جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

دعوة مسئولى محافظة أسوان لرحلة خاصة جدًا

 

(١)

ترددت كثيرًا فى كتابة هذا المقال تحريًا لمسئولية الكلمة، حتى قضت زياراتى المتكررة لمدينة الأقصر على هذا التردد وأوجبت إبراءً الذمة.. فإحساسى بالغيرة المشروعة كأحد أبناء مدينة ومحافظة أسوان كلما سرت فى شوارع الأقصر يدفعنى دفعا لهذه المناشدة!

طبيعة مهنتى كمرشد سياحى تجعل من التنقل بين مدن وأحيانا قرى جنوب مصر أمرًا متكررًا، ومعه تقفز للذهن دائمًا فكرة المقارنة والرغبة فى استعادة أسوان لبريقها!

حتى تصل معانى ما أريده – ويريده أهالى أسوان – إلى السادة المسئولين التنفيذيين الأعلى  لمحافظة أسوان، فإننى أدعو سيادتهم للقيام بهذه الرحلة الخاصة جدًا والتى قمت بها مرارًا فى الفترة الأخيرة..

لكننى – حتى تفى الرحلة غرضها – أدعوهم للقيام بها بشكل خاص يتحررون فيه من رسميات المناصب الرفيعة، ومن الممكن أن يرتدوا فيها جلابيب صعيدية كمواطنين عاديين من الجنوب، ويبدأوا رحلتهم من مدينة الأقصر!

ويتجولوا في طرقها وشوارعها النظيفة التى تبرق حرفيا من فرط نظافتها، ويروا اللون الأخضر الزاهى اللامع لأوراق الشجر التى لم يختف لونها خلف طبقات الأتربة!

حتى فى الشوارع الجانبية خارج الكورنيش فالشوارع نظيفة.. فهناك من يعمل بشكل حقيقى وبإخلاص!

ورغم صغر مساحة المدينة تتميز الحركة المرورية بانسيابية رائعة ولا تضيع ساعات فى اختناق مرورى على الكورنيش، ولا ترتع التكاتك فى أى مرسى سياحى، بل وللغرابة ففى نطاق المدينة السياحية لا توجد تكاتك لدرجة أثارت دهشة بعض الزائرين الذين أتوا للمدينة بعد مشاهدة مدينة أسوان!

(٢)

المرحلة الثانية للرحلة هى استقلال ميكروباص من موقف الأقصر كأى مواطن عادى والتوجه لأول مدينة كبرى فى نطاق محافظة أسوان وهى إدفو!

بمجرد دخول السيارة لنطاق محافظة أسوان فى الطريق الزراعى الرئيسى والذى يعتبر الطريق الإجبارى لكل سيارات السياحة، تفاجئك فوضى مرورية زاعقة بلا ضابط أو رابط..

سيارات نقل كبرى وتكاتك وميكروباصات تتسابق، ولا تواجد لأى انضباط مرورى!

السير فى اتجاه معاكس بسرعات حادة أصبح من مفردات هذا الطريق!

الكل يفعل ما يريده فى الطريق! تفاجئك كومة رمال تقتطع حرم الطريق الضيق فى الأصل! 

تدخل موقف إدفو لتجد نفسك فى مملكة للتكاتك لا مدينة كبرى بصعيد مصر...إن تمكنت من الهروب من تلك المملكة بسيارة أجرة إلى داخل المدينة ذاتها فسوف تصدمك شوارعها الرئيسية كقطعة من الفوضى والقذارة!

تكاتك فى كل مكان تعربد على الطريق الرئيسى من الكورنيش إلى شارع المركز إلى قلب المدينة عند السوق وعمر أفندى!

قمامة وأتربة وروائح غير طيبة.الكل غارق فى الفوضى وتشعر وكأن المدينة ليس بها عمال نظافة!

ومن تمام العبث وغياب أى دور لأى رقابة يقدم أهم فندق فى المدينة سجادة صلاة فى الغرفة، ولا يقدم فوط أو وجبات إفطار مع أسعار مبيت هى الأعلى فى المدينة!

(٣)

نتابع الرحلة لنستقل سيارة أجرة أو حتى سياحة ونخرج من إدفو إلى كوم أمبو لنجد قبيل المدينة ببضعة كيلومترات طريقا رئيسيا أشبه بسيرك يتوجب على كل قائد سيارة أن يكون حاويا ليمر بأمان بركابه وسيارته عبره!

الفوضى وعدم النظافة والغياب التام لأجهزة مدن المحافظة المحلية..هذه هى عناوين المرحلة الحالية فى مدن محافظة أسوان!

من المؤسف أن يحدث هذا فى وقت أعتبره فرصة ذهبية لكل محافظات مصر للنهوض والتطور لأن هذه هى توجهات القيادة السياسية المصرية.

فى هذه الفترة لا يمكن توجيه أى لوم للحكومة المركزية لأن الدولة توجهت باهتمامها لجميع محافظات مصر بشكل عادل ولا يمكن إطلاقا ترديد ما كان يتم ترديده فى العقود الماضية من تجاهل الدولة للصعيد.. فهذا الزعم الآن باطل تماما.

فرئيس الدولة تجده كل يوم فى محافظة أو مدينة يفتتح مشروعًا إنتاجيًا أو مشروع بنية أساسية. والدليل هو الفارق بين مدينة أسوان ومدينة الأقصر حاليًا!

فالاهتمام الرئاسى بمدن الصعيد لا يختلف من مدينة لأخرى، إنما الاختلاف فيمن يعمل فى كل مدينة!

(٤)

مدينة أسوان صغيرة وكل ما تفتقده هو العمل الميدانى للقيادات التنفيذية المحلية..أين قيادات المحافظة ورؤساء مدنها من شوارعها ومشاهد الفوضى وانهيار مستوى النظافة بها؟!

لماذا لا يعملون بنفس طريقة وجهد وحمية رئيس الدولة؟ 

لماذا لا نراهم فى الشوارع الرئيسية والخلفية منذ الصباح وعلى مدار اليوم؟

هل هناك نقص فى المحافظة فى أدوات ومعدات النظافة أو أعداد العمال؟ وإن كان هناك نقص فعلا، فلماذا لا نشعر بهذا النقص فى أيام الزيارات والفعاليات الكبرى؟

وهل هناك جيش من الموظفين والعمال يعملون فقط فى تلك المناسبات؟!

لماذا لا يقوم السادة المسئولون الأعلى بالمحافظة ومساعدوهم بتغيير طريقة عملهم واعتبار أن شوارع المحافظة هى مكاتبهم؟

لماذا لا يقوم رئيس كل مدينة ووحدة محلية بتفعيل دور المجتمع المدنى للمساهمة فى الاعتناء بقراهم ومدنهم؟

لماذا لا يتم وضع مشاريع تحفيزية لشباب كل قرية ومدينة يتم بمقتضاها القيام بحملات دائمة لتنظيف المدن والقرى وضبط الشوارع؟

أين المرور من شوارع مدن محافظة أسوان؟

(٥)

هناك شىء خطأ فى مدينة أسوان وباقى مدن المحافظة.. والسادة المسئولون الأعلى بالمحافظة مسئولون عن تصويب هذا الخطأ..

ليس من المنطقى أو المعقول أن تتطور كل مدن الصعيد وتتلألأ، بينما يحدث العكس فى أسوان رغم أنها محط اهتمام الرئيس ووجه لها حزمة من المشروعات العملاقة لم تحدث فى تاريخ المحافظة من قبل!

هل المطلوب من القيادة السياسية أن تقوم بعمل المحليات؟!

إن هذا التراخى فى العمل الميدانى المحلى هو إجهاض لجهود الدولة فى تحسين مستوى حياة مواطنى الجنوب أتمنى أن يتداركه السادة المسئولون التنفيذيون بالمحافظة حتى تحظى أسوان بما يليق بها!

ما تم فى محافظة أسوان فى نطاق المشاريع الكبرى لم يحدث فى تاريخ المحافظة من قبل سواء مشاريع الطاقة أو استصلاح الأراضى أو جهود مبادرة حياة كريمة التى بلغت آلاف المشاريع فى القرى، أو توجه الرئيس لجعل أسوان عاصمة مصر الإفريقية منذ عقد المؤتمر الدولى للشباب بالمدينة.

كل تلك الجهود تستدعى أن تتسم القيادات التنفيذية المحلية للمحافظة بنفس القدر من الوعى بطبيعة التحولات الكبرى فى مصر وتتسم بنفس القدر من الحماسة للعمل، والغيرة الإيجابية مما يتم فى مدن أخرى قريبة مثل الأقصر ومحاولة النهوض بالمستوى الجمالى والبيئى لمدينة أسوان وباقى مدن المحافظة على مدار العام وليس فقط فى مناسبات بعينها!