جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

توهم النصر والانتصار هزيمة

النصر والانتصار ليس بالضرورة أن يكونا فى المجال الحربى والعسكرى فقط، ولكنهما يحتويان كل مناحى الحياة المعاشة، كما أن النصر لا يوجد ولا يكون ولا يحقق بالأمانى والأمنيات والتخيل والخيال، ولكن النصر يأتى ويحقق بالعلم والفكر والمعرفة، بالعمل والعرق والجهد، بالاستفادة والإضافة للفكر الإنسانى والحضارى المتراكم عبر التاريخ نتاجًا للمنتوج البشرى الذى شكل الحضارة بالمفهوم الإنسانى والعالمى.
فالحضارات تتلاقح وتتلاقى وتتحاور وتتكامل لأنها منتوج إنسانى يصبح ملك الإنسانية جمعاء بكل أجناسها وأديانها وثقافتها، والثقافة هى جزء من الحضارة، فالثقافة هى نتاج محلى محتواه الدين والفن والعادات والتقاليد وكل الموروث من السابق، ولذا نجد أن الثقافات تختلف وتتباين نظرًا لتأثير المكان والزمان عليها إضافة للمصادر التى ساهمت فى تشكيلها. هنا هل يمكن أن نقول إنه بإعلان ثقافتنا فى مواجهة ثقافة الآخر يعنى الانتصار على الآخر؟، أم الأصح هو تفعيل وإعمال القيم والمبادئ التى تحتويها ثقافتنا للتأثير فى ثقافة الآخر وهذا لا يكون من خلال صراع صفري أما أنا أو الآخر. هل الإعلان عن قيم ثقافتنا وحصيلة حضارتنا السابقة والحالية يكفى لتوهم الانتصار على ثقافة وحضارة الآخر؟
أذكر هذه المقدمة بخصوص ما حدث وما كان فى كأس العالم الذى نظمته قطر فماذا كان؟ كان الاعتزاز والافتخار بتنظيم قطر للمونديال، نعم من حقنا كعرب أن نعتز بهذا التنظيم ولكن فى إطاره الموضوعى.. كيف؟ نعم قطر بأموالها بأموال النفط استطاعت إيجاد هذا الحدث. ولكن الأهم الذى يجب أن نهتم به هو أن يكون التخطيط والتصميم والتنفيذ.. إلخ قطريًا أو عربيًا، وهذا هو المهم وهذا غير أن نكون المنتج فقط ونأتى بالمخرج والممثلين.
وجدنا حالة مزرية تناقض مع الطبيعة البشرية وتتحدى القيم الدينية فى عملية الإعلان عن "المثلية". وهذا ضد قوانين الفيفا المنظمة لهذه المسابقة!!! فكان من الطبيعى أن يتم رفع أعلام فلسطين فى كل المباريات التى كان العرب طرفًا فيها . بل تم عدم التعامل مع الإسرائيليين المتواجدين هناك. وهذا موقف جيد ومطلوب. مع العلم أن هذا الموقف ونقيضه الذى حدث كان تأكيدًا لإسقاط قوانين الفيفا والتى بدأت بالسياسة عندما تم رفض مشاركة روسيا فى المسابقة. هنا هل نتوهم ونتخيل أننا وعندما رفعنا أعلام فلسطين ورفضنا التعامل مع الإسرائيليين نكون قد أدينا الواجب تجاه القضية الفلسطينية؟ وهل سنضيف هذا السلوك إلى مجمل سلوكياتنا ومواقفنا النظرية والكلامية والشعاراتية التى نتوهم أنها هى وحدها وفقط هى التى ستحرر القدس وتعيد الحق الفلسطينى السليب؟ لاشك أن الفوز الذى تم للفرق العربية ضد الفرق الأجنبية "الاستعمارية" كان جميلًا جدًا خاصة وصول فريق المغرب إلى دور قبل النهائى. فهذا جعل الشعور والمشاعر العربية والعروبية تتأجج وتزداد. وأخذنا فى ترديد شعارات العرب والعروبة والمسلمين . فهل هذا الفوز وذاك الترديد يكفى وحده وفقط لتحقيق العروبة وتجسيد القومية العربية ؟ وهل المبالغة التى كانت فى إظهار بعض المظاهر الإسلامية فى مواجهة الآخر غير المسلم. هى انتصار للإسلام أم متاجرة سياسية بالإسلام؟ حيث إن الإسلام والتدين الحقيقى لأى مؤمن بأى دين هو تجسيد هذا الإيمان فى العمل الصالح والسلوك القويم والنموذج الأمثل . وليس صراعًا سياسيًا بين دولة وأخرى على من يدعى أنه هو حامى الإسلام الذى لا يحتاج حماية أحد!!؟ الأهم لماذا شاهدنا هذا التناقض المخجل بين القومية والعروبة وبين بعض المسلمين والمسيحيين؟ حتى أننا وجدنا بعض المسيحيين العرب بعد ما كانوا يشجعون المغرب كفريق عربى "ناهيك عن حكاية الإفريقية والأمازيغية" لا يتحمسون لذاك بعد ربط العروبة بالإسلام؟ نعم الإسلام هو أحد أهم العناصر فى مكون العروبة والقومية العربية. فاذا كان هذا المكون يجمع العرب المسلمين. فهناك مكونات أخرى تجمع كل العرب بكل أديانهم مثل اللغة والتاريخ المشترك والعادات والتقاليد والتراث.. إلخ. مع العلم أنه تاريخيًا فمن ساهم فى إيجاد مفهوم العروبة والقومية العربية هم المسيحيون الشوام فى مواجهة العثمانية "الدولة وليس الإسلام". نعم من حقنا أن نفرح ونبتهج. من حقنا أن نسعى إلى التمايز والتقدم. ولكن بوحدتنا وعلمنا وفكرنا وجدنا وعملنا وعرفنا لا بالخيال ولا بالنخيل. فتوهم النصر هو الهزيمة بعينها. حمى الله مصر والعرب والعروبة.