جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أحمد عباس صالح يتهم إحسان عبدالقدوس بأنه أديب ضعيف

عمر من العواصف.. هذا هو عنوان مذكرات الكاتب أحمد عباس صالح، الذى عمل كاتبًا إذاعيًا، ومديرًا للتحرير فى جريدة «الشعب» عام ١٩٥٣ تحت رئاسة أنور السادات، وبعدها عمل فى «روزاليوسف» قبل تأميمها مع السيدة روزاليوسف، وكان زميلًا لكوكبة من الكُتّاب اللامعين، ومنهم إحسان عبدالقدوس وفتحى غانم وأحمد بهاء الدين، ثم رأس تحرير مجلة «الكاتب» الشهيرة، التى استمرت حتى قام أنور السادات بإغلاقها عام ٧٤، وألف كتابًا شهيرًا- على أيامنا- بعنوان «اليمين واليسار فى الإسلام» كان لصدوره دوى وجلب للمؤلف شهرة عريضة بين شيعة العراق.

والكاتب أحمد عباس صالح يسارى الهوى، وفى منتصف الأربعينيات التحق وكان عضوًا فى منظمة «حدتو» اليسارية الشهيرة، التى أسسها اليهودى الإيطالى الأصل «هنرى كورييل» واستمر عباس صالح عضوًا بها حتى قيام دولة إسرائيل عام ٤٨، وتبنت المنظمة وجهة نظر كورييل من تأييد قيام إسرائيل، وانسحب وإن ظل يسارى الهوى اشتراكى الرؤية.

المذكرات الجميلة أقرأها للمرة الثانية لعدة أسباب، أولها أنها مكتوبة بلغة جميلة، كيف لا، وصاحبها كاتب راسخ القدم، ثانيًا لأن صاحبها احتل مواقع أدبية وصحفية مهمة عبر سنوات مضطربة سياسيًا واجتماعيًا، فقد عمل فى الصحافة إبان العصر الملكى، وشهد ثورة ٢٣ يوليو، وشهد تأرجح مسيرتها بين المضى فى طريق الديمقراطية، أو ضربها الديمقراطية والحريات العامة، وشهد أزمة مارس ٥٤، التى انتهت بالمظاهرات المدبرة التى تطالب بسقوط الديمقراطية، كما يعلم من اطلع على تاريخ مصر الحديث المتلاطم المضطرب، ثم التمصير والتحول الاشتراكى ثم هزيمة يونيو، ثم عصر السادات وتحولاته من اليسار إلى اليمين.

المذكرات مهمة وجميلة، وسأتوقف عند بضعة مواقف انتبهت لها، منها موقف كاشف وقع بين أحمد عباس صالح الكاتب والناقد وبين إحسان عبدالقدوس الروائى الذائع الصيت- وهو فى الوقت نفسه صاحب الدار- والدار ما زالت مملوكة لصاحبتها السيدة فاطمة اليوسف، التى يعمل بها أحمد عباس صالح كاتبًا وناقدًا وأديبًا.

فى بداية الخمسينيات قرر مجلس قيادة الثورة إنشاء جريدة لتصبح صوتًا للمجلس وتدافع عنه، وكان الترخيص باسم جمال عبدالناصر شخصيًا، ورأس تحريرها أنور السادات، وعمل عباس صالح صحفيًا بها مع الخميسى ولفيف من نجوم الكتابة آنذاك، ولا أتذكر بالضبط سبب فصل أحمد عباس صالح من الجريدة، وأغلب الظن أنه فصل مع خالد محيى الدين إبان أزمة مارس عام ٥٤، وخرج عباس من جريدة «الشعب» ليلتحق بالعمل فى مجلة «روزاليوسف».

ولا يخفى صاحب المذكرات شديد إعجابه بـروزاليوسف، بشخصيتها وبأنوثتها وذكائها وحسن إدارتها المجلة، المهم أن إحسان فى ذلك الوقت كان يكتب القصص والروايات. وذات ليلة كان عباس صالح قد تأخر إلى ساعة متأخرة من ساعات الليل يعمل بالمجلة، وعندما خرج فوجئ بأن إحسان يخرج من غرفته مرهقًا ومحبطًا وقد علاه الضيق، سأله عباس عن سبب ضيقه وعن سبب تأخره، أجاب إحسان بأنه كان مستغرقًا فى كتابة عمل روائى جديد، ولماذا أنت محبط وحزين؟، رد إحسان: أنا أتعب وأكتب وأسهر الليالى ولا أحد يكتب عنى.

ويسجل عباس صالح المرارة التى كان يشعر بها إحسان بسبب تجاهل النقاد لما يكتب، «محدش بيكتب عنى.. مين بيكتب عنى!» فحاول عباس أن يخفف عنه وأن يطيب خاطره فقال له «أنت قراؤك كثر ورواياتك تنفد وتتحول إلى أعمال سينمائية.. وهذه شهادة عظيمة وأمل أى كاتب»، إلا أن إحسان استمر فى الشكوى المريرة، أن لا أحد يكتب عنه، ثم انفجر إحسان قائلًا:

«أنت كتبت عن يوسف إدريس وعن نجيب محفوظ وعن طه حسين وغيرهم ولم تكتب حرفًا واحدًا عنى».

شعر عباس صالح بالحرج الشديد فقال:

- ليس من المعقول أن أعمل فى مجلتك وأكتب عنك.. سوف اُتهم بأننى مجامل.

هكذا قال عباس محاولًا التهرب إلا أن إحسان قال له:

- لا اكتب ومالكش دعوة.. اكتب ولا تتحرج.

أُسقط فى يد عباس، ويعترف بأن أعمال إحسان كان يراها محدودة القيمة ولا تعجبه، وسوف أتوقف عنها فيما بعد، المهم أن أحمد عباس صالح، عصر- كما يقول- على نفسه ليمونة، وكتب مقالًا نقديًا تناول فيه عملًا من أعمال إحسان الروائية، وإحسان غزير الإنتاج، يعترف أحمد عباس صالح أنه حاول أن يكون مجاملًا قدر طاقته، لكنه لم يستطع إلا أن يقول رأيه الحقيقى، ونشر المقال، ولم يعجب المقال إحسان، واستقبله بضيق، وتسبب هذا المقال فى انقلاب إحسان عليه، وكان المقال سببًا فى مضايقات إحسان له، ووجد عباس نفسه بسبب تلك المضايقات المتلاحقة مضطرًا أن يترك العمل فى «روزاليوسف»، فلم يغفر له إحسان- بكل بشاشته ورقته- أن يكتب عباس صالح رأيه الحقيقى فى إبداعه الروائى الذى أجمع النقاد على هشاشته وضعفه، فالحقيقة- كما يقولون- مُرة.

 

وائل لطفي يرد على أحمد عباس صالح: كفى افتراءً على إحسان عبدالقدوس