جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

موسم صيد الانبعاثات

تختلف خريطة العمل التنموى من وقت لآخر اعتمادًا على عدة ركائز وعوامل قابلة للتغيير من وقت لآخر على المستوى الدولى والمحلى، بالإضافة لرؤى الشركاء المعنيين بهذا العمل وأجندتهم التى تسعى منذ فترة من الوقت المعاصر على تحقيق خارطة التنمية المستدامة لرفع الكثير من التحديات عن كاهل البشرية، وأهم ما قد يميزها أنها قابلة لإضافة تحد قد تواجهه البشرية بشكل مفاجئ زمنيًا. أو تعانيه مجموعة بعينها جغرافيًا.

 وإن نظرنا قليلًا للشأن التنموى الداخلى فسنجد أننا لسنا بمنأى عن العالم بل إننا أكثر من ساير واهتم بتحقيق تلك الخارطة باجتهاد ضخم فى كافة الأهداف وبمشاريع ضخمة اقتصاديًا، واجتماعيًا وتوعويًا حيث إن القطاع الحكومى برؤيته وخططه وسياسته المطلعة قد أضاف خريطة موازية تسد أهم احتياجتنا، وتسعى بنا تنمويًا لتحسين أكثر الأوضاع صعوبة داخليًا.

 والأبلغ أن الرؤية المصرية استطاعت بجدارة كسب تأييد جميع الشركاء وأصحاب المصلحة للعمل معها فى كل ملف يعنيها، ويعنى احتياج مواطنيها التنموى وما يتبعه من احتياج توعوى يُؤسس المواطن ذات الجودة المتناغمة مع احتياجات العصر ويحافظ على استدامة كل الخدمات، ونستطيع أن نجزم أن الرؤية السياسية المصرية كانت لها اليد العليا فى تغيير مسار الكثير من الملفات على الصعيد التنموى الفترة الراهنة فما بين استحقاقات ملف المرأة، وذوي الهمم، وحقوق الإنسان، والارتقاء بحياة المنتقلين من العشوائيات وغيرها الكثير من القضايا والملفات التى بكل صدق ما حدث بها بين عام وآخر من تأثير ما كان ليحدث فى سنوات وسنوات بجهد وموارد أضخم من الآن.
 

وهذا النجاح بدوره حمس كل المؤسسات والأفراد لتبني كافة الملفات التنموية حتى وإن لم تكن على خارطتها لنيل شرف المشاركة والتأثير بدورها، وعلى قدر ما يحققه هذا الحماس بالفعل من إنجاز ومساهمة قوية فى حلقة محكمة من العمل، على قدر ما قد يخلق تخوفات قوية فى ملفات بعينها، وهذا ما نستشعر به فى الفترة الحالية.


فجميعنا على علم بأولوية وضخامة ملف تغيير المناخ على المستوى العالمى، وبالطبع الوطنى بما له من رؤى ومبادرات ذات ثقل كبير إضافة لاستضافة مؤتمر التنوع البيولوجى وتحركات واسعة لمواجهة تداعيات تغير المناخ، كما أننا على مشارف دور ريادى مستحق فى هذا الصدد باستضافة قمة المناخ بشرم الشيخ والذى يُستشرق لها بأن تكون لها بصمة كبيرة فى تحديد مصير الإنسانية خلال السنوات القادمة، وبالتوازى مع تلك الخطوات الضخمة للأهداف والخريطة المصرية فيما يتعلق بمجابهة قضايا المناخ، وبتلك الاستحقاقات الكبيرة سنجد اهتماما ضخمًا مؤسسيًا وفرديًا لجميع الشركاء التنمويين فى العمل التوعوى بملف التغيير المناخى والتأثير فيه وهذا بالطبع شىء نحتاجه بشكل ملح هذه الفترة ولاعجب فى ذلك الأمر.


ولكن بتدقيق بسيط سنجد أن البعض يسير على طريق ذات جودة علمية ودراسة وخطوات محسوبة وملاءمة لطبيعة الشخصية المصرية وطبيعة سلوكها مع الطبيعة وعلى قدر علمها، وإحاطتها بتأثيرات السلوك واستشعارها التغييرالمحيط بنا، وهناك من يستهلك وقتًا وموارد وجهدًا قد يضر أكثر ما يفيد حيث إنه ينتهج طرقًا أبعد ما يكون عن هوية مواطنينا، مع مداخل غير مناسبة للفردية، وقد نجد البعض يستعين بكوادر تنموية عظيمة ومؤثرة ولكنهم لم يجتمعوا يومًا بهذا الملف فى أى طريق أو منعطف وقد يضرهم ذلك فى قضاياهم الرئيسية، وربما الأسوأ يتمثل فى مبادرات وبرامج تحمل أسماء مشتقة من هذا الملف ولكنها فى شقاق داخلى تمامًا عنه.


ولنكون صادقين تمامًا مع أنفسنا هذا الملف لا يحتمل الخطأ، ولا المجاملة، أو العمل بكوادر تنموية تحت التجربة، فعلى الرغم من حساسية كل قضية تنموية وأهمية الوقت فى التأثير فيها إلا أننا نكون على علم من البداية أننا قد نحتاج لسنوات وسنوات لنستشعر الطفيف فيها، وقد نحتاج نتحرك ببطء لعقود لننال رشفة التغيير فى أجيال لم تولد بعد، أما فى قضية المناخ فقد حدث هذا بالفعل ولم يكثرت الكثير حتى أصبحنا اليوم أمام حساسية من نوع خاص تتعلق بالوقت أكثر من أى شيئًا. فما سيحدث اليوم من سلوك سلبى ربما يقضى علينا الغد، وما يعاكسه ربما يعطينا فرصة فى أن نسعى لإنقاذ ما تبقى لنعيش متصالحين مع طبيعتنا حتى نفنى.


وعلى اعتبار ما كان فسنأخذ بعين الاعتبار النوايا الطيبة ومساعى الأفراد بالتأثير فى غيرهم على قدر وجودهم فى مواطن عمل تسمح لهم بذلك، وهذا مطلوب بشكل محدد، ولكن باعتبار ما سيكون فأعتقد أن هذا الأمر يحتاج لأكثر من مساع طيبة لأفراد مؤثرة قد تكون غير متخصصة، فقضايا المناخ لها متخصصوها، ومؤمنوها ومتحيزوها، لها من كرسوا حياتهم لأجلها ولديهم من الإجادة بمداخل مواطنينا والتأثير فيهم ما لم يؤت لأحد، إضافة أننا لدينا كوادر تنموية تلعب فى هذا الملف بشكل غير اعتيادى وبتقنيات مختلفة عن أى عمل توعوى آخر، يكمل هذه الصورة مؤثرون شباب تحفظ أسمائهم عن ظهر قلب يقدمون محتويات تدل على إيمانهم العميق منذ زمن طويل بقضايا المناخ وتأثيراتها المهلكة إن لم نتوقف اليوم عن بعض السلوكيات.


ومن هنا نجد أننا بحاجة لتكاتف الجميع ممن يعملون بالتنمية والتوعية، فالكوادر الثقيلة التى تعمل فى ملفات أخرى قد تظن أننا نطلب تنحيها تمامًا عن المشهد وهذا ليس دقيقًا فالمطلوب هو ترك الملعب الرئيسى لمتخصصيه، ولا يعنى ذلك أن لا نعى ونتعلم لنؤثر بسلوكنا وخبرتنا فيمن يثقون بنا ويميلون لحديثنا وآرائنا، وهذا فى حد ذاته مطلوب، وليلتحم الباقون من علماء وخبراء وتنمويين ومؤمنين بالقضية، ومؤثرين لإيجاد عملية تدريبية مختلفة توافق كل الأعمار والخصائص الديموجرافية والمهنية، لتغيير حقيقى فى وقت قياسى ومستدام فيما يتعلق بالمناخ بخاصة للمالكين والعاملين بالقطاع الزراعى، والصناعى على وجه الخصوص ودفعهم لتبنى إطار يحقق كل الأرباح المطلوبة باستهلاك أقل وتدوير أعلى.

 وفى اعتقادى أننا بحاجة لنوع من التدريب يجعل من كل فرد يعايش ويحاكى المستقبل القريب بطريقة واقعية تجعله يدرك كم الهلاك والمعاناة التى قد يخوضها قريبًا إن لم يقتنع بالتغيير، وليتم الله نوره علينا فبكل شفافية هذا الملف يجب ألا يتوقف قبل أن تتوقف انبعاثاتنا السيئة للبيئة، ولا يمكن أن نتعامل معه باهتمام ورعاية الابن الأكبر حتى يحل الأصغر فهذا سيعنى كتابة النهاية بعينها.

 فلنعى أن الطريق لشرم الشيخ ليس له عودة إلا بعودة الطبيعة حولنا، وأن مصير الإنسانية سيكتب سطرًا تلو الآخر هناك، وأن الاستمراية لم تعد اختيارًا لنا حتى نشعر بفارق ولن يحدث هذا إلا لو شعر للجميع بأن هذا الملف ليس بقضية فردية أو إيمان شخصى قد يختاره هذا ويتركه ذاك، بل هو الملف الوحيد على الخريطة الذى يجب أن تتحيز له البشرية بأجمعها وتتوحد حوله حتى تكشف الغمة ويستقر كل مخلوق فى مكانه ويعود لناموسه الفطرى لتعود طبيعة الكون إلى حيث كانت.