سياسة ومونديال «1» 1938.. حينما أرضخ موسوليني كأس العالم لخدمة الفاشية
العداد التنازلي بدأ 14 يومًا وينطلق الحدث الأكبر في العالم، كأس العالم يعود مرة أخرى ليطل علينا بحكاياته وأحداثه ومبارياته، شهر كامل تتوقف فيه كرة القدم حول الأرض، ويلقي الجميع أنظارهم نحو دولة واحدة، تستضيف ملاعبها منافسات المونديال، أهم حدث كروي عبر التاريخ.
ودائمًا ما ألقت الأحداث السياسية، وانتماءات المنتخبات وأزمات الدول والحروب بظلالها على المونديال، وأثرت بشكل مباشر في أحداثه.
ذلك على الرغم من تأكيد الاتحاد الدولي في أكثر من مناسبة، منعه التمييز بكل أنواعه، سواء ضد أشخاص أو جماعات، أو شعب بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين والسياسة، ويعاقب عليها.
وفي سلسلة تقارير «سياسة ومونديال» تخوض «الدستور» رحلة عبر أهم الأحداث السياسية والمواقف التي أثرت فيها انتماءات الدول والمنتخبات واللاعبين في مصائر مباريات كأس العالم.
وفي الحلقة الأولى، نخوض رحلة بالزمن إلى عام 1938، والنسخة الثالثة لبطولة كأس العالم، التي استضافتها إيطاليا، وكيف تدخل بينيتو موسوليني، حاكم إيطاليا «الفاشي» آنذاك في منح إيطاليا اللقب المونديالي الثاني في تاريخها؟
ماهي الفاشية؟ وكيف قادت موسوليني لحكم إيطاليا؟
الفاشية هي تيار سياسي وفكري من أقصى اليمين، ظهر في أوروبا بالعقد الثاني من القرن العشرين، يمجد الدولة إلى حد التقديس، ويرفض نموذج الليبرالية والديمقراطية التعددية الذي ساد أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر.
وتقوم الأيدولوجية الفاشية على تبجيل هيبة الدولة والقائد والتعصب للوطن، كما رفضت أن يكون المجتمع مكون من طبقات متباينة، وبدلت النظام النقابي بهياكل تنظيمية تضع العمال وأصحاب العمل على نفس المستوى.
أما فاشية موسوليني، والتي نحن بصددها اليوم، فبدأت بتأسيس بينيتو موسوليني جماعة متشددة في مدينة ميلانو، وتصاعد نفوذها حتى أوصلته إلى البرلمان في 1921، وبدأ إرهاب الاشتراكيين والشيوعيين، حتى وصل إلى الحكم في العام التالي، واستمر حتى سقط في 1943، وأعدِم علانية في إبريل 1945.
اختيار فرنسا لتنظيم مونديال 1938 والغضب الأمريكي الجنوبي
عقد الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، مؤتمرًا لاختيار الدولة المنظمة لبطولة كأس العالم 1938 ووقع الاختيار على فرنسا، عرفانًا لفضل جول ريميه، صاحب فكرة البطولة، مما أثار غضب دول أمريكا الجنوبية، لأنه كان يجب أن تستضيف هذه النسخة دولة أمريكية جنوبية، بعد أن استضافت إيطاليا نسخة عام 1934؛ فأعلنت الأرجنتين وأوروجواي انسحابهما من البطولة.
منتخب النمسا استبعد من البطولة إثر احتلالها من قبل ألمانيا النازية في العملية العسكرية المعروفة باسم آنشلوس، وانضمام بعض لاعبيها لتمثيل منتخب ألمانيا، وتقلص عدد المنتخبات المشاركة في البطولة إلى 12 منتخبًا.
كما استبعد منتخب إسبانيا من البطولة بسبب اندلاع الحرب الأهلية آنذاك.
كيف طوّع موسوليني المونديال وكرة القدم لخدمة فاشيته؟
في تلك الفترة عمّت الفوضى العالم، وكانت الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق، ودقت الحرب طبولها بين دول المحور بقيادة ألمانيا وإيطاليا واليابان، والحلفاء وضمت: "بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا".
وأراد موسوليني ونظامه الفاشي مواصلة استخدام الرياضة للترويج لأفكارهم بعد التتويج بمونديال 1934، وترويج هتلر للنازية في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 1936، التي استضافتها برلين، وفاز منتخب إيطاليا بمسابقة كرة القدم بالدورة.
رغم أنه لم يكن من المهتمين باللعبة، إلا أن موسوليني أدرك أهمية كرة القدم في الترويج لنظامه الفاشي واستغلال شعبية اللعبة بين الجماهير التي أراد حشدها خلفه.
وأعاد موسوليني تنظيم الدوري الإيطالي في بطولة واحدة في عام 1929، وأراد منه غرس الشعور القومي لدى الشعب الإيطالي، وجذب لاعبين جيدين للتنافس مع الأفضل؛ واستغلال اللعبة لتشكيل الرأي العام وتسييس كرة القدم لتعزيز مكانتها الدولية.
موسوليني تقدم لاستضافة مونديال 1930، ولكنه انسحب من البطولة بعد إسناد الاستضافة لأوروجواي، ثم نظمتها إيطاليا في 1934 وحققت اللقب الأول في تاريخها.
من الحكايات المثيرة عن اهتمام موسوليني الزائد بالترويج لنظامه باستغلال كرة القدم، هو أن المنتخب الأرجنتيني رفض إرسال بعض لاعبيه للمشاركة في مونديال 1934 خوفًا من تجنيسهم لإيطاليا عنوة، خاصة اللاعبين الذين لهم أصول إيطالية، وهو ما حدث بالفعل مع لويس مونتي، الذي شارك في نهائي كأس العالم 1930 مع الأرجنتين، ونهائي 1934 مع إيطاليا؛ بالإضافة إلى رايموندو أورسي، وإنريكو جوايتا.
مونديال 1938.. النصر أو الموت
أقيمت بطولة كأس العالم 1938 بنظام خروج المغلوب، وكانت النسخة الأخيرة من البطولة التي تقام بهذا النظام.
أجواء المعسكر الإيطالي قبل البطولة كانت أشبه بمعسكرات الجيش، فيتوريو بوتسو، المدير الفني للمنتخب آنذاك سوى كافة الخلافات بين لاعبي الأندية، وكانت المسيرات عبر الغابة هي جزء من التدريبات، كما قاد لاعبيه لجولة حول النصب التذكاري لضحايا الحرب العالمية الأولى على هضبة كارست في شمال شرقي يطاليا، لتذكيرهم بواجبهم ناحية أجدادهم.
افتتح المنتخب الإيطالي مبارياته بالفوز على النرويج في الجولة الأولى بهدفين لهدف، ووفقًا لتقرير لصحيفة جارديان الانجليزية، فإن بوتسو، المدير الفني لإيطاليا آنذاك ادعى أنه تم إجباره على ضم اللاعبين أعضاء الحزب الفاشي فقط للمنتخب.
كما أن موسوليني، ورئيس الاتحاد الإيطالي لكرة القدم آنذاك، جورجيو فاكارو، تسببا في إنهاء ميرة إيرالدو مونزيليو الدولية، بعد المستوى غير المرضي الذي ظهر عليه الأزوري في أولى المباريات.
وفي مباراة الدور ربع النهائي ضد فرنسا، كان كلا المنتخبين يلعبان بالقمصان الزرقاء، وفازت فرنسا بالقرعة لترتدي القميص الأزرق، فيما كانت سترتدي اللون الأبيض؛ لكن موسوليني أمر بارتداء طاقم أسود كامل.
المنتخب الإيطالي دخل ملعب المباراة واصطف بالطريقة العسكرية، وأدى التحية الفاشية برفع أيديهم؛ مما أثار غضب الجماهير المتواجدة في الملعب وتلقوا وابلًا من الصافرات والاستهجان.
وأقيمت المباراة في مدينة مارسيليا، وانتصر منتخب إيطاليا بثلاثة أهداف لهدف.
واجه منتخب إيطاليا نظيره البرازيلي، ممثل أمريكا الجنوبية الوحيد في البطولة، في الدور نصف النهائي وفاز عليه بهدفين لهدف.
على الجانب الآخر سحق منتخب المجر نظيره السويدي بخمسة أهداف مقابل هدف.
لتتحدد المباراة النهائية بين إيطاليا والمجر في 19 يونيو 1938.
قبيل المباراة النهائية، أرسل الزعيم الفاشي الإيطالي بنيتو موسوليني، رسالة مقتضبة للاعبي منتخب بلاده، وهي: "النصر أو الموت".
وحقق المنتخب الإيطالي البطولة بالفوز على المجر بأربعة أهداف مقابل هدفين، ليصبح أول منتخب يحقق اللقب مرتين متتاليتين.
بعد المباراة، عبر أنتال سزابو، حارس المجر، عن سعادته رغم خسارة منتخب بلاده اللقب، قائلًا: "ربما تلقيت 4 أهداف ولكنني أنقذت حياة 11 لاعبًا".
بعد تحقيق كأس العالم للمرة الثانية على التوالي، التقى موسوليني لاعبي المنتخب الإيطالي في قصر بالازا فينسيا في روما؛ خلال حفل استمر 15 دقيقة فقط، وحصل كل لاعب منهم على مكافأة قدرها 8 آلاف ليرة، وهو راتب 3 أشهر آنذاك، بالإضافة إلى ميدالية ذهبية فاشية.
بينيتو موسوليني بعد التتويج الإيطالي بالمونديال ازداد شغفه بالدعاية الإعلامية لفاشيته باستخدام كرة القدم، وبدأ بالفعل التجهيز للتتويج الثالث على التوالي في المونديال التالي والذي كان مقررًا له عام 1942، لكن اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية وسقوط العالم بأكمله في معاركها والدمار الذي خلفته على كافة الأصعدة، خاصة البشرية والتي تجاوزت الـ60 مليون شخصًا، وانهيار نظام موسوليني الفاشي في 1943، حال دون تحقيق حلم الديكتاتور الإيطالي، لتغيب شمس إيطاليا عن التتويج المونديالي 44 عامًا، وتنتهي أسطورة الاستخدام الديكتاتوري لكرة القدم بشكل مؤقت، قبل أن تعاد الكرّة مع أنظمة أخرى وبأشكال مختلفة.