جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

متحف محمود خليل: 445 قطعة فنية من مختلف الحضارات فى حضن النيل

متحف محمود خليل
متحف محمود خليل

- يضم أوانى وسجادًا ومزهريات نادرة تعود للقرنين 16 و17

-304 لوحات تنتمى لعدة مدارس.. و50 تمثالًا من البرونز والرخام والجبس

- لوحة الصيد المهداة للرئيس أنور السادات أبرز المقتنيات 

- علب اللاك اليابانية بزخارفها الدقيقة وألوانها الرائعة تبهر زوار المكان

يعد من أكبر المتاحف الفنية فى مصر، وواحدًا من المنارات الثقافية الموجودة على أرضها، شيدت واجهته الشرقية المطلة على نهر النيل على طراز «آرتنوفو»، ويتجلى هذا الطراز بروعته فى الهيكل المعدنى والزجاجى الذى يعلو مدخل القصر من تلك الواجهة.

إنه متحف «محمد محمود خليل وحرمه»، الذى يقع فى حضن النيل بحى الدقى فى محافظة الجيزة، ويحتوى على مجموعة من روائع الفن العالمى من تصوير ونحت وخزف.

ويغلب على الواجهة الغربية للمتحف الطراز الكلاسيكى الجديد، الذى يتيح الجمع بين زخارف من طرز مختلفة، فى صياغة فنية تتسم بالبهاء والثراء والتناغم.

أما الواجهة الشمالية للقصر فتتصدرها نافذة كبيرة من الزجاج الملون المعشق بالرصاص، وتمثل منظرًا طبيعيًا خلابًا، وتبدو للزائر وهى تعلو السلم الداخلى بحيث يمكن رؤيتها من الطابقين الأول والثانى، وهى موقعة باسم الفنان الفرنسى لوسيان ميتيه بتاريخ عام ١٩٠٧.

«متحف محمود خليل وحرمه» كما هو مكتوب على لافتة فى بداية المدخل الرئيسى للمتحف، أسسه محب الفن والسياسى المعروف محمد محمود خليل عام ١٩٦٠، ويرجع تاريخ بناء القصر الذى أصبح فيما بعد متحفًا يحمل اسمه إلى عام ١٩١٥، وقد تم بناؤه على مساحة قدرها ٨٠٠٠ متر مربع تشمل القصر وحديقة واسعة تحيط به.

وعندما توفى محمود خليل عام ١٩٥٣ كان قد أوصى بهذه المقتنيات إلى زوجته على أن توصى بها وبالقصر كمتحف للحكومة المصرية بعد وفاتها، ولقد ظل هذا المتحف منذ إنشائه حتى عام ١٩٦٠ مسكنًا لأسرة محمد محمود خليل، وفى نفس الوقت متحفًا ومقرًا لمجموعته الفنية الثمينة، إلا أنه بناءً على رغبته وتنفيذًا لوصية زوجته تحول هذا القصر فى يوم ٢٣ يوليو عام ١٩٦٢ إلى متحف يحمل اسمه واسم زوجته السيدة إميلين هيكتور لوس الفرنسية الأصل.

وكان افتتاح القصر كمتحف لأول مرة عام ١٩٦٢، ونقل بعدها إلى قصر الأمير عمرو إبراهيم بالزمالك عام ١٩٧١، ثم أعيد افتتاحه بالزمالك عام ١٩٧٩.

وقيل إن تاريخ القصر يعود إلى بدايات القرن العشرين، فقد شُيد عام ١٩٠٥ كمقر ريفى للمصرفى الفرنسى الشهير رافييل سوارس، ثم انتقلت ملكيته بعدها إلى أحد أمراء أسرة محمد على وهو الأمير عمر طوسون، الذى باعه بدوره كما يقول الباحث المصرى فى تاريخ القاهرة سمير رأفت، إلى المحامى والسياسى المصرى الصاعد وقتها محمد محمود خليل.

وتحول القصر بعد وفاة الزوجين إلى متحف تنفيذًا لوصية الزوجة، ثم أُفرغ من محتوياته فى عهد الرئيس المصرى أنور السادات لينضم إلى مقر سكنه عام ١٩٧١، وظل كذلك طوال فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات وتم نقل المتحف ومحتوياته إلى مركز الجزيرة للفنون بالزمالك وأعيدت إليه الأعمال مرة أخرى عام ١٩٧٩، ثم حدث أن أغلق القصر بعد وفاة الرئيس السادات لمدة ١٤ سنة ثم أعيد افتتاحه بشكله الجديد بعد نقل محتوياته مرة أخرى لمكانها الأصلى فى شهر أكتوبر عام ١٩٩٥.

ويتفرع من متحف محمود خليل جزء هام وحيوى وهو موقع خاص للعروض المتحفية المتغيرة لرواد الفن التشكيلى المصرى والعالمى وهذا الموقع هو: قاعة «أفق واحد للعروض المتغيرة» والتى تعد واحدة من أكبر القاعات المتخصصة فى الشرق الأوسط، حيث تبلغ مساحتها ٣٤٠ مترًا وقد افتتحت فى ٨ مارس ١٩٩٧ وكان أول معرض تشهده القاعة معرض «وجوه الفيوم» ومنذ ذلك التاريخ تشهد القاعة عروضها الفنية المتميزة ذات الطابع الخاص.

عُرف محمد محمود خليل بحبه للفنون واقتنائه لكل ما هو قيم وثمين ونادر من لوحات مرسومة وتماثيل وتحف إضافة إلى كونه رجل سياسة من الطراز الرفيع فكان وزيرًا ورئيسًا لمجلس الشيوخ وذا دور مهم فى الحياة الثقافية فى مصر وراعيًا للحركة التشكيلية من خلال رئاسته لجمعية محبى الفنون التى اشترك فى تأسيسها فى عام ١٩٢٤م مع الأمير يوسف كمال أحد أمراء الأسرة المالكة والذى كان محبًا وعاشقًا للفنون.

كما كان لمحمود خليل دوره البارز فى التبادل الثقافى بين مصر وفرنسا خلال النصف الأول من القرن العشرين الماضى واعترافًا بدوره فى هذا المجال حصل على أرفع الأوسمة والنياشين الفرنسية.

محمد محمود خليل من مواليد عام ١٨٧٧ فى القاهرة من أب مصرى وأم يونانية وكانت أسرته قريبة من العائلة المالكة فوجد نفسه يسعى بين القصور الملكية وقصور الأمراء والنبلاء ويشاهد أعمال الفنانين المصريين والأجانب ويسمع الموسيقى بآلاتها الغربية والشرقية، والتحق بمدرسة الليسيه الفرنسية بالقاهرة وفى عام ١٨٩٧، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة القانون، وفى عام ١٩٠٣ تزوج من زوجته الفرنسية إميلين هيكتور لوس وعادا معًا إلى القاهرة وأقام فى قصره بالجيزة منذ عام ١٩١٨ وحتى عام ١٩٢٧.

والتقى محمود خليل وزوجته فى نقطة واحدة محبتهما للفنون والموسيقى فكانت البوابة إلى التقاء القلوب، وتعود قصة حب محمود خليل وزوجته إلى عام ١٩٠٣، فقد التقى بها فى باريس لأول مرة، وكانت تعمل بالفن وتدرس الموسيقى بمعهد كونسرفتوار بارشرا واشتهرت باسم زورو وأعجب بها وتحول الإعجاب إلى حب وكانت هى أيضًا عاشقة للفنون والاقتناء فاختلطت عنده العاطفة مع عشقه لاقتناء كنوز الفن فتزوجها فى نفس السنة، وعاد بها إلى مصر ليقيما فى قصره بالجيزة، وكان قصره بمثابة صالون ثقافى يستقبل فيه الشعراء والكتاب.

يتكون القصر من ٤ طوابق، تضم ٤٥٥ قطعة، يوجد ٣٠٤ لوحات فريدة من نوعها بعضها يعود للعصر الرومانى، وأعمال لـ١٤٣ مصوِّرًا لهم أعمال معروضة داخل المتحف، و٥٠ تمثالًا من البرونز والرخام والجبس.

أول المقتنيات الثمينة التى اشتراها صاحب القصر كانت لوحة للفنان الفرنسى الشهير أوغست رينوار، والمسماة «ذات ربطة العنق من التل الأبيض» وهى واحدة من بين أهم الأعمال المعروضة داخل المتحف اليوم.

كما يعرض المتحف عددًا من اللوحات الخاصة بفنانين عالميين أبرزهم بول جوجان ورينوار وفان جوخ ومونييه وهى تبرز المدرسة الفنية التأثيرية التى مهدت لظهور فنون القرن العشرين فى أغلب لوحات المتحف والتى تعبر عن هذه الاتجاهات الفنية المختلفة وكذلك مراحل تطور مبدعيها من الفنانين المذكورين.

وإلى جانب ذلك يعرض المتحف مجموعة كبيرة من التماثيل البرونزية والرخامية والجبصية لكبار مثالى القرن التاسع عشر الميلادى، كما تشمل مقتنيات المتحف مجموعة نادرة من علب الأنرو النادرة ذات الطراز اليابانى التى لا يوجد مثيل لها فى مجموعات أخرى.

وقد تم عرض المقتنيات داخل المتحف بطريقة تحقق أكبر قدر ممكن من التوازن والجمال من خلال استخدام المساحات الداخلية المتاحة فى مبنى المتحف بحيث يتحقق عرض أكبر قدر ممكن من الأعمال حسب الاتجاهات الفنية المختلفة والتسلسل التاريخى.

ففى الدور الأرضى للمتحف يوجد خمس قاعات منها قاعة مستديرة يتوسطها تمثال نداء «السلاح» من البرونز للفنان رودان، وتحتوى القاعة أيضًا على فازتين من الصين كبيرتى الحجم، وفازتين من اليابان ومجموعة من الأطباق التركية وتتميز هذه القاعة بوجود سجادة حائط كبيرة ترجع إلى القرن السابع عشر الميلادى مصنوعة فى بلجيكا، كما تضم أقدم إناء فى المتحف ويرجع تاريخه إلى القرن الأول قبل الميلاد وهى أنفورة رومانية من الزجاج المنفوخ.

وفى داخل هذه القاعة أيضًا صورتان شخصيتان لمحمد محمود خليل وحرمه وعدد من الفازات الصينية التى ترجع إلى القرن السادس عشر الميلادى، وعند دخول الزائر للقاعة الثالثة بهذا الدور يجد أمامه لوحة كبيرة للفنان أمان كانت مهداة إلى أميلين زوجة محمود خليل وفى نفس القاعة بعض من قطع الأثاث الخاصة به.

وفى نهاية هذا الدور توجد القاعة الأخيرة وبها لوحة كبيرة تمثل رحلة صيد كانت مهداة إلى الرئيس الراحل أنور السادات إضافة إلى لوحة بيضاوية تمثل صورة الأميرة دى فاجرام الزوجة الثانية للإمبراطور الفرنسى نابليون بونابرت وابنة ملك النمسا فرنسيس الأول وكان زواجهما سياسيًا بالدرجة الأولى.

أما الدور الأول فيضم ٨ قاعات ومن أشهر قاعاته الثمانى قاعة كان يوجد فيها لوحة الفنان فان جوخ الشهيرة زهرة الخشخاش بينما تضم القاعة الثانية فاترينتى عرض تحويان مجموعة من التماثيل البرونزية الصغيرة للفنان الفرنسى أنطوان لويس الذى كان يعشق حديقة النباتات بفرنسا.

وتحتوى القاعات الثالثة والرابعة والخامسة مجموعة من اللوحات النادرة منها لوحة الحياة والموت للفنان العالمى بول جوجان، وهى من أشهر اللوحات المعروضة بالمتحف واختيرت لتكون البوستر الأساسى لمعرض أورساى بفرنسا فى عام ١٩٩٤، إضافة إلى خمس لوحات تمثل المدرسة التأثيرية ولوحات أخرى بالألوان المائية وفى القاعة السادسة من هذا الدور يوجد خمس لوحات معظمها مناظر طبيعية بالألوان الزيتية وتتميز بألوانها الفضية والرماديات فى معظمها، بينما تحتوى القاعة السابعة مجموعة من الفاترينات التى تحتوى على عدد ٥٨ لوحة صغيرة الحجم، وتضم أيضًا أكبر مجموعة فى الشرق الأوسط من علب اللاك اليابانية بزخارفها الدقيقة وألوانها الرائعة.

كما تشمل هذه القاعة مجموعة من الفاترينات بها قطع فنية وزجاجات صغيرة من أحجار نصف كريمة كما تعرض خزفيات بأحجام مختلفة ويتوسط القاعة تمثال جبس للكاتب الفرنسى بلزاك نحته الفنان رودان وهى نسخة مهداة من رودان إلى بلزاك، وفى القاعة الثامنة توجد ١٣ لوحة فنية وهى بألوان زيتية ويميزها لوحتان بألوان مشرقة ساطعة يغلب عليها اللون الأزرق وهى لوحة شاطئ تروفيل وفى القاعة تمثال من الرخام.

وفى الدور الثانى توجد ٧ قاعات تحتوى على عشرات اللوحات الزيتية لفنانين من أوروبا يمثلون المدارس الفنية التشكيلية المختلفة لعل أبرزها المدرسة التأثيرية فى فن النحت إضافة إلى لوحات أخرى لفنان مصرى هو سعيد الصدر وهى لوحة عبارة عن قطيع حمير من الطين المحروق، كما تحتوى هذه القاعات على لوحة عملاقة من الألوان الزيتية تمثل جسرًا فوق مستنقع نبات مائى للفنان كلود مونيه بجانب ما تضمه هذه القاعات من زهور وورد لفنانين من أوروبا.

بدورها، قالت الدكتورة نسرين أباظة، مديرة متحف محمد محمود خليل وحرمه، إن المتحف يضم بين جدرانه ٤٤٥ تحفة فنية من مقتنيات فنية عالمية أصلية، لمجموعة من عظماء التشكيليين العالميين، أشهر الأعمال للفنانين العالمين منهم: بول جوجان فنان فرنسى، كلود مونيه فنان فرنسى، ألفريد سيسلى فنان إنجليزى، ديلا كروا فنان فرنسى، رينوار فنان فرنسى، رودان فنان فرنسى.

وأضافت فى تصريحات لـ«الدستور»، أن هذه اللوحات النادرة بعضها يعود إلى القرن السابع عشر، والقرن الثامن عشر لعدة مدارس فنية، إضافة إلى بعض التماثيل والفازات النادرة التى يعود البعض منها إلى القرن الأول قبل الميلاد.

وأشارت إلى أن المتحف يقدم العديد من الخدمات للأطفال منها ورش فنية لتعليم الرسم والزخرفة وبعض الحرف، إضافة إلى دورات تدريبية لطلاب التدريب العملى لكلية التربية الفنية طوال العام، كما يتم تنظيم دورات للعاملين بالمتحف حتى يتطلعوا على كل ما هو جديد فى عالم المتاحف والوسائل الحديثة.

وكشفت عن أن المتحف يتوافد عليه الكثير من الزائرين يوميًا، لأنه يعد من أروع المتاحف الفنية فى مصر، وهناك جمهور دائم ويتردد على المتحف بشكل كبير وهم الزيارات من طلاب المدارس وكليات الفنون الجميلة وكليات الآثار والسياحة والفنادق، كما يتوافد الزائرون على المتحف يوميًا باختلاف الجنسيات والأعمار.

وأضافت أن المتحف قد حصل على جائزة «أفضل تطوير مشروع» من مؤسسة «ENR» الأمريكية للاستشارات الهندسية، وهذا يعد من الأخبار المفرحة للجميع. 

وبينت أن أسعار التذاكر لم تتغير، فهى ١٠٠ جنيه للوافدين الأجانب، بينما الطالب الأجنبى ٥٠ جنيهًا، أما المصريون فسعر التذكرة لهم ٣٠ جنيهًا، بينما الطلاب ١٠ جنيهات فقط، ويفتح المتحف أبوابه يوميًا من الساعة العاشرة صباحًا حتى الساعة الخامسة مساءً.