جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الأمن القومى بين «الصدر» و«الورك»!

"البيضة ولا الفرخة؟!".. إنها العبارة الشهيرة الدالة على المشكلة التي لا يُعرف على وجه التحديد مبدأ حلها، والتي تنطبق حرفيا، لا على سبيل المجاز، على مشكلة ارتفاع ثمن الدواجن وبيض المائدة في مصر، خلال الأشهر الماضية، وتحديدا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بسبب تأخر الإفراج الجمركي عن شحنات الحبوب المستخدمة كأعلاف في المزارع، نتيجة نقص الدولار، في مقابل تزايد الاستهلاك بالزيادة الطبيعية للسكان، وبإقبالهم المتزايد على أنواع محددة من الغذاء المرتبط بهما.
وفي تصريحات صحفية لموقع "القرار" في فبراير الماضي، قال رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، إن مصر تنتج حوالي 1,5 مليار دجاجة، و13 مليار بيضة سنويا. كما أشارت صحيفة "الأهرام" في مايو 2021 إلى التقرير السوقي لغرفة الدقهلية التجارية، الذي أوضح أن حجم إنتاج مصر من الدواجن وصل إلى 3 ملايين دجاجة يوميا، كما بلغ حجم الاستهلاك المحلي 150 ألف طن شهريًا من الدواجن البيضاء فقط، ووصل نصيب الفرد من اللحوم البيضاء إلى 21.5 كلجم سنوياً، وتجاوزت قوة العمل بهذا القطاع 2.5 مليون عامل.
ورغم أن توافد السوريين على مصر أحدث انتعاشة اقتصادية، ونشاطا لقطاعات خدمية وصناعية مختلفة، فإن المطاعم السورية تستهلك كميات هائلة من الدواجن، في صناعة "الشاورما" والدجاج المقلي والمشوي بأشكاله، وهو الغذاء الذي لاقى ترحيبا من المصريين، وخاصة الشباب منهم، الذين تحول نمطهم الغذائي من الإفطار بمواد نباتية الأصل "كالفول والطعمية" إلى "الشاورما"، وهو ما بدا واضحا في المطاعم في النوادي والجامعات، التي تركز قوائمها على منتجات اللحوم والدواجن بشكل رئيسي. 
أضف إلى ذلك ظهور سلاسل من مطاعم الدجاج المقلي وانتشارها، وإقبال الشباب عليها كوجبة شهية أقل ثمنا من غيرها، وهو نمط غذائي، لا يمثل ضغطا على استهلاك الدواجن فحسب، وإنما أيضا على استهلاك الزيوت، وما ينتج عن ذلك من استيراد المزيد منها بالعملة الصعبة، وأعباء التخلص الآمن منها حفاظا على البيئة، والأهم مخاطر هذا النمط من التغذية على الصحة العامة لهؤلاء الشباب بعد عشر سنوات من الآن، في بلد تعتبر فيه الأمراض غير السارية، كالقلب والسكر، هي السبب الرئيسى للوفاة بنسبة أكثر من 80% من إجمالي الوفيات، مع إشارة المسح الصحي لعام 2017 إلى أن 15.5% من المصريين يعانون من ارتفاع السكر بالدم، و29.5% يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وأكثر من 65% يعانون من زيادة بالوزن نصفهم مصاب بالسمنة، وفقا لتقديرات وزارة الصحة المصرية.
ورغم اجتماع رئيس الحكومة، ووزير الزراعة، ونائبه لشئون الثروة الحيوانية والسمكية والداجنة، ونائب محافظ البنك المركزي، ورئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، ونائبه، وبعض أعضاء الاتحاد وصغار المربين، لبحث مشكلة نقص أعلاف الدواجن في السوق المحلية، ورغم إعلانهم العمل على توفير العملة الصعبة لشراء الأعلاف، وتشجيع المزارعين على التوسع في الزراعة التعاقدية ومنها فول الصويا والذرة الصفراء، وتخصيص 9 مناطق بأربع محافظات للاستثمار الداجني و13 موقعا تابعا للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، وتوفير تمويل كقروض ميسرة بفائدة 5% لدعم صغار المربين لرفع كفاءة مزارعهم، والرقابة على الأسواق لمكافحة السوق السوداء للأعلاف- فإن كل هذه الجهود تظل غير كافية في مواجهة الأزمة، التي ستتجدد مرارا وتكرارا إذا لم نجد حلا نهائيا وحاسما لها. 
إن الحل أمام نقص الموارد، يكون بابتكار الأفكار، والعمل على تنفيذها بعد دراستها جيدا، ولعل أحد الأفكار في هذا المجال، ما قدمته رسالة ماجستير الباحثة ضحى توفيق ضوة، المدرس المساعد بكلية الزراعة بجامعة بنها، التي طرحت تقليص الحاجة لفول الصويا كعلف للكتاكيت، بالاتجاه إلى مصادر بروتين رخيصة ومستدامة للبيئة، ومنها حشرة الجندي الأسود، التي تتغذى على المخلفات العضوية النباتية أو الحيوانية، وبالتالي تساعد في تدوير المخلفات، وهي حشرة أمريكية المنشأ، تنتجها محليا شركة Egymag، بما يمكنه تخفيف حدة أزمة الأعلاف التقليدية. ولا شك أن جامعاتنا ومراكزنا البحثية عامرة بالدراسات والعلماء المتخصصين في هذا المجال، وهي ثروة بشرية قومية يجب الاستفادة منها ما دامنا نواجه عجزا في ثرواتنا المادية.
إن مشكلة الأعلاف والدواجن والبيض ليست مشكلة هينة أو شكلية، وإنما تمثل تهديدا للأمن الغذائي للمواطنين، فاستمرار غلاء هذه السلع، بسبب عدم كفاية المعروض منها، يعني عجز الفئات الأقل دخلا عن شرائها، وتكريس شعورهم بالطبقية، وحرمان أبنائهم من قيمتها الغذائية، وبالتالي زيادة احتمالات إصابتهم بسوء التغذية، وهو ما يمثل تهديدا لمخصصات الرعاية الصحية من جانب، وقوة العمل والإنتاج في الدولة من جانب آخر، وبالتالي اقتصادها الوطني، ليبقى أحد أبعاد الأمن القومي المصري مهددا ومختنقا بين "الصدر" و"الورك"..!