جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مصر بين 3 يوليو و6 أكتوبر.. نصر وبناء

في مثل هذه الأيام من كل عام  نتذكر ذكرى يوم النصر العظيم الذي سطره "خير جند الله" على عدو غاشم اعتقد أن لا جيش يهز عرشه ولا قوة تدك بابه ولا سيف يقصم ظهره، فتطاول في حرب استنزاف خسر من خلالها الشعب المصري خيرة أبنائه، وتبددت من خلال تلك الحرب ثروات كثيرة ناهيك عن الوضع غير المستقر الذي كان يواكب تلك الفترة والتي امتدت منذ نكسة يونيو عام ١٩٦٧ ولغاية ٦ أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣حيث سطر الجيش العربي المصري ملحمة النصر التي كانت من أكبر ملاحم استرجاع الأرض وفرض السلام بالمنطقة ومغادرة حالة  الحرب الاستنزافية التي أثرت بشكل كبير على الشعب المصري في كافة المجالات.
لقد كانت حرب ٦ أكتوبر رد اعتبار للعسكرية العربية وكانت الحقيقة الناصعة التي جعلت من العرب قادرين على استرجاع  حقوقهم أولًا، ومن ثم خلقت الروح المعنوية العالية والثقة في الجيش العربي وإمكانيات القيادة العربية في صنع النصر واسترجاع الحقوق المستلبة.
ولا شك أن ثورة  يوليو ٢٠١٣ كانت من  ذات المضمون التي حولت مصر من حالة اليأس والتخريب إلى حالة الاستقرار والبناء حتى  وإن اختلفت وسائلها إلا أنها كانت حقًا الثورة التي أخرجت  مصر من كابوس كاد أن يهلك الزرع والحرث، وكاد أن يذهب بمصر العربية إلى دهاليز الظلام مع فئة أرادت أن تحول الثقافة إلى ظلام والفن إلى مأتم والحياة إلى جحيم وفق استراتيجية متقلبة  معتمدة على أيديولوجية عابرة للحدود ومهدمة  لكل ما تحمله مصر العربية من أواصر المحبة والألفة والطمأنينة في نسيج  مجتمعي متكامل لا تشوبه شائبة ووفق نظام متكامل رصين، أكيد لن ترضى تلك الفئة باستغلالية مصر وعلو مكانتها، فأرادت أن تحولها إلى ضيعة متهالكة بين فتن طائفية وعرقية تهدد كل بناء وتدمر كل ما حصلت عليه مصر من مكاسب بعد ٦ أكتوبر المجيدة.
فكانت ثورة يوليو ٢٠١٣ هي من  وضعت  اللجام في فم تلك الفئة ومن ثم إزالتها وإزالة آثارها من واقع مصر.
بروح  الوطنية وحب الوطن ثار الشارع المصري على تلك الثلة الظلامية ليجد أبناء الشعب من يناصرهم ويأخذ بيدهم متحديًا كل ما قد يترتب عليه من ردود الأفعال الإقليمية والعالمية فكان لمصر مرادها وتحررت مصر بنصر لم يسبق له مثيل، ولو ربطنا بين حرب ٦ أكتوبر والخلاص من تلك الثلة لوجدنا أوجه  التشابه قائمة من حيث اعتقاد تلك الثلة البقاء في الحكم على أساس اختفائهم وراء الشرعية التي نزعها  الشعب المصري في ساحة التحرير، وعبر نحو البناء والحرية كما فعل أبناء مصر عندما عبروا خط بارليف لتنتهي حقبة دموية كانت مرسومة من قبل أعداء مصر وأرادوا لها الاستمرار، لذا فإن العبور في ١٩٧٣ كان من أجل مصر والعبور من شرعية وهمية بعد ٤٠ عامًا كان ظفرًا لمصر قاده  الجيش، كما قاد العبور في حرب أكتوبر ليقرر الجيش المصري تحرير  مصر من تلك الثلة  بقيادة بطل تلك الثورة الرئيس عبدالفتاح السيسي لينهي حقبة  سوداء اختطفت مصر في غفلة من  الزمن كاد يضيع  فيها  كل جمال تمتلكه مصر، ولكن الفارس كان يحمل في ضميره مكتسبات أكتوبر وتاريخ مصر وعنفوان جيشها الأبي وشعبها العظيم، فكان الرئيس السيسي هو منقذها  وقائدها لكي تعبر مصر فترة مظلمة من  تاريخها الحديث. 
كم هو الشبه كبير بين انتصار أكتوبر على أعداء مصر وبين انتصار ثورة يوليو على أعدائها من الداخل، فأزيلت تلك الثلة من جسد مصر ليتعافى ولترجع مصر حرة عربية كريمة. ولم يبق منهم إلا من لا تسمعه القافلة وهي تشق طريقها نحو البناء والمجد بكافة مفاصل الحياة، ولا نقول إلا كما يقوله المصريون بكلمة واحدة: "تحيا مصر".