جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

السياسة ودور الأحزاب

كان من الطبيعى أن أتحدث عن الحوار المتصاعد حول مشروع قانون إنشاء صندوق لهيئة قناة السويس. حيث إن الرأى العام فوجئ بهذا القانون بعد الموافقة المبدئية عليه من مجلس النواب!!! وكأنه لا وجود للرأى العام ولا اقتناع بوجود معارضة سياسية "حسب الدستور" ولا العلم بوجود تيار سياسى داخلى وخارجى ينتظر الفرصة للتصيد. فما بالك بقضية يذكر فيها اسم قناة السويس "ذلك الصرح التاريخي والقومي" مع مصطلحات "بيع وشراء وتأجير واستغلال.. إلخ". 

وهذا يدل على غياب الرؤية السياسية عن القرارات والسياسات الحكومية وانفصال البرلمان عن الشارع ووجود شكلى وصورى لما يسمى بالأحزاب السياسية. ولذا كانت الأوامر بعقد مؤتمر صحفى لرئيس هيئة القناة للرد على التساؤلات. 

وبالطبع، ولأن هذا الحوار كان نتيجة وليس سببًا، فلا يزال بعض اللغط الذى يجب أن يوضح وأن يتم حوله حوار هادئ وموضوعى وعلى كل المستويات، خاصة فى ضمان ألا يتم البيع والشراء والاستئجار والرهن لأى أجنبى. إضافة إلى بعض المواد الأخرى. 

هنا كان الحوار غائبًا!! كما أن هناك قضية القضايا وهى القضية الاقتصادية التى يعانى منها الجميع، خاصة الطبقة المتوسطة المتهالكة والفقيرة التى تزداد فقرًا، حيث إنها هى التى تدفع الثمن الأغلى والأصعب فى ظل الارتفاع غير المبرر للأسعار بحجة زيادة قيمة الدولار فى مواجهة انخفاض قيمة الجنيه المصرى.


ناهيك عن رفع البنوك الفائدة بمقدار ثلاثة فى المائة مع عدم تحديد سعر الدولار. 

مما سيزيد الأسعار أكثر من ذاك، خاصة أن نسبة التضخم في الشهر الماضى قد وصلت إلى عشرين فى المائة، وهى أعلى نسبة منذ فترة، وهناك توقعات بزيادة نسبة التضخم فى الثلاثة شهور الماضية لحين بداية التحسن. 

وأيضًا يتم ذلك فى ظل غياب أى حوار سياسى مجتمعى. 

هنا ما علاقة الأحزاب بهذا؟ العلاقة أنه لا توجد سياسة وحياة سياسية حقيقية بغير وجود الرأى والرأى الآخر. 

أى وجود أحزاب حقيقية على أرض الواقع "مؤيدة تحكم ومعارضة تعارض" بهدف الوصول إلى اتخاذ القرار الصحيح والسليم الذى يصب لصالح الوطن والمواطن. فلا تعددية "حسب الدستور" بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون أحزاب. والأحزاب هنا ليست بهذا الكم العددى بدون أى تواجد كيفى. وذلك لوجود أحزاب لا تملك غير اسم بلا مسمى وبرامج بلا هوية وعلاقة غائبة عن الشارع السياسى الذى هو مصدر كل الشرعيات السياسية، سواء كانت شرعية دستورية أو شرعية قانونية أو شرعية جماهيرية، والأخيرة هى أم تلك الشرعيات. 

هنا يستوجب أن نقول إنه فى ظروف سياسية حاكمة بعد ٣٠ يونيو كانت تحتم بل حتمت التغاضى عن وجود تلك الحياة السياسية بذلك المفهوم لأسباب كثيرة، أهمها وجود ومحاربة الإرهاب بكل أنواعه وأساليبه . فكانت أحزاب بإشراف أمنى يمكن أن يكون مقبولًا لحظة بذاتها ولكنه لن يكون مقبولًا طوال الوقت. ولذا وفى ظل وجود تلك المشاكل والإشكاليات والقضايا التى تهم الوطن والمواطن فلابد من إدارة حوار مجتمعى حقيقى مع الجماهير من العزب والكفور إلى مستوى المحافظة. 

حوار حقيقى تطرح فيه الأوضاع بصدق وشفافية بدون تغليف أو تجميل، وذلك حتى تكون هناك مصداقية وشفافية تولد صدقًا ومصداقية جماهيرية تكون هى سند قوي عند إصدار القرار . 

وهذا يعنى ويتطلب تنقية الأحزاب الورقية ودمج أكثرها الذى لا يحمل أى هوية سياسية غير التهليل بهدف التواجد الإعلامى، لما يسمى برئيس الحزب الذى هو بلا حزب. وأن يتم فتح المجال للقاءات الجماهيرية، فالأحزاب ليست جمعيات دفن موتى أو توزيع سلع تموينية وبطاطين، ولكنها لا بد أن تكون مدارس سياسية تعد الكوادر وتوعى الجماهير حتى تكون هناك كوادر تصلح لتمثيل الشعب والتعبير عنه فى المجالس الشعبية والتشريعية. 

وأن يكون هناك رأى ورأى آخر حتى نصل إلى بر الأمان بوطن يحتوى الجميع ويكون ملكًا لكل المصريين. حمى الله مصر وشعبها العظيم.