جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أزمة بحر إيجة.. كيف يمكن تفسير موقف تركيا واليونان من التصعيد؟

بحر إيجه
بحر إيجه

بعد تقارب نسبي في مارس، تصاعد التوتر الأشهر الأخيرة بين أنقرة وأثينا، العضوان في حلف شمال الأطلسي. على مدى عقود طويلة من العلاقات المضطربة بين تركيا واليونان، كانت الخلافات بشأن مجموعة من القضايا - من تسليح جزر بحر إيجة، إلى المجال الجوي، والحدود البحرية، والمسألة القبرصية، وغيرها- مصدر توتر دائم، ومؤخرا ازداد التوتر مرة أخرى.

فيما أعلن نيكوس دندياس، وزير خارجية اليونان، الأحد الماضي، أن بلاده تريد إجراء حوار بناء مع تركيا على أساس القانون الدولي، لكن يتعين على جارتها في بحر إيجة وقف تصعيدها غير المسبوق للاستفزازات، على حد تعبيره.

تصعيد جديد

في أول سبتمبر الماضي، اتّهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليونان بـ"احتلال" جزر في بحر إيجة كانت قد استعادتها اليونان بعد سقوط الدولة العثمانية لكن لا يمكن للجنود اليونانيين التمركز فيها. وحذر من أن الجيش التركي قد "يصل بين ليلة وضحاها" و"يفعل ما هو ضروري" لفرض احترام هذا الوضع. وكان أردوغان يرد على حادثة إغلاق أثينا قبل أيام أنظمة استهداف الرادار على المقاتلات التركية بينما كانت تقوم بجولة فوق بحري إيجة وشرق المتوسط.

تزعم تركيا أن اليونان تخرق الاتفاقات الدولية من خلال الإبقاء على وجود عسكري في الجزر القريبة من الساحل التركي على بحر إيجة. بينما ترى اليونان أنها بحاجة للدفاع عن جزرها الشرقية – ومنها النقاط السياحية الساخنة رودس وكوس والتي أقرب جغرافياً للساحل التركي منها إلى اليونان.

ونددت أنقرة بانتشار آليات مدرّعة في جزيرة ساموس الأقرب إلى تركيا والواقعة على مسافة 1.3 كلم من سواحلها وجزيرة ليسبوس التي تبعد 15 كلم عن السواحل التركية.

في المقابل، أكّد رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس أن بلاده "مستعدة لمواجهة" أي تهديد لسيادتها. فيما أكدت الولايات المتحدة، أن سيادة اليونان على جزيرتين في بحر إيجة ليست "موضع شكّ"، مما أثار حفيظة تركيا.

من جهتها، رفضت أثينا "اعتراضات أنقرة"، مؤكدة أنه "لا أساس لها من الصحة وتتعارض مع القانون الدولي. وأضاف مصدردبلوماسي: "اليونان ليست الدولة التي تهدد جارتها بالحرب ولم تجمع أكبر أسطول على شواطئها كما فعلت تركيا"، متهماً "أنقرة بمواصلة انتهاك سيادة اليونان مع انتهاكاتها المستمرة للأجواء وتحليقها فوق الأراضي اليونانية".

التحركات اليونانية

صعّدت أثينا في السنوات الأخيرة من عملية تسليح الجزر القريبة من تركيا بذريعة الدفاع عن النفس، وحوّلتها إلى مخازن أسلحة، كما نشرت عشرات الآلاف من الجنود في بعض الجزر كرودس وليسبوس، وبنت مطارات عسكرية في جزر ليمنوس ورودوس وكوس. 

كما منحت اليونان للجيش الأمريكي وصولاً مفتوحًا إلى القواعد الرئيسية في تحديث لاتفاقية التعاون الدفاعي المشترك بينهما في أكتوبر 2021. 

وكان الرئيس التركي أردوغان قد قطع  جميع المحادثات الثنائية مع اليونان في مايو الماضي بعد أن حث رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس الولايات المتحدة مشرعين على منع مبيعات الأسلحة لتركيا.

بالنظر إلى العلاقات العسكرية القوية التي أقامتها أثينا مع بعض الدول الغربية في السنوات الأخيرة، فإن الحماية الغربية التي تحظى بها، تجعلها أكثر جرأة في تحركاتها أمام تركيا.

الدافع الذي يحرك اليونان هو شعورها بضرورة التحرك أمام التدخل التركي والنفوذ المتزايد في السياسات الإقليمية والغربية، حيث استطاعت تركيا في العامين الأخيرين إصلاح علاقاتها مع عدد من القوى الإقليمية الفاعلة، وازداد الأمر بعد الحرب الروسية الأوكرانية، سعت الدول الغربية إلى تهدئة خلافاتها مع تركيا بسبب تزايد تأثيرها في الصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب، وهو الوضع الذي سبب قلقاً لليونانيين.

 كما تجد اليونان نفسها في معضلة بسبب صراع الطاقة شرقي البحر المتوسط، مع زيادة الرغبة الإقليمية والغربية بضم تركيا إلى مشاريع نقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، كما تبحث أنقرة وتل أبيب سبل القيام بمشاريع تعاون في مجال الطاقة بعد إصلاح علاقاتهما.

الموقف التركي

تركيا لديها دوافع مختلفة حيال اليونان، فالمحرك الأساسي هو أيدولوجي وجيوسياسي، يتعلق بإعادة كتابة التاريخ ومحو الذكريات السيئة من عشرينيات القرن الماضي عندما تم تطهير اليونان عرقياً من تركيا. حيث غزت تركيا في وقت لاحق قبرص وقامت أيضًا بتطهير السكان اليونانيين عرقياً.

من ناحية أخرى، فإن مضايقة تركيا للسفن اليونانية  يمكن اعتبارها محاولة من أنقرة المطالبة بمساحة من شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تدرك أنقرة أنه مع استمرار حرب أوكرانيا ، فإن أوروبا بحاجة ماسة إلى الغاز الطبيعي وواردات الطاقة.

ولايمكن تجاهل الأسباب الداخلية التي تتعلق بالوضع الاقتصادي الصعب في تركيا، حيث تجاوز معدل التضخم 80 في المائة ، وفقدت الليرة التركية أكثر من 80 في المائة من قيمتها على مدى السنوات الخمس الماضية، مع اقتراب موعد الانتخابات التركية.