جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مسرحيون قابضون على الجمر فى «عروس الصعيد»

مسرح
مسرح

على بعد أربع ساعات من القاهرة هناك مسرحيون يكافحون.. هذا هو الانطباع النهائى لـ«الدستور» بعد زيارتها محافظة المنيا للقاء مبدعى المسرح هناك.. فنانون قابضون على الجمر.. يقاومون الظروف ويبدعون بأقل الإمكانات.. تتنوع فرق المسرح هناك بين فرق قصور الثقافة التابعة للدولة وبعض الفرق المستقلة.

يشهد المسرح هناك زخمًا كبيرًا وتنوعًا، فى ظل كثرة عدد الفرق والعروض، واحتواء المحافظة على عدد كبير من الفنانين المتميزين. وتؤدى الفرق التابعة لقصور الثقافة دورًا كبيرًا فى إثراء المسرح، والتى تتنوع عروضها سنويًا ما بين ١٠ عروض للفرقة القومية، و٧ عروض لبيت ثقافة ملوى، و٧ لفرقة قصر ثقافة أبوقرقاص، و٧ لفرقة بيت ثقافة سمالوط، و٧ لفرقة قصر ثقافة بنى مزار، و٧ لفرقة بيت ثقافة مغاغة، إضافة إلى مؤسسات المسرح الكنسى المتعدد والمزدهر و«جيزويت المنيا»، الذى يسهم فى تدريب الأطفال والنشء والشباب على فنون وألوان مختلفة من الفن المسرحى. 

وتتوازى مع ذلك أيضًا، جهود فنانى المنيا الشباب، مثل شنودة عادل، الذى حول مقلب زبالة بقريته إلى مسرح، وبيشوى عادل مكرم ومينا ناصيف الذين أنشأوا «دوار الفنون»، لرفع قدرات الفنانين والفرق المستقلة، وغيره من المؤسسات، مثل «بنى مزار» برئاسة المخرج الكبير حمدى طلبة، وفرقة «تليتوار» لمحمد جمعة، و«طعم المكان» برئاسة أسامة طه وأشرف عتريس.

ومن ضمن المؤسسات المستقلة أيضًا، «تياترو الصعيد» لكيرلس صابر، و«شطرنج» لمهند المهدى، و«كواليس» لمحمد عجيزى، و«ملك وكتابة» لحسام البحيرى، و«مراية» لأندرو عماد، كما تؤدى مراكز الشباب دورًا كبيرًا، وتشمل مركز شباب ملوى، ومركز أبوقرقاص، ومركز المنيا، ومركز بنى مزار.

والتقت «الدستور» عددًا من فنانى المسرح فى المنيا، للتعرف على طبيعة عروضهم وأعمالهم والتحديات التى تواجههم وتصوراتهم لتجاوزها.

قال المخرج أسامة طه، إن المسرح فى المنيا يؤدى دورًا كبيرًا على ساحة المسرح المصرى، وعلى مدار تاريخه، برزت العديد من الأسماء المسرحية المهمة لأجيال مختلفة فى التمثيل والإخراج، إضافة إلى جيل مهم من مخرجى المسرح المستقل.

وأشار «طه» إلى أن عدم وجود دور عرض كافية لاستقبال العروض المسرحية، هو التحدى الكبير الذى تواجهه الفرق، حيث تم إغلاق بعض مسارح قصور الثقافة بداعى الأمن الصناعى، فى ظل غياب المسرح الجامعى منذ أكثر من ١٠ سنوات كاملة، مما أدى إلى ندرة المواهب المسرحية، حيث كان المسرح الجامعى الحاضنة الأهم.

وتمنى فتح الدراسة المنتسبة لقسم المسرح بكلية الآداب جامعة المنيا، والاهتمام بالتغطية الإعلامية والوصول للجمهور، مؤكدًا أن جمهور المنيا متعطش للمسرح بمختلف أشكاله ومدارسه، مضيفًا أن الفيصل فى القبول هو الصدق والجدية. 

قال المؤلف أشرف عتريس إن للمنيا عراقة وإسهامًا فى تاريخ الحركة المسرحية فى الأقاليم، وريادة حقيقية للمسرح فى الصعيد كله منذ الخمسينيات، مضيفًا أن جيل الرواد، الذى ضم «جمال الخطيب، وحامد الداقوفى، وحسن أبودومة، وفرجانى دياب، ورضا خلف، وفاطمة عمران، وسمير الكردى، وماهر بشرى، وطه عبدالجابر، ومحمد نجيب أبوالسعود»، أسس العديد من الفرق والحركات، وما زال الفن يجرى ويتوارث فى المحافظة.

وأرجع غياب الجمهور إلى ضعف آليات التسويق والدعاية، مضيفًا: «الإعلام فى القناة السابعة لا يقدم برنامجًا خاصًا بالمسرح، فقط مجرد تغطية لبعض العروض لمدة ١٠ دقائق، ونحتاج إلى برامج فى قناة الصعيد، ونحتاج إلى بند دعاية جيدة للعروض والإشارة إليها ومكانها ومواعيدها».

وأضاف «فى القصر توجد عروض قصيرة وعروض لمسرح الطفل، وهى عروض شريحة الفرقة القومية، وهناك قسم (علوم مسرحية فى كلية الآداب)، فلماذا لا نستفيد منه ليعمل خريجوه، وهناك أكثر من دفعة بعد افتتاح القسم فى ٢٠٠٩». قال أندرو عماد، من فريق «مراية»، إن أبرز التحديات يتمثل فى عدم وجود دعم للمسرحيين وتشجيع على الاستمرارية، لافتًا إلى أن عدم وجود هذا الدعم يؤدى لصناعة عروض ضعيفة، فى ظل عدم وجود مسارح كثيرة فى المحافظة.

وأضاف «فرص الإنتاج قليلة، وإن وجدت تكون إما من قصور الثقافة، أو من بعض مؤسسات المجتمع المدنى» لافتًا إلى أن التنوع الكبير فى المسرح سببه وجود فرق مستقلة و«مسرح متكلم ومسرح أسود ومايم»، مشيدًا بعروض قصور الثقافة، التى يقبل عليها الجمهور، مردفًا: «لكن لا توجد مقومات لضمان الاستمرارية والاحتفاظ بالجمهور بسبب ندرة فرص الإنتاج».

وتمنى توافر مسرح بإمكانيات تقنية كبيرة، على أن يكون سعره فى متناول الفرق المستقلة، لأن مسارح قصور الثقافة ليست متاحة للفرق المستقلة، إلا عن طريق إيجارها بسعر عالٍ، متمنيًا أن تكون المنيا منارة للفنون مثل القاهرة والإسكندرية. 

وأشار إلى أن الفرق تستخدم «السوشيال ميديا» والدعاية الشفاهية فى التغطية الإعلامية، لافتًا إلى أنه تم مؤخرًا إنشاء صفحة جريدة مسرح المنيا، لتساعد الفرق على الدعاية والترويج للفعاليات والعروض مجانًا، وهى غير هادفة للربح وتعمل أيضًا على توثيق الفعاليات.

قال كيرلس صابر، مؤسس تياترو الصعيد، إن شباب المسرحيين فى المنيا يعانون من روتينية الإجراءات وضعف الإمكانيات المادية، مشيرًا إلى أن أغلب العاملين بالمسرح فى المنيا مستقلون ولا يتلقون أى دعم مادى أو معنوى.

وأوضح «صابر»: «أغلب الشباب الذين يعملون فى الفرق المسرحية طلاب، وليس لديهم ما يكفى من أموال لتنفيذ أفكارهم الإبداعية».

وأضاف: «الإنتاج المسرحى فى المنيا له ثلاثة أشكال؛ المسرح الكنسى، والذى له زخم كبير، والثقافة الجماهيرية، والفرق المستقلة، والجمهور فى المنيا ذواق ولديه شغف لرؤية العروض المسرحية».

وتابع: «يتطور مشروع تياترو الصعيد بخطى ثابتة، فنحن نعمل منذ ٨ سنوات، وتتخرج دفعات كثيرة، واستطعنا تأسيس مساحة مسرحية لاستضافة الفرق الموجودة فى المنيا، ثم بدأنا التحرك من خلال مهرجان فى المنيا لتقديم الفرق، وتقديم الدعم الإدارى والفنى لها».

قال المخرج حمدى طلبة، إن تجربة المسرح الشعبى فى مركز بنى مزار، بدأت باعتماد فرقة بنى مزار عام ١٩٨٥ بمسرحية «عريس لبنت السلطان»، والتى كانت من إخراجى، وتأليف محفوظ عبدالرحمن، ثم بدأ الاهتمام بمسرح التراث «المسرح التاريخى» للمسرح العربى والمصرى، ثم فى عام ١٩٩٠ بدأت الفرقة فى الاتجاه إلى التراث الشعبى «الفلكلور».

وأكد «طلبة» أن الفرقة عملت بأسلوب غير تقليدى؛ فقد أقيمت الورش وجرى عقد تدريبات تخص إعداد الممثل والإخراج والسينوغرافيا والبحث الميدانى، بقيادة الباحث جلال عابدين، الذى أرشد الفرقة إلى أهمية البحث بشكل علمى ومنهج مدروس فى التراث الشعبى، والاستفادة منه فى تأصيل الهوية المصرية بشكل عام، والمزارية بشكل خاص.

وتابع: «أرشدنا جلال عابدين إلى منطقة البهنسا، تلك المدينة التاريخية الغنية بتراثها التاريخى والشعبى، والمتمثل فيها ملامح حضارات العصور الخمسة: المصرى القديم واليونانى والرومانى والقبطى والإسلامى».

وأشار إلى أن مدينة البهنسا عامرة بالحكايات الشعبية القديمة، وكذلك الموالد الإسلامية والمسيحية، وحفلات الطهور والزواج والزار وموكب الحجاج فى موسم الحج، واحتفالات الحرفيين، وكذلك المشعوذين وضاربى الرمل وقارئى الفنجان والحواة والحلب وأصحاب المراجيح وغيرهم.

وأوضح: «أفرزت هذه التجربة عدة عروض مهمة وفارقة فى حركة نوادى المسرح بشكل خاص، وعروض الفرقة بشكل عام، منها مسرحيات (باب المزار ومهرة الوقت والحجلة والحلم والغرقى يتجهون جنوبًا) وغيرها».

قال بيشوى عادل مكرم، إن فرقة الدوار للفنون تعمل على تدريب فنانى وفرق المسرح بالمنيا، عبر تقديم مشاريع لجهات الدعم، مشيرًا إلى أن المنيا تضم ٦ ملايين نسمة ولا تضم سوى ٣ أو ٤ مسارح مجهزة، والإيجارات مرتفعة للغاية.

ولفت «مكرم» إلى أن هناك نظرة سلبية للفنانين حتى الآن فى المجتمع، مطالبًا بأن يضطلع الإعلام بدوره فى التحدث عن الفعاليات الفنية فى الأقاليم.

وتابع: «نقص الإمكانيات يتسبب فى هجرة الفنانين المحترفين للعاصمة، للبحث عن فرص»، مشيرًا إلى أن فنانى المنيا يعانون من نقص التدريبات والفرص.

وأوضح أن جهود قسم المسرح بكلية الآداب بجامعة المنيا، غير كافية، لأنها لا تستطيع تدريب الشباب، مؤكدًا أن دعم المسرح سيساعد فى توعية الجمهور، الذى قد يرى الذهاب للمسرح رفاهية لا تناسب قدراته المادية. وأضاف: «نتعاون مع الجمعيات التنموية، وبعض الجمعيات تمول إنتاج العروض المسرحية التى تناقش قضايا مجتمعية وهادفة، مثل قضايا المرأة وعمالة الأطفال وغيرها من القضايا، وتوجد مصادر أخرى للتمويل، مثل المراكز الثقافية الأوروبية، كمعهد جوته والقسم الثقافى بالسفارة الهولندية».

وتمنى إتاحة مساحات مجانية للعروض لكل الفرق المستقلة، دون اشتراط انتمائها لوزارة الثقافة، وطالب بإقامة أربعة مهرجانات خاصة بالمحافظة، وإنشاء مركز تدريبات متكامل.