جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

موقف العالم فى أجواء الحرب

في أجواء الحرب، لا يتعامل العالم المحيط بالطرفين المتحاربين تعاملًا ينشد السلام، ويحاول إقراره وتعزيزه (أعني العالم المسيطر ففاقد السيطرة لا قيمة له) إنما يتعامل وفقًا لمصالحه، مصالحه المحضة ولو كانت مبنية على أطلال الآخرين، هكذا يتطلع قادة العواصم المهيمنة إلى المنطقة التي تطير في أجوائها قاذفات الصواريخ؛ فيقومون بإجراء حساباتهم الدقيقة بناء على ما يجري، وعندما ينتهون يكونون حددوا رؤاهم، وغالبًا ما تكون دعمًا للنزاع؛ ففي دعمه، بصورة خفية ماكرة، ما يحقق لهؤلاء المتسلطين مكاسب اقتصادية هائلة، مكاسب عجلتها الحرب، وما يضع بلادًا كثيرة تحت ضغوط شتى، وربما سمحت هذه الضغوط، مستقبلًا، بتحولات اجتماعية مطلوبة، قد يكون من العسير إنفاذها في الظروف الطبيعية!
ليس معنى هذا أن العالم يخلو من نداءات عاقلة ونزعات إنسانية تشفق على جموع المدنيين، بالأخص، من ويلات الحرب، ولكن الغالب هو الإحساس البشري العام بالتآمر اللئيم واستغلال الجذوة المشتعلة إلى أقصاها، لا المسارعة إلى إطفاء النيران.. فالأعناق تشرئب إلى الدول العظمى لتراقب موقفها؛ فتجد ما يضاعف المخاوف، وقلما تجد طمأنينة ما..
تعرف الإمبراطوريات، وكيانات المتون، كيف تستفيد من حرب دقت طبولها بأي مكان، وكيف تحمي أنفسها من التبعات الثقيلة المكلفة لنزال رهيب بين فئتين، وأما الدول التابعة لهذه الإمبراطوريات، وكيانات الهوامش بالمثل، فلا تعرف الاستفادة ولا الحماية؛ ليس لأنها عدوة النفعية ولا عديمة الرغبة في تحصين مواقعها، ولكن لأن أجنحتها مقصوصة وهممها قاصرة، وعلى هذا تظل في الحيرة والتخبط، بانتظار عواقب القتال!
الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا، في الفترة الأخيرة، مثال واضح على كلامي الآن.. ولا أظنني بحاجة إلى عرض دواعي حربهما، فقد باتت معروفة للجميع، بل ليست دواعيها موضوعي أصلًا ولو مهمًا، فالموضوع كشف وجه الزمرة العالمية المتحكمة في غيرها مع انطلاق رصاصات الحرب، واستكناه خطرها اليقيني كجماعة محرضة على الدمار والخراب، وإن بدت، بذكائها الفائق الشرير، ذات وجه لطيف، يظهر فيه أثر لغصن الزيتون الأخضر الذي يقبضه منقار الحمامة البيضاء بوداعة..
الحرب تفيد الأغنياء وتضر بالفقراء، ولو كان الفقراء يحقدون على الأغنياء لشعورهم الفادح بتميزهم عنهم، كما يقال كثيرًا بعلم وبغير علم، فإن الأغنياء لا يبالون بإخوتهم الفقراء بأمداء الدهور، وتلك حقيقة مؤكدة مؤسفة، بل إن معنى الأخوة مقتول بالأساس، في دائرة الحرب وقبلها وبعدها..
في البدء كان الحب، ولم تكن "الراء" الخبيثة نبتت في منتصف الكلمة لتحول اللفظ الحميم إلى المفهوم النقيض.. وكانت الشجرة التي يأكل من ثمرها الناس كلهم أجمعون، والنهر الذي يرتوي من مائه الناس كلهم أجمعون، ومن العجائب أن يتقدم العالم فتتأخر نوايا اتحاده وتعاونه، وأن يبلغ القمة في الأشياء فينحدر انحدارًا أخلاقيًا مهينًا.. لذا أردت تحذيره من بزوغ الفناء!

[email protected]