جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هذه هى مصر

أخطأ كل من تخيل أو تصور أو تمنى أن الدعوة للتظاهر فى ١١/١١ ستتم استغلالًا للظروف الاقتصادية الحاكمة والتى يعانى منها كل الطبقات خاصة المتوسطة بكل درجاتها وصولًا للطبقة الفقيرة التى تزداد فقرًا على مدار الساعة.

كان تصور الداعين الذين لا يريدون للوطن سلامًا أو استقرارًا أنه سيخرج الشعب رافضًا تلك الأوضاع الاقتصادية، حيث إن المواطن فى ظل هذه الظروف لا يعنيه غير أنه كيف يعيش فى ظل ارتفاع الأسعار وعلى ضوء دخله المحدود. تخيل هؤلاء أنه لوجود مشاكل لا ينكر أحد وجودها لظروف محلية ودولية يعانى منها الجميع ستكون هذه الظروف دافعًا لتكرار الخروج الذى تم فى يناير. وهم متناسون وغير مدركين أن الشعب المصرى الذى وصفه الزعيم جمال عبدالناصر بأنه (الشعب المعلم) يستطيع أن يفرق بين مشاكله التى يمكن أن تكون نتيجة لأخطاء الحكومة والتى من حقه أن يرفضها وأن يطالب بتصحيحها ومحاسبة تلك الحكومة، وبين أن تكون تلك المشاكل طريقًا ووسيلة لهدم الوطن. 
فالشعب يفرق بين معارضته للحكومة والنظام وهذا حقه الدستورى والقانونى وبين الأساليب الملتوية التى تستهدف الوطن لا الحكومة والنظام. يدرك الشعب ويستطيع أن يميز بين الدعوات التى تسعى إلى صالح الوطن وتلك الدعوات التى تهدف إلى إسقاط الوطن تحقيقًا لمصالح تنظيمية محلية ودولية تمكنهم من الرجوع مرة أخرى بعد أن أسقطهم هذا الشعب العظيم.

ولذا فهذا الشعب المعلم لم يخرج كما كانوا يتمنون بل أعطى الجميع الدرس لمعرفة وإدراك المعنى الحقيقى للوطنية المصرية التى تعارض الحاكم وترفض بعض قراراته ولكن فى ذات الوقت تحافظ على الوطن وسلامته. فالشعب الذى أعلن حفاظه على الوطن وسلامته بعدم تلبية تلك الدعوة المشبوهة يعلم ويعيش مشاكل قد فاقت قدرته. كما أن عدم خروج الشعب لا يعنى غياب وعدم وجود مشاكل لا بد من حلها.

وحيث إن هناك حركة دائمة لا تهدأ تهدف إلى الحوار الوطنى سواء كان حوارًا اقتصاديًا أو سياسيًا أو دينيًا. فهذا يعنى فى المقام الأول أن هذا الحوار يجب ألا يقتصر على النخبة. ولكن يجب أن يكون حوارًا جماهيريًا حقيقيًا دون مجاملة. فلماذا لا تكون هناك انتخابات مبكرة للمجالس التشريعية بنظام انتخابى يمثل الشعب بكل طبقاته.

مجالس تأتى بسياسيين يمتلكون الرؤية السياسية بعيدًا عن تلك الطريقة التى تمت على أرضية ترشيح الأحزاب للقادرين ماديًا!!! فهل هذه الطريقة أسفرت عن مجالس حقيقية؟ فلو كان المناخ السياسى لم يفرز تلك النوعية وإن وجدت لا تستطيع الوصول عن طريق الانتخابات. فلا بد من طريقة تأتى بالأصلح. 

لا بد من فتح المجال الحقيقى لإمكانية التعبير عن الرأى فهذا حق دستورى ممارسته تصب فى المقام الأول لصالح الوطن والمواطن والنظام الحاكم. فلماذا الاقتصار على الرأى الموالى فقط؟ فوجود الرأى الآخر والمعارض هو تعبير عن الجماهير العريضة التى تعانى من المشكلة ولا تجد طريقًا للتعبير الصحيح بدلًا من التراكم الذى يؤدى إلى التعبير لطرق غير قانونية.

 لا بد من الإعداد السريع لانتخابات المحليات التى لها دور مهم سواء فى الاهتمام بالمشاكل المحلية حتى تزيح العبء عن المجالس التشريعية التى تحولت إلى مجالس محلية. على الجانب الآخر فالمجالس المحلية هى المدرسة التى تعد للوطن الكوادر السياسية الجماهيرية الحقيقية بعيدًا عن العصبية والقبلية... إلخ.
 

لا بد من تطبيق مبدأ الأولويات فى البرامج الحكومية والتى يجب أن تعرض على البرلمان لكى يتم تحديد هذه الأولويات بما يتناسب ويتوازن بين الخدمات الجماهيرية والبنية الأساسية حيث لا تعارض أن يسيرا متلازمين. يجب إعطاء الفرصة لتكوين أحزاب سياسية حقيقة بعيدًا عن تلك الأحزاب الورقية التى لا علاقة لها بالجماهير أو الشارع السياسى ولا تجيد غير التوافق مع كل الأنظمة للحفاظ على البقاء الشكلى.

 الكلام كثير والمطلوب المصارحة والشفافية والعمل الصحيح الذى يهدف أولًا وأخيرًا إلى صالح مصر وطننا الغالى والعزيز وصالح الشعب المصرى المعلم الذى يخاف على وطنه بالرغم من كل المشاكل. حمى الله مصر وشعبها العظيم.