جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

4 نوفمبر عيد الحب الخادع والمخدوع

الإنسان اخترع الكثير والعديد من الخدع والأكاذيب وصدّقها واقتنع بها، حتى وهو يرى فشلها وتضليلها وخداعها المتكرر عبر الأزمنة، وكانت هذه الخدع والأكاذيب سببًا أساسيًا فى تعاسته واكتئابه وتناقضاته وحبه للتسلط والتملك والعدوان، وهوسه بغرائز الجسد الأسفل.
والإنسان هنا أقصد "الذكور" وحضاراتهم المختلفة عبر الزمن، فالذكور دشنوا الملكية الخاصة والزواج الأحادى للمرأة والأديان والعبودية والحروب والاستعمار وأخلاق غشاء البكارة وختان الإناث وختان الذكور، وجرائم الشرف وأفضلية علاقات الدم والروابط البيولوجية، واخترعوا مصطلحات مثل "ابن حلال"، "ابن حرام"، "الجوع كافر"، "حالته تصعب على الكافر"، "الأرض عرض"، "أعز ما تملك المرأة" وغيرها من المصطلحات المشابهة.

واخترعوا أيضًا "الحب" ولكنهم دجنوه فى "مؤسسة دينية"، أى الزواج، وإلا فهو الطامة الكبرى وانحلال وفسق وفجور، ومشروع مستقبلى لفقد الفتاة أعز ما تملك وتمرمغ شرف عائلتها فى الطين، والدم هو الذى يغسل العار ويمحو الفضيحة الشنعاء لو حدثت.
طبعًا الدم الذى يغسل عار الحب بدون ورقة دينية فى بلادنا فقط، ولكن كل ما سبق فى العالم كله، والعالم كله وبلادنا منه، يحتفلون بعيد الحب حين يأتى، هل يتناسون أو يتجاهلون أن "الحب" من ضمن الخدع والأكاذيب وأدوات التضليل التى اخترعها الإنسان وما زالت تورث وتصدق؟ والدليل أن علاقات الحب، أو ما تسمى هكذا، تفشل بمجرد نزولها على أرض الواقع.
"الحب لا يدوم"، لأنه ليس حقيقة فالحقيقة أو الحقائق تدوم وتبقى وتستمر.
"الحب" لا يصلح إلا ليكون خيالًا جميلًا فى رواية أو قصة أو قصيدة أو فيلم أو لوحة أو قطعة موسيقى أو رقصة رومانسية على ضوء الشموع، غير هذا، فهو متستر وراء الغرائز وأمراض الحضارة الذكورية الطبقية الدينية العسكرية العنصرية.
تريدون "الحب" فلتغيروا إذن هذه الحضارة العالمية المهيمنة علينا جميعًا، من الألف إلى الياء.
********
العمر كله لا يكفى لسداد ديونى 
يؤرقنى كثيرًا أننى سأعيش وأموت دون أن أسدد ديونا كثيرة عديدة، لا تعد ولا تحصى لمئات البشر، نساء ورجالًا، وفى أماكن كثيرة من العالم، هؤلاء هم العلماء والمكتشفون والفلاسفة والأدباء والشعراء من النساء والرجال.
وأيضًا كل منْ زرع نباتًا وورودًا وكل منْ بنى البيوت والمصانع والمستشفيات وكل منْ يبيع الأدوات والطعام والخضروات والفاكهة ويصلح الأجهزة ويطفئ الحرائق وينظف الشوارع ويقود الطائرات والقطارات والسفن والباصات والتاكسيات والمترو، ومنْ ينقى الماء وكل منْ علم درسًا وصحح الامتحانات وكل موظفة أو موظف يصحو مبكرًا كل يوم فى سجل مدنى أو قسم شرطة، وكل قاض ومحام وطبيب نزيه الذمة، ومنْ صنع أغانى وأفلامًا تمتع وتفيد وترفه وتسلى.
لن أستطيع أن أعد كل شىء فى الحياة حولى، أنا الآن أستمتع به ويجعل حياتى مريحة نظيفة آمنة، أنا مدينة ولن أسدد الدين، لمنْ تعب وفكر وعرق واجتهد واخترع وكتب وبنى وزرع وصنع، منذ أزمنة طويلة، شيئًا نافعًا حتى أستفيد بمنفعته منذ ولدت وحتى الآن.
ديون لا أستطيع ردها والإيفاء بها، ولا أستطيع إيصال شكرى وامتنانى لكل واحدة منهم، ولكل واحد منهم، لكن العزاء الجميل أن هؤلاء الناس كانوا وما زالوا يعملون ويكتشفون ويبنون ويزرعون ويكتبون ويخترعون، دون انتظار لأى مقابل أو حتى كلمة شكر، وهذه سمة من سمات النبل الأخلاقى الرفيع لنتذكر دائمًا أننا اليوم نستمتع بظل الشجرة لأن أحدًا ما فى وقت ما زرع البذرة كما قال أحد الفلاسفة.
*****
72 عامًا على رحيل جورج برنارد شو 26 يوليو 1856- 2 نوفمبر 1950
كاتب مسرحى من أيرلندا/ دبلن، جمع بين الإبداع فى الكتابة والإبداع فى الفلسفة والمقالات الصحفية الصادمة والنقد الساخر، يؤمن بالاشتراكية الفابية المؤسسة 1884، وكان أبرز أعضاء الجمعية الفابية/ لندن، وأبرز أعضاء حزب العمال البريطانى الذى أسسته الجمعية 1900.
كتب عددا كبيرا متنوعا من المسرحيات، أشهرها "بيجماليون" التى تحولت إلى فيلم سينمائى أكثر من مرة، وألهمت العديد من الأعمال الدرامية فى العالم كله حتى فى مصر تحولت إلى مسرحية "سيدتى الجميلة".

كان شو غزير الإنتاج، ترك 50 مسرحية، مثل: الإنسان والإنسان الأعلى، بيوت الأرامل، وغيرها، وعندما حدثت مجزرة دنشواى فى مصر فى 13 يونيو 1906 فى قرية دنشواى بالمنوفية، كتب شو ضد الأحكام الصادرة فى حق فلاحى القرية، والمعاملة البشعة التى تلقاها المتهمون الأبرياء دون محاكمة عادلة من أجل ضابط إنجليزي مات من ضربة شمس، واتهم اللورد كرومر ومنْ معه بالتآمر الخسيس لصالح سلطات الاحتلال البريطانى، بل إنه حرض المصريين بعد هذه الواقعة للتمرد على الاحتلال البريطانى لمصر رغم أنه مواطن بريطانى.

فاز شو بجائزة نوبل عام 1925 ورفض استلامها فى أول واقعة من نوعها، وقال حينئذ: 
- جائزة نوبل تشبه طوق النجاة يلقى لسباح وصل إلى الشاطئ.
- أغفر لألفريد نوبل اختراعه الديناميت لكننى لا أغفر له إنشاء جائزة نوبل.
- أكتب لمنْ يقرأنى وليس لأفوز بجائزة. 

من أقواله التى أحبها:
- من الأفضل ألا تأتى عن أن تأتى متأخرًا.
- تعلمت منذ زمن طويل ألا أتصارع مع خنزير أبدًا، لأننى سأتسخ أولًا وسيسعد هو بذلك ثانيًا.
-  أكثر الناس قلقًا فى السجن هو السجان.
- الإنسان العاقل يكيف نفسه مع العالم، الإنسان غير العاقل يكيف العالم مع نفسه، ولهذا فإن كل تقدم فى الحياة يعتمد على الإنسان غير العاقل.
- ليست الفضيلة ألا نرتكب الرذيلة ولكن ألا نشتهيها.
- إذا قتل الإنسان نمرًا يسمونه رياضة، وإذا قتل النمر إنسانًا يسمونه شراسة.
- هو لا يعرف شيئًا ويظن أنه يعرف كل شىء هو إذن يشتغل بالسياسة.
- لست أقاوم أى إغراء لأن الأمور السيئة لا تغرينى.
- المتفائل والمتشائم كلاهما مفيد للمجتمع، الأول اخترع الطائرة والثانى مظلة الإنقاذ.
- الأزياء الفاخرة تدل على ضعف العقول.
- لا تكن كالشمعة تضىء للآخرين وتحرق نفسها.
- لن يعم السلام فى العالم حتى تختفى الوطنية وحب الوطن.
- الوطنية هى أن تشعر بأن بلدك أفضل بلد فى العالم لمجرد أنك ولدت فيه.
- الحيوانات أصدقائى وأنا لا آكل أصدقائى.
****
فصائل الدم 
المعروف أن هناك أربع فصائل للدم، وهى "A B AB O"
لكن هناك أربع فصائل أخرى لم يصفها لنا العلم أو الطب وهى:
- فصيلة دم الاستغلال.
- فصيلة دم الغدر.
- فصيلة دم الخِسة.
- فصيلة دم الانتهازية.
الفصيلة الثالثة وهى الخِسة تعتبر المانح العام للفصائل الأخرى إذا احتاج الشخص نقل دم، لكنها لا تأخذ إلا من فصيلتها وهى فصيلة الخِسة، فالاستغلال والغدر والانتهازية ليست بالضرورة تنطوى على "الخِسة"، الخِسة فى نظرى هى أم الدناءة من رحمها تولد كل الدناءات الأخرى.
*****
تخصص فى الطب اسمه "طب النوم".. من أهم التخصصات، لماذا؟ إذا عرفنا كيف ننام سنعرف كيف نصحو.
هناك ناس لا يعرفون أن "طب النوم" أصبح موجودًا فى الطب، وأعتقد أنه من أهم التخصصات وأكثرها إثارة للاهتمام والدهشة والتشويق، للأسباب الآتية:
يرجع جزء كبير من متاعبنا إلى أننا لا نعرف كيف ننام، والشروط الصحية السوية للنوم، وأخطار النوم الناقص أو الخاطئ أو المتقطع أو غير الطبيعى.
وبالتالى لأن نومنا غير صحى فإن يقظتنا أيضًا وبالضرورة ليست صحية. 
الاستنتاج المنطقى إذن أن حياتنا كلها غير صحية.. إذا عرفنا كيف ننام سنعرف كيف نصحو.
*******
قتلة وأيضًا أغبياء؟
بما أننى متخصصة فى الأفلام البوليسية ودراما جرائم القتل تحديدًا، شرلوك هولمز الشخصية التى أبدعها د. أرثر كونان دويل (22 مايو 1859- 7 يوليو 1930)، ثم شخصية هيركيول بوارو ومس ماربل من إبداع أجاثا كريستى (15 سبتمبر 1890- 12 يناير 1976)، وطبعًا أفلام ألفريد هيتشكوك (13 أغسطس 1899- 29 أبريل 1980)، تقريبًا شاهدت كل أعمالهم، هناك كلمة مشهورة فى عالم الجريمة قديمًا وحديثًا وهى أن "ليس هناك جريمة كاملة".
فالمجرم مهما كان ذكاؤه وتخطيطه المسبق للجريمة ودراسته لأبعاد جريمته وحرصه على ألا يترك وراءه أى دليل يكشفه ويدينه سوف يخطئ فى شىء صغير جدًا أو ينسى تفصيلة دقيقة تقوده إلى السجن أو الإعدام.
فى كل الأعمال التى شاهدتها لم تكن هناك جريمة كاملة فعلًا، وحتى إن مرت سنوات طويلة تصل إلى نصف قرن أو ربع قرن- وهذا حدث فى جرائم حقيقية- ينكشف اللغز وتحل القضية.
وهذا يدهشنى كثيرًا وأقول: ألا يكفى أنكِ قاتلة أو أنك قاتل وكمان غبى؟
لكننى متأكدة أن هناك قضايا على مدى التاريخ كانت فعلاً الجريمة الكاملة ولم تكشف ولم تحل حتى الآن، هى أمر صعب لكنها غير مستحيلة كما يقولون.
الجريمة الكاملة علم وفن ودراسة وذكاء وخيال وحسن تقدير وسرعة بديهة ودقة فى التفاصيل ونظام فى التفكير وبراعة التخطيط، ولذلك هى نادرة. 
******
من بستان قصائدى 
سيأتى يوم  
لن أعتنى بذاتى الفريدة  
لن ألمس أشيائى الحميمة 
سيأتى يوم 
لن أحتضن صور أحبائى 
لن أنتشى مع القصيدة  
سيأتى يوم 
أشتاق إلى رائحة فنجان القهوة 
وتكون عصية المنال 
سيأتى يوم  
أحن إلى دفء الشاى 
ويكون مذاقًا من الخيال 
سيأتى يوم 
أريد لقاء أخى "عاطف" 
فلن أستطيع 
ولو بشكل خاطف 
أود الاطمئنان 
هل توقف عن السجائر 
ولو عبر الهاتف 
سيأتى يوم 
أشتهى السفر بين أمواج البحر
أرتدى شجن الأغنيات 
أغفو بين أحضان أمى 
أخلع حجاب الزمن والذكريات
سيأتى يوم 
لا أميز الحقيقة من أطياف السراب  
لا طعام ولا شراب 
أنام طويلا 
دون إزعاج 
أخيرًا تحت التراب