جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مُعضلة أمنية

حتى فى أيام الاضطرابات والعواصف، السماء لم تسقط والأرض لم تهتز، مهما كتبوا فى صحيفة «هآرتس» عن القنابل الموقوتة فى حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، علينا أن نسمى الأمور بأسمائها الحقيقية.. هى مُعضلة أمنية، والرسالة بسيطة حتى فى الأوقات الصعبة، هناك يد واثقة تمسك بالقيادة. هناك مَن يمكن الاعتماد عليه. هناك من يملك المفتاح السرى للحلول فى اللحظة الأخيرة، كلنا يعرف من يكون هو فى إسرائيل، هذه هى القصة من نهايتها. أما بدايتها فهى على النحو التالى: 

تتعثر المفاوضات بين نتنياهو وشركائه «الحريديم والصهيونية الدينية» حول توزيع الحقائب الوزارية، الأزمة فى تمسك بتسلئيل سموتريتش «الصهيونية الدينية» بحقيبتى المالية والأمن الداخلى والدفاع، فيما يطالب أعضاء الليكود بدورهم بالحصول على الوزارات الحكومية الرفيعة، فيما أفادت تقارير بأن حقيبة الأمن الداخلى ربما تكون من نصيب حزب شاس.

«نتنياهو» يفهم ما يعنيه أن يكون «سموتريتش» وزيرًا للدفاع، وما يعنيه أن يكون شريكه «بن غفير» وزيرًا للأمن الداخلى.. ليس على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة والعالم، فهذا تمت مناقشته أعلاه، ولكن على صعيد إسرائيل نفسها.

لأول مرة ستكون هناك مُعضلة أمنية، وسيكون هناك سياسيون أصحاب أيديولوجيا متطرفة، لديهم مشاكل مع أجهزة الأمن، وسيكون على تلك الأجهزة مشاركة هؤلاء السياسيين معلومات حساسة عن أجهزتهم.

ليس هذا فقط، فى هذه الحالة، سنكون للمرة الأولى أمام وضع جديد، فحوالى نصف أعضاء الكابينيت «المجلس الوزارى والأمنى المُصغر» لم يؤدوا الخدمة العسكرية، أو أدّوا خدمة قصيرة فقط، كما أن عددًا كبيرًا من أولادهم وأحفادهم أيضًا لم يخدموا فى الجيش، ولا ينوون الخدمة، وسيكون على هؤلاء اتخاذ قرارات تتعلق بالقيام بعمليات عسكرية دون أن يكون أبناء عائلاتهم، أو حتى ناخبوهم، على خط النار.

حتى لو لم يتم تعيين «سموتريتش» وزيرًا للدفاع، فهناك من يتحدث عن أن البديل أمام «نتنياهو» هو «أرييه درعى» رئيس حزب شاس الحريدى، هناك من يدعم «درعى» بسبب التجربة التى راكمها أثناء وجوده فى الكابينيت لفترة طويلة أثناء حكومات «نتنياهو» السابقة، ولكن هذا لا يعنى أنه مثالى، فهناك شبهات جنائية تحوم حوله ولا تزال محل فحص، كما أنه أيضًا «هو وعائلته وأبناء حزبه» امتنعوا عن أداء أى خدمة عسكرية أو اكتفوا بخدمة قصيرة، وهو فى هذه الزاوية يتشابه مع «سموتريتش».

البديل الثالث أمام «نتنياهو» هو أن تعود الحقيبة إلى الليكود ويتم منحها إلى الجنرال احتياط يوآف جالانت، الذى لن توجه له انتقادات بشأن خبرته العسكرية وتجربته الأمنية أو مواقفه الأيديولوجية.

فى السيناريوهات الثلاثة الماضية، سيقوم «نتنياهو» بالاحتفاظ لنفسه بتأثير كبير فى الوزارة، وأيًا كان وزير الدفاع، سيكون هناك اهتمام بالقيادات الأمنية التى تشاركه القرار، مثل رئيس مجلس الأمن القومى «حاليًا إيال حولتا»، ومدير عام وزارة الأمن «جنرال أمير إيشل»، الذين لم يستمروا كما يبدو فى مناصبهم، فربما يعيد «نتنياهو» مئير بن شبات إلى منصب رئيس مجلس الأمن القومى.

وفى الوقت نفسه، سيتولى هرتسى هليفى منصب قائد هيئة الأركان فى يناير المقبل، وإلى جانبه، سيستمر فى منصبه كلٌّ من رئيس جهاز «الشاباك» رونين بار ورئيس «الموساد» دافيد برنياع.

هؤلاء جميعًا سيشكلون حائط صد ضد وزير الدفاع إذا كان «سموتريتش» أو «درعى».

المنظومة ستعمل، لكنهم فى الوقت نفسه، سيجدون أنفسهم فى واقع مركب تحت حكومة بعض من أعضائها يتحرك بدوافع أيديولوجية فى المسائل الأمنية، بالإضافة إلى أن علاقتهم بالخدمة العسكرية ضعيفة جدًا، وسيكون عليهم اتخاذ قرارات مصيرية فيما يتعلق بالهجمات على إيران، والوضع فى الضفة ومن الممكن أيضًا فى غزة.

فى حكومات اليمين السابقة كان الوضع عكسيًا، أعضاء الكابينيت أصحاب الخبرة، مثل موشيه يعالون ودان مريدور وبينى بيجن، كبحوا خطة «نتنياهو» و«باراك» لضرب إيران.. اليوم على «نتنياهو» أن يوقف هؤلاء ويقيدهم. 

ببساطة سيكون «نتنياهو» الأكثر يسارية فى حكومة مثل هذه.

المُعضلة لها حل، استنادًا إلى تجربة الماضى، فى ربيع ٢٠٠٦، فاز إيهود أولمرت وحزبه كاديما فى انتخابات الكنيست الـ١٧، وحينها أراد تعيين شريكه زعيم حزب العمل عمير بيرتس فى وزارة المال، ووقتها هاجمه رجال الأعمال، وضغط مسئولون كبيرون فى القطاع لمنع تعيينه فى هذا المنصب، بسبب عدم خبرته الاقتصادية، فقام «أولمرت» بتعيينه وزيرًا للدفاع على الرغم من تجربته الأمنية الضعيفة.

يومها فهم الجميع أن «بيرتس» ليست لديه خبرة، ولكن فى الحكومة تحدثوا إلى الإعلام والجمهور وشرحوا لهم أن السياسة الأمنية يديرها مكتب رئيس الحكومة «أولمرت»، وأن دور وزير الدفاع ضئيل نسبيًا، وإن الأمور ستكون جيدة، طالما هناك رئيس حكومة لديه خبرة، ورئيس أركان مميز «دان حالوتس» بجانبه.

التجربة السابقة صعب تقييمها، لأنه فى يونيو ٢٠٠٦ تم خطف جلعاط شاليط ثم بدأ التصعيد فى غزة، وقبلها خطف حزب الله جثمانى الجنديين فى الاحتياط إلداد ريغف وإيهود غولدفاسر على الحدود الشمالية، ثم بدأت حرب لبنان الثانية، والجميع يعرف كيف كان الوضع حينها، الخطأ لم يكن خطأ «بيرتس» فى حينه، كان فشلًا للجميع «أولمرت وحالوتس وبيرتس».

المقارنة كاملة ليست فى محلها، لأن «أولمرت» ليس «نتنياهو»، وحزب الله وغزة لم يكونا حينها مثلما هما اليوم، لكن تظل النظرية قائمة، أنه حتى مع تعيينات مثل السابق ذكرها ستكون هناك مُعضلة أمنية داخل تل أبيب، وسيكون على نتنياهو أن يكون العازف المنفرد فى هذه الحكومة، وسيكون عليه أيضًا أن يناور شركاءه يومًا بعد يوم. وأن يمسك بالقيادة ولا يترك الهواة يتلاعبون.. أعتقد أنه سيعرف كيف يفعل!