جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الدين بين الإلزام والإيمان

قلنا فى المقال السابق إن الدين غير الإيمان. فالدين هو العقيدة الموروثة غالبا وفى كل الأزمان. وهذا الميراث والموروث يعنى فى حقيقة الأمر هو تلقين الطفل فى البداية أن الدين هو ذلك الدين الموروث.

وهو الحقيقية المطلقة والدين الصحيح دون سائر الأديان. وهو ليس ذلك فحسب. بل يتم التلقين والتربية فى إطار فهم وتفهم الأسرة ثم المجتمع الدينى بمؤسساته الدينية للفكر الدينى السائد والموروث فى غالب الأحوال والأزمان حسب ظروف المكان وحسب معطيات الزمان. وهنا نجد أن الموروث هذا يلفه ويحتويه ويسيطر عليه تلك المعطيات النقلية وذلك التاريخ الدينى الذى كتب وأُرخ فى ظروف بنت زمانها ومكانها خاصة أن التاريخ صناعة بشرية تقبل الصواب والخطا بل تحتاج إلى إعادة القراءة دائما.

هنا وفى هذا الإطار وعلى ضوء هذا الواقع المعاش والتاريخى الذى يسيطر على كل الأديان السماوية والوضعية. تكون الأرضية الإيمانية تلقينيه تسليمية تأخذ شكل الإلزام هنا فهل هناك علاقة بين الإلزام والايمان؟ نعم العلاقة هى أن هذه الطريقة النقلية والتسليمية الموروثة دون إعمال العقل الذى ميز به الله الإنسان على سائر المخلوقات تجعل الإيمان تسليميا فى صورة إلزام.

فنقول إن الدين يلزمنا بكذا وكذا. هنا يمكن أن يتزعزع هذا الإيمان الإلزامي أمام مغريات الحياة وزخرفها ومشاكلها تحقيقا للضعف البشرى أمام الإغراء بكل أصنافه وأشكاله. وهنا نرى كل المبررات التى يجدها الشخص محاولا تبرير الانفلات من هذا الإلزام. أما الإيمان الصحيح فهو تلك العلاقة الخاصة جدا بين الإنسان وبين الله نتيجة لإيمان يفعل الروح ويعمل العقل فى تفهم النص الدينى والتعامل معه فى إطار الظروف الزمانية والمكانية خاصة تلك النصوص التى تخص الحياة المتغيرة على الدوام وهذا بالطبع غير نصوص الثوابت الدينية التى لاتقبل الاختلاف.

فهذا الإيمان الصحيح يعنى الإيمان بالنص إيمانا من القلب فيكون الاقتناع وليس الإلزام والاقتناع يعنى الالتزام وليس الإلزام أيضا فيكون السلوك هو صورة لذلك الإيمان ولهذا الالتزام. فتكون المحرمات (لا تقتل لا تزن لاتسرق …إلخ) ليس فى باب الإلزام ولكن فى باب الإيمان المقنع الذى ألزمنى بألا أتجاوز هذه الحدود إيمانا واقتناعا وليس إلزاما قهريا . وفى حوار فى هذه القضية مع أحد الإصدقاء قال: نعم الدين يلزمنى بالجزمة !!! فقلت لا أعتقد أن الدين الذى يلزم الإنسان أن يكون هذا الإيمان  بالجزمة يكون دينا أو تدينا صحيحا. ولذا فالإشكالية هنا أن المؤسسات الدينية وعلى مدى التاريخ ولظروف تاريخية ليس مجال سردها الآن وعلى رأسها المصالح الذاتية والسياسية حول الإيمان بالدين من إيمان يوقر فى القلب ويصدقه العمل إلى إيمان الزامى وليس إيمانا التزاميا بمحض الإرادة الحرة . وذلك لا مكان السيطرة على المؤمنين لاستغلال الدين والتدين الشكلى لصالح النظم السياسية المختلفة وفى الأزمنة المختلفة ولصالح بقاء سيطرة المؤسسات الدينية ورجال الدين على المؤمنين. فوجدنا المؤسسة الدينية المسيحية فى أوروبا عام ١٠٩٥ ألزمت المسيحيين بالقيام بالحروب الصليبية التى مارست كل أنواع القتل والعنف بكل أشكاله وكان هذا باسم المسيح المحب لوطنه (أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم …إلخ) وذلك لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من منطقة بيت المقدس!! كما أننا نرى تلك التنظيمات التى تأخذ مسمى الإسلامية تتعامل مع الدين من أرضية الإلزام المطلق لأتباعها ولغيرهم ذلك الإلزام الذى يحقق مصالحهم الذاتية والحزبية باسم الدين. فالدين إيمان والإيمان التزام والالتزام ينتج سلوك يتوافق مع الحدود واللاءات التى حددها الدين اقتناعا وليست خوفا أو رعبًا أو الزامًا. فلا إيمان يوقر فى القلب وصدقه العمل غير مايكون إيمان كان نتيجة لاقتناع بمحض الإرادة فلا حرية عقيدة ولا حساب فى غياب الحرية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). اتركوا الدين لعلاقة الإنسان بالله علاقة إيمان وحب واقتناع والتزام وسلوك قويم. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.