جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مؤتمر المناخ.. التحدى والفرصة

بدء العد التنازلى لتحد كبير تخوضه مصر.. خمسة وثلاثون يومًا تفصلنا عن مؤتمر «cop 27»، وهو اختصار لاسم رسمى طويل هو «الدورة الـ٢٧ لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ».. باختصار شديد ستكون لدينا مناسبة المدعوون فيها هم العالم كله ١٩٨ دولة ستحضر هذا المؤتمر بوفودها ورؤسائها وكبار مسئوليها.. بعض التقديرات يشير إلى أن ١٣٠ رئيس دولة ورئيس حكومة قد يحضرون هذا الحدث الدولى الذى تنظمه مصر التى تتسلم رئاسة القمة من دولة صناعية كبرى هى بريطانيا.. دون شعارات كبيرة، فإن مصر تتزعم دول العالم فى مطالبة الدول الصناعية الكبرى بتحمل مسئوليتها الأخلاقية تجاه التغيرات المناخية.. كما نعرف جميعًا فإن التغيرات هى نتيجة للانبعاثات الحرارية الناتجة عن التصنيع غير الصديق للبيئة.. للأسف فإن أكبر عشرين دولة صناعية فى العالم تتسبب فى ٨٠٪ من هذه الانبعاثات، وبالتالى تتحمل مسئولية الأضرار التى تلحق بالعالم نتيجة التغيرات المناخية.. المأساة أن الدول التى لم تتسبب فى الانبعاثات تتحمل النتائج الأسوأ للتغيرات المناخية.. الجفاف وارتفاع درجات الحرارة ونحر الشواطئ وذوبان الثلوج.. كلها أثمان يدفعها العالم لما تسببت فيه الدول الكبرى.. إزاء هذه المسئولية الواضحة كان أقل ما يمكن أن تفعله الدول الكبرى أن تتعهد بتدبير الأموال اللازمة لمواجهة الانبعاثات.. والمبلغ الذى أعلن فى قمة لندن العام الماضى كان مائة مليار دولار.. ومن الواضح أن ثمة تباطؤًا فى تسديد هذه الالتزامات، وهو ما دعا الرئيس السيسى للتعليق حول هذا الموضوع منذ أيام باعتبار مصر هى رئيس قمة المناخ القادمة.. ودعا مصر أيضًا إلى التواصل مع الدول الجزرية الصغيرة أو التى تتكون من جزر فى المحيطات للتباحث معها باعتبارها من أكثر الدول المضارة من التغيرات المناخية.. بالنسبة لتحديات التنظيم والإجراءات فقد أثبتت مصر قدرتها على تنظيم مؤتمرات دولية كثيرة بكفاءة واحترافية طوال السنوات الماضية.. لكن أحد التحديات هو ارتفاع درجة التوتر السياسى فى العالم، وانشغال الدول الكبرى بتداعيات الأزمة الأوكرانية وارتفاع درجة حرارة المواجهات بين المعسكرات المختلفة.. أصبح الأمر أقرب لمشهد فى فيلم عربى قديم يتصارع فيه البطلان على شريط سكة حديد بينما القطار قادم من بعيد ليشكل خطرًا عليهما معًا.. التغيرات المناخية خطر يهدد العالم كله حتى وإن بدا بعيدًا بعض الشىء.. ولكن دول العالم مشغولة عن مواجهة الخطر بالصراع فيما بينها.. من تداعيات الأزمة أيضًا حالة التضخم والركود التى قد تدفع الدول الكبرى للتباطؤ فى تسديد ما تعهدت به، وهو ما يضاعف من الضرر على الدول الأكثر فقرًا ومن خطر الانبعاثات على الجميع أيضًا.. كما تزعمت مصر من قبل حركات مثل عدم الانحياز والتحرر الوطنى تتزعم الآن حركة مواجهة التغيرات المناخية والمسئولين عنها أيضًا.. مصر هى مصر ولكن كل وقت وله أذان كما يقول المثل السائر.. إلى جانب تحديات التنظيم والمواجهة الدبلوماسية مع الدول الكبرى والتعبير عن صوت الدول الأكثر تضررًا.. وإلى جانب التحدى الذى يمثله الظرف السياسى العالمى، هناك أيضًا المكاسب الكبيرة من تنظيم مصر المؤتمر، وأولها الترويج السياحى لمصر وتردد اسم شرم الشيخ فى كل نشرات الأخبار فى العالم لأيام متواصلة، وما يفتحه المؤتمر من أبواب لشراكات اقتصادية وسياسية بين مصر والعالم على المستوى الحكومى والمستوى الخاص أيضًا.. من مكاسب المؤتمر أن صوت مصر يصبح مسموعًا بدقة أكبر فيما يخص قضايا الأمن المائى ومياه النيل وكل ما يخص هذا الملف.. هناك أيضًا تسويق مصر سياسيًا كدولة نموذج قادرة على التنظيم والتفاعل مع العالم مع الاحتفاظ بصوتها الخاص ورؤيتها الوطنية للأمور.. فى ظنى أن المؤتمر سيدشن مصر كدولة زعيمة للعالم الثالث والدول المضارة من ممارسات الدول الكبرى.. وفى نفس الوقت فإن كل الجهود التحويلية التى تقوم بها مصر لبناء اقتصاد أخضر ومقاومة الانبعاثات من شأنها أن تحظى بالتمويل العالمى اللازم، وفق الاتفاقات، ووفق استراتيجية مصر حتى عام ٢٠٥٠.. هناك أيضًا الترويج الثقافى والحضارى لمصر من خلال الأنشطة المصاحبة فى شرم الشيخ ومعارض الحرف اليدوية والتراثية والمتاحف، وغيرها من الأنشطة المصاحبة للمؤتمر.. حيث يبقى الكثيرون بعد انتهاء الحدث لمشاهدة البلد وزيارة معالمه اغتنامًا للفرصة.. نحن إزاء حدث عالمى وفرصة كبيرة تستحقها مصر لتقدم نفسها للعالم بعد ثمانى سنوات أنجزت فيها الكثير جدًا وأعادت بناء نفسها من جديد.. نحن أمام تحد سنحوله إلى انتصار.. وأمام اختيار ليس أمامنا سوى أن ننجح فيه.. وأمام سلمة جديدة يجب أن نصعدها بثقة ونقترب بها إلى المكانة اللائقة التى تستحقها مصر.. وسنفعل بإذن الله.