جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

دراسة بحثية جديدة تبرز استهداف داعش للمصالح الصينية بأفغانستان

تنظيم داعش
تنظيم داعش

أظهر التحرك العملياتي لتنظيم داعش خراسان دخول الصين ومصالحها الاقتصادية ضمن بنك أهداف عملياته داخل أفغانستان، كحال الدول الأخرى التي تمتلك علاقات مع حركة طالبان وفي مقدمتها باكستان وروسيا والتي كانت هدفًا لسلسلة هجمات التنظيم الأخيرة، ضمن مخططه لاستهداف مصالح دول الجوار الأفغاني أو أي دولة تبدي رغبتها في التعامل مع حكومة طالبان بغية إحراج الأخيرة وإفشالها في احتواء مخاوف تلك الدول من التهديدات الإرهابية القادمة من أفغانستان.

في هذا السياق، أجرت الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، منى قشطة، دراسة بحثية عبر المرصد المصري، مستشهده بالهجوم الاخير على فندق لونجان الواقع داخل العاصمة الأفغانية كابول والذي يضم رعايا صينيين، كمؤشر لاتجاه التنظيم نحو استهداف المصالح الصينية خلال الفترة المقبلة.

تفاصيل الهجوم

وأوضحت الدراسة أنه قد أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف فندق لونجان بالعاصمة الأفغانية كابول في 12 ديسمبر الجاري، الذي أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 15 آخرين، في حين زعم التنظيم أن الهجوم أسفر عن مقتل وإصابة 30 شخصًا، واشتعال النيران في أجزاء الفندق، بعد أن قام اثنان من مقاتليه بتفجير حقيبتين ناسفتين زُرعتا سابقًا واستهدفت إحداها حفلًا للصينيين، في حين استهدفت الثانية صالة استقبال الزوار في الطابق الأول بالفندق.

وبحسب رواية التنظيم في العدد 369 من مجلة النبأ الأسبوعية عن تفاصيل تنفيذ الهجوم، بدأ أحد المهاجمين بإلقاء القنابل اليدوية على عناصر حركة طالبان التي حاولت الصعود للطابق الثاني بالفندق، في الوقت الذي أقدم المهاجم الثاني على تفجير أبواب الشقق صعودًا بعبوات لاصقة وإطلاق النار على النزلاء.

وتابعت الدراسة أن الفرع الخراساني لتنظيم داعش أراد توجيه بوصلة أهدافه هذه المرة تجاه مصالح الصين في أفغانستان، بالنظر إلى أن الفندق الذي وقع فيه الهجوم يُقيم فيه عادةً دبلوماسيون ورجال أعمال صينيون، وهو ما دفع بكين إلى إطلاق تحذيرات لمواطنيها القاطنين في أفغانستان بمغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن في أعقاب الهجوم، وحثت على لسان وزير خارجيتها، وانغ وين، حركة طالبان على اتخاذ إجراءات حازمة وقوية لضمان سلامة المواطنين الصينيين والمؤسسات والمشاريع الصينية في أفغانستان.

وأشارت الباحثة مني قشطة أنه يوجد ثمة دلالة أُخرى على أن التنظيم خطط بدقة لإصابة الهدف الصيني في هذا التوقيت تحديدًا، حيثُ تُشير بعض الصور التي نشرها التنظيم لمنفذي الهجوم إلى أنهما استطاعا البقاء في الفندق مُسبقًا وجمعا معلومات دقيقة مكنتهم من اختيار التوقيت المناسب لتنفيذ الهجوم، وهو ما يبدو جليًا في حالة التطابق التي أظهرتها صور الغرفة التي تم فيها تصوير المهاجمين، وصور الغرف المتاحة على الموقع الإلكتروني الخاص بحجز غرف الفندق الذي تم فيه الهجوم.

وبعيدًا عن أن هذا الهجوم يُعد أول هجوم إرهابي لتنظيم داعش يستهدف رعايا صينيين في أفغانستان منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في منتصف أغسطس 2021، يُمكن القول بقدر من الثقة إن هذا الهجوم كان متوقعًا؛ بالنظر إلى أن استهداف مصالح الدول التي تتعامل -بشكل مباشر أو غير مباشر- مع حركة طالبان بات مؤخرًا ضمن بنك أهداف التنظيم في أفغانستان، في إطار صراعة الجهادي مع الحركة وتعاظم نشاطه بشكل كبير منذ وصول الأخيرة للحكم، لعدة أسباب أهمها عداء داعش للصين، وبرغم أن تنظيم داعش قام منذ نشأته عام 2014 بإدراج الصين ضمن قائمة أهدافه بوصفها واحدة من الدول التي تُمارس سياسات قمعية ضد المسلمين- بحسب وصف التنظيم- لكن من الملاحظ أن بكين كانت هدفًا منخفض القيمة نسبيًا بالنسبة لداعش؛ بالنظر إلى عدم الاهتمام في خطابات التنظيم بالتحريض ضد أهداف صينية، وغياب الاهتمام بتصاعد النفوذ الصيني.

وأكدت أن ذلك باستثناء بعض الإدانات التي أصدرها التنظيم حول سياسة الصين تجاه الإيجور، وبعض الهجمات التي نفذها ضد مصالح بكين ومن ذلك قيام التنظيم في عام 2017 باختطاف مواطنين صينيين وإعدامهم في مقاطعة بلوشستان جنوب غرب باكستان، ناهيك عن ممارسة التنظيم في نفس العام لبعض الخطوات الاستفزازية ضد بكين، مثل انتاج مقاطع فيديو مصورة تُظهر مقاتلين أجانب من الإيجور يتدربون في العراق ويتعهدون بـ”سفك دماء الصينيين مثل الأنهار”، وعُدّ هذا التهديد إشارة على أن الصين باتت في مرمى أهداف الجماعات الجهادية بشكل كبير.

ولفتت قشطة إلى أنه بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ووصول حركة طالبان للسلطة في أغسطس 2021، دخل العداء الداعشي للصين مرحلة جديدة انتقل فيها التنظيم من مواقفه غير الاستفزازية نسبيًا إلى إدراج الصين على قائمة أهدافه كعدو مباشر، مدفوعًا إلى ذلك بسبب الرغبة الواضحة التي أظهرتها بكين للتعامل مع حركة طالبان منذ سيطرتها على الحكم، وثمة مؤشرات تعكس توجه التنظيم مؤخرًا لاستهداف المصالح الصينية في أفغانستان، تتضح في قيام التنظيم مؤخرًا بتكثيف جهوده الدعائية المعادية للصين مع التركيز على انتقادها بشأن سياستها تجاه الأقليات المُسلمة في إقليم شينجيانغ الصيني، وعلاقاتها مع حكومة حركة طالبان، متوعدًا بشن هجمات على بكين ومصالحها في أفغانستان. 

وترى الدراسة أنه كان لافتًا أن التنظيم تجاوز نقد سياسات بكين تجاه الإيجور إلى انتقاد التوسع الاقتصادي العالمي السريع للصين، وأولى المقال اهتمامًا لدعوة أنصار التنظيم لاستهداف المصالح الصينية وخصوصًا مبادرة الحزام والطريق، الأمر الذي من شأنه إخافة المستثمرين وتقويض الاستثمارات الصينية، مُستشهدًا في ذلك بإغلاق الشركات الصينية في موزمبيق خوفًا من عناصر التنظيمؤ مع قيام التنظيم بترجمة خطاباته المتكررة لاستهداف الصين، إلى عمليات استهدافية لمصالح بكين على الأراضي الأفغانية، ومن ذلك الهجوم الأخير للتنظيم على فندق يقطنه صينيون في العاصمة الأفغانية كابول، والذي سبقت الإشارة إليه.

بالإضافة إلى محاولة التنظيم إثارة مخاوف بكين الأمنية من العناصر الإيجورية في صفوف داعش، حيث عمد الأخير إلى اختيار هوية منفذ الهجوم الانتحاري الذي استهدف مسجدًا للشيعة في ولاية قندوز شمال أفغانستان في   أكتوبر 2021 ليكون من أقلية الإيجور لإرسال رسائل تحذيرية ضمنيًا إلى بكين تفيد بأن التنظيم نجح بالفعل في استقطاب عدد من عناصر هذه الأقلية التي لطالما كانت مصدر خوف للصين من انتقال تأثيراتها إلى منطقة شينجيانغ الصينية المتاخمة للحدود مع أفغانستان، علاوة علي زعزعة العلاقات بين بكين وطالبان، حيث يأتي استهداف تنظيم داعش لمصالح الصين في أفغانستان في إطار مساعي التنظيم لضرب وتقويض محاولات التعاون الناشئة بين حكومة بكين وحركة طالبان، حيثُ كانت الصين واحدة من الدول القليلة التي حافظت على وجود دبلوماسي نشط في أفغانستان بعد سيطرة طالبان على الحكم منتصف أغسطس 2021، وحرصت الشركات الصينية على استكشاف الفرص الاستثمارية في أفغانستان التي تمتلك رواسب معدنية وموارد هائلة غير مستغله، وخاصة منجم “مس عينك” الذي يُعتقد أنه يحتوي على أكبر مخزون نحاس في العالم.
ورغم حرص بكين على استمرار العلاقات مع طالبان عند مستوى معين من دون الاعتراف رسميًا بحكومتها، وانخراطها بشكل حذر في الاستثمار في أفغانستان بسبب افتقارها للاستقرار السياسي والأمني اللازمين للقيام باستثمارات مُجديه، فإن هذا التعاون تحتاجه طالبان للحصول على الدعم المالي في ظل الأزمة الخانقة الي يعيشها الاقتصاد الأفغاني، فضلًا عن أن الحفاظ على علاقات دافئة مع بكين قد يمهد الطريق أمام الحركة في تحركاتها الهادفة لنيل الشرعية الدولية الغائبة عنها.

وأكدت الباحثة في ختام دراستها أن هجمات داعش-خراسان الأخيرة في أفغانستان تنذر بتنامي تهديد التنظيم في وسط وجنوب آسيا، وتقوض من جهود طالبان الرامية إلى كسب استحقاقات الشرعية الدولية، وتُزعزع الثقة المحلية والإقليمية والدولية في قدرتها على إرساء معادلة أمنية مُستقرة، والحيلولة دون تحويل أفغانستان إلى بؤرة للتهديدات الإرهابية في المنطقة، متوقعه أن يشهد العام 2023 زيادة في نشاط داعش سواء داخل الجغرافيا الأفغانية أو أي من دول الجوار الأفغاني؛ بالنظر إلى مجموعة من العوامل وفي مقدمتها عجز حركة طالبان عن مجابهة السواد الأعظم من التحديات الداخلية والخارجية التي تعصف بها، ووجود بيئة خصبة لممارسة عمليات استقطاب وتجنيد المقاتلين.

ذلك فضلًا عن التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ناهيك عن بعض العوامل المتعلقة بالتنظيم ذاته، ولعل أبرزها الخسائر القيادية التي تكبدها داعش خلال عام 2022، إثر مقتل العديد من قادته، وهو ما يدفع التنظيم بأفرعه المختلفة إلى تكثيف هجماته للثأر لمقتل قادته والتأكيد على حضوره القوي.