جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عن النقد السينمائى.. ومجلة الفيلم

كانت مجلة الفن السابع واحدة من أهم التجارب الجادة فى تاريخ المجلات السينمائية فى مصر والوطن العربى، أنفق عليها الفنان محمود حميدة ونجح الراحل محمود الكردوسى وأسامة عبدالفتاح فى عمل «خلطة» متوازنة، جمعت كل ما يريده القارئ المهتم بالسينما بشكل عام، وجذبت أقلامًا يتمتع أصحابها بالنزاهة والموهبة، توقفت المجلة بعد ٤٤ عددًا لأسباب اقتصادية، كما حدث مع كل المجلات التى صدرت من قبل، بدءًا من مجلة «الصور المتحركة» التى أصدرها محمد توفيق فى عام ١٩٢٣، كأول مجلة سينمائية متخصصة، مرورًا بمجلة «كواكب السينما» و«العروسة» والفن السينمائى، و«نشرة أوليمبيا السينماتوغرافية»، ونشرة «مينا فيلم» وغيرها من المجلات القديمة، وأخيرًا مجلة «الكواكب» التى صدرت سنة ١٩٣٢، وتوقفت مؤخرًا كإصدار ورقى، وبالطبع لا يمكن نسيان تجربة الناقد الكبير سمير فريد فى مجلة «السينما والفنون» التى صدرت سنة ١٩٧٧، وصدر منها ٣٥ عددًا، وغيرها من التجارب، وبالطبع تظهر تجارب بين الحين والآخر تحاول سد الفراغ مثل «سينما أون لاين» و«جود نيوز» وغيرهما، ولم تنجح أو تتوقف.

وأعتقد أن الظروف الاقتصادية ليست وحدها السبب فى غياب المجلات السينمائية، ففكرة الناقد السينمائى أصبحت غير مقنعة لعاشق السينما الحقيقى، بعد تحول الزملاء الصحفيين إلى نقاد، وبالتالى ضيوف على الفضائيات، والحديث عن فيلم بعينه أو نجم أو نجمة، وتكون المحصلة النهائية الترويج لبضاعة منتج الفيلم، أو لمهرجان يبحث عن حضور إعلامى، أو لنجوم ترفع الحفاوة الإعلامية أجورهم، وتسبب هؤلاء أيضًا فى عزلة القارئ عمّا يحدث فى العالم، وتوقف الاهتمام الخارجى فقط- إذا حدث- على السينما الأمريكية.. الناقد السينمائى فى الأساس مثقف كبير، يسعى من خلال متابعته الأفلام إلى قراءة الواقع الاجتماعى والسياسى والثقافى للعمل، ويقدم رؤية جمالية ربما لم تكن ضمن تصورات صناع الفيلم، هو ضمير الصناعة إذا كان صاحب ضمير. 

مصر بلد عريق فى فن السينما، وفى حاجة إلى مجلات معنية بإشاعة الثقافة السينمائية، وتوجد الآن تجربة فريدة فى هذا السياق، هى تجربة مجلة «الفيلم»، والتى تصدر عن جزويت القاهرة بقيادة الأب وليم سيدهم، ويرأس تحريرها الرائع سامح سامى، خلفًا للروائى فتحى إمبابى، الذى كان مسئولًا عنها فى بدايتها، تصدر بالأبيض والأسود فى طباعة متقشفة، ولكنها جميلة، وسعت إلى أن تكون مجلة جادة، «تعنى بالثقافة السينمائية وفن الصورة، والسينما العالمية وآفاق تطورها، وتهتم بالتعرف على التجارب الرائدة لسينما الحضارات الإنسانية المختلفة، وتجارب سينما الشعوب، تلك التى تسعى للخروج من هيمنة هوليوود، كما تعتنى بالسينما المصرية وأسباب تخلفها، والعلاقة الوثيقة بين السينما المصرية والتنمية الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتأثرها بالفنون الأخرى»، قدمت المجلة على مدار ٢٦ عددًا ملفات مهمة، من بينها: السينما المستقلة، السينما الإيرانية، الأفيش السينمائى، الفوتوغرافيا، السينما والثورة، يوسف شاهين، سمير فريد، وأجمل ما فى الموضوع أن المشاركين معظمهم من الشباب، مما يصبغ الموضوعات والملفات ببراءة ناصعة، لأنه لا توجد حسابات، المجلة حسب علمى لها جمهور خاص ونوعى، جمهور يبحث عن شىء جاد ومفيد بعيدًا عن المناخ الشعبوى المنتشر فى الصحف والفضائيات. 

وفى العدد الأخير، الذى صدر مؤخرًا، وتناول «السيناريو.. فى أثر ما تعجز الكلمات عن وصفه»، رئيس التحرير يرى أن غياب الفكرة فى السينما المصرية هو سبب تدهورها، هو غير متفائل، رغم أنه يقدم مجلة تدعو للتفاؤل، وبعيدًا عن مناقشة كلامه أو محتويات العدد المتنوعة، نعرف أن أزمات السينما قديمة، ومع هذا تظهر بين الحين والآخر أفلام جيدة، توجد قاعدة قوية للصناعة، ومع هذا توجد عراقيل، بعضها بيروقراطى متمثل فى الرقابة والتصاريح وما إلى ذلك، وبعضها بسبب سطوة الخيال السلفى على الشارع، وبعضها إحساس السينمائيين بأنهم هم أقدر الناس على الكلام عن الفن السابع، وبعضها بسبب عزوف الناس عن الذهاب إلى السينما كما كان يحدث فى الماضى، بالطبع جرحت سينما المقاولات هيبة الفن السحرى فى فترة ما، ثم مرحلة الإرهاب الكئيبة التى أغلقت دور العرض، ثم الرضوخ لمواصفات الرقيب الخليجى، وعندى ثقة كبيرة فى السينما المصرية وصناعها، وأعتقد أنها قادرة على النهوض مرة أخرى لوفرة المواهب من كل الأجيال، واستمرار مجلة مثل مجلة الفيلم وبهذه الروح.. يبعث الأمل.