأ وتبقى غزة بعيدة كل البعد على أن تكون جزءا من المشروع الوطني الفلسطيني، وبذلك إسرائيل تكون قد حافظت على حالة الانقسام الفلسطينى كما أنها تمنع من قيام دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967 وعودة اللاجئين.

ثائر نوفل: وثيقة الاستقرار أعدتها حكومة نتنياهو المتطرفة

من جانبه، قال الكاتب الصحفي الفلسطيني وعضو نقابة الصحفيين ثائر نوفل أبوعطيوي، في تصريحات خاصة ل لدستور، إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي طبقت الوثيقة داخل قطاع غزة في العام 2009، لكنها توقفت عن تطبيق خطتها في السنوات الأخيرة، وعادت في مطلع هذا العام بتطبيقها وتفعيلها من جديد، وحسب إحصائيات المراكز الحقوقية فرضت سلطات الاحتلال على ما يقارب من 80 فلسطينياً، توقيع وثيقة الاستقرار في غزة.

وأوضح أبو عطيوي، أن أسباب تفعيل حكومة الاحتلال وثيقة الاستقرار في غزة من جديد تعود لأهداف ديمغرافية وعملية ممنهجة لحصار الفلسطينيين والتنكيل بهم، لأن الوثيقة تعتبر ترحيلا قسريا وتهجيرا وطردا بشكل غير مباشر للفلسطينيين من مناطق سكنهم الحالية، الأمر المنافي جملةً وتفصيلًا لمعاهدة جنيف الرابعة.

وأشار إلى أنه من أحد الأسباب الموضوعية والهامة لتفعيل وثيقة الاستقرار في قطاع غزة هذا العام بعد مضي أعوام على وجودها نشأة الحكومة الاسرائيلية اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو ووزير أمنها القومي المتطرف ايتمار بن غفير، وفرض سلطته على أغلب مقاليد الحكم والتحكم في دولة الاحتلال لأنه بات من الواضح أن حكومة الاحتلال في وجود بن غفير وسموتريتش، وزراء فيها ومنحهم صلاحيات واسعة النطاق تسعى للمزيد من الاستيطان والتهويد والطرد والترحيل القسري والتنكيل بالفلسطينيين ضمن معركة باتت معالمها واضحة تتلخص في إلغاء الوجود الفلسطيني.