جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حنان ماضي: عشقت الموسيقى من طفولتى.. واحتراف الغناء لم يكن فى بالى (حوار)

حنان ماضي
حنان ماضي

عذوبة صوتها ودفء إحساسها شكّلا معًا حالة شديدة الخصوصية، استطاعت من خلالها أن تداعب وجدان الجمهور، وأن تصنع بموهبتها مكانة خاصة بين كبار النجوم فى جيلها، بما تقدمه من أغنيات راقية ذات طابع أصيل صعب التقليد، تمثل امتدادًا لتراث الفن والموسيقى المصرى. وعبر مشوارها، الذى امتد منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضى، نجحت الفنانة «حنان ماضى» فى أن تصبح حالة فنية استثنائية، توجت بتعاون خاص مع زوجها السابق الموسيقار ياسر عبدالرحمن، الذى جعل من صوتها «آلة موسيقية»، وصنع معها «توليفة لن تتكرر»، على حد تعبيرها لـ«الدستور»، ما زاد من تمسكها بقيمة ما تقدمه وأبعدها عن السوق بعد تراجع مستواها بشكل عام.

 ■ بداية.. شاركتِ للمرة الأولى فى الدورة الـ٣٠ لمهرجان القلعة مؤخرًا، فما سبب تأخر هذه المشاركة لسنوات طويلة؟

- لم تكن هناك أسباب لعدم مشاركتى فى المهرجان طيلة الأعوام الماضية، خاصة أننى دائمة المشاركة فى فعاليات وحفلات شهرية على مسارح الأوبرا بمختلف المحافظات، وأعتبرها متنفسى الوحيد بعد فترة من التوقف.

لذلك، شعرت بسعادة غامرة بالمشاركة فى مهرجان القلعة هذا العام، ووافقت على الفور ودون تردد على أن أغنى فيه بمجرد تواصل إدارة المهرجان، الذى تنظمه الأوبرا المصرية، معى، لأنها صرح فنى عريق ساهم فى بناء عمالقة وعظماء الغناء فى مصر والعالم العربى، وعندما أتيحت الفرصة رحبت جدًا، لأن الأمر شرف كبير بالنسبة لى.

ومن جهتى، أعتبر مهرجان القلعة حدثًا عظيمًا لكونه يمثل إحدى وسائل القوة الناعمة التى تسهم فى الحفاظ على مكانة مصر، وعلى الغناء الجاد فى العالم كله، ولأنه يتيح الفرصة للأسر لحضور حفلات كبار النجوم بأسعار رمزية، مع تقديم ألوان إبداعية جادة تتوافق مع خطط التنمية المستدامة، التى تتضمن بنودًا حول كيفية بناء المجتمع وتطوير الوعى والارتقاء بالوجدان، وهو ما يحدث من خلال الموسيقى والغناء.

■ لماذا اقتصر غناؤك مؤخرًا على مسارح دار الأوبرا فقط؟

- مسارح الأوبرا لها خصوصية وعراقة، فهى المكان الوحيد الذى يعمل على حفظ التراث وحمايته، وأعتبرها المنبر الثقافى الأعظم فى كل المجتمعات العربية، فقد ترعرع على مسارحها عمالقة الطرب، واستطعنا من خلالها حفر تاريخ مصر الغنائى وترسيخ ريادتها بين دول العالم.

ولا يوجد نجم أو نجمة غناء يمكنه أن يكون بعيدًا عن أغانى التراث إن كان يهدف للنجاح والتميز وتنمية موهبته وتطوير أدائه، لأنها المرجع والأساس لكل موهوب، وقد كانت هذه الأغانى هى ما تربيت عليه منذ نعومة أظفارى، ونمت موهبتى بفضلها، وما زلت أشعر بسعادة كبيرة عندما أشدو بها، خاصة أن والدى، رحمة الله عليه، كان عازفًا فى فرقة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، وكان يشجعنى كثيرًا أنا وإخوتى على الاهتمام بالموسيقى، وفى صغرى كانت تأتى إلى منزلنا «ميس فاطمة» لتعلمنا العزف على البيانو.

ومن هنا، تتجلى قيمة دار الأوبرا المصرية، لأنها تحافظ على تراثنا الموسيقى الكبير وتعيد إحياءه من خلال الحفلات والمهرجانات، وأصبحت بهذا المكان الوحيد الذى يحارب باستمرار من أجل رفع راية الغناء الجاد.

■ هل كان الارتباط بالتراث كلمة السر فى احترافك الغناء؟

- احتراف الغناء لم يكن فى بالى من الأساس، بل كان توفيقًا من الله، فقد بدأت كعازفة كمان، والتحقت بمعهد الكونسرفتوار، وكنت «بحب أدندن وسط زملائى بالمعهد»، إلى أن سمعتنى فى إحدى المرات الدكتورة سمحة الخولى، عميدة المعهد، وقتها، وطلبت منى الغناء، بالإضافة للعزف على الكمان.

وحينها، انضممت لأوركسترا المعهد، وسافرت إلى العديد من الدول الأوروبية كعازفة، منها المجر وألمانيا وكندا وبريطانيا، وتخرجت فى معهد الموسيقى بتقدير امتياز.

وكنت وقتها أعزف فى فرقة الموسيقار العالمى عمر خيرت، وجاءت الصدفة أثناء بروفات تسجيل تتر مسلسل «اللقاء الثانى»، وكنت موجودة فى الاستديو كعازفة كمان مع الفرقة، وشاء الله أن يتأخر على الحجار عن موعد بدء التسجيل، وطلبت منى إحدى صديقاتى أن أغنى ليستمع إلىَّ عمر خيرت، وبالفعل سجلت الأغنية بصوتى لحين وصول «الحجار» الذى استمع لصوتى، وطلب من خيرت أن أصاحبه فى غناء التتر، فرحب بذلك، ومن هنا بدأت المسيرة.

■ حققتِ نجاحًا كبيرًا فى غناء تترات الأعمال الفنية.. فلماذا أصبحتِ مقلة فى ذلك؟

- لستُ مُقلة، بل قدمت مؤخرًا أغنية خلال الجزء الثالث من مسلسل «أبوالعروسة»، والحمد لله حققت نجاحًا كبيرًا، وابتعادى عن تقديم التترات كان لأنى أحب التأنى فى الاختيارات، بالإضافة إلى أن الأعمال التى كانت تعرض علىَّ لم تكن هادفة.

وأنا أرى أن مشوارى ومسيرتى الفنية لا يسمحان لى بالمشاركة فى أى عمل فنى لمجرد إثبات وجودى على الساحة، فقد قدمت خلال مشوارى أغانى التترات لعدد كبير من الأعمال الدرامية والإذاعية المتميزة، التى لا تزال تعيش فى وجدان الجمهور، منها «اللقاء الثانى» و«المال والبنون» و«البحار مندى»، وكلها علامات مضيئة فى تاريخ الدراما المصرية، لذا فحينما أوافق على تقديم عمل غنائى لا بد أولًا أن يكون على هذا المستوى. 

والمعيار الوحيد الذى أستخدمه فى حياتى الفنية هو إحساسى، لأنى أقيّم العمل الغنائى، سواء على صعيد الكلمات أو الألحان، من خلال إحساسى بمعناه وموسيقاه فقط، فلو شعرت بالأغنية أوافق على تقديمها فورًا، كما أنى أحاول دائمًا تقديم كل ما هو جديد ومتميز، ويحمل فكرة ومعنى مختلفًا ويحافظ على الأصالة فى الوقت نفسه. 

■ هل هذا هو السر وراء تغيبك عن الساحة الغنائية؟

- الأمر يعود للسوق الغنائية؛ لأنها ليست على ما يرام، وبات الطرب الأصيل فيها عُملة نادرة فى الوقت الحالى، وللأسف لاحظت فى السنوات الأخيرة «استسهالًا» من عدد كبير من فنانى هذا الجيل والمستمعين فى النغمة والإيقاع، دون إنكار أن هناك محاولات من بعض الصناع والمطربين الذين يتعاملون مع الفن على أنه رسالة وليس مادة ومسألة إنتاج فقط.

وفى رأيى أن المبدع لا بد أن يعبر عمّا ينبغى أن يكون عليه المجتمع، ولو انصرف المبدعون عن جملة «هو ده اللى ماشى والجمهور عاوز كده» سنرى تغييرات إيجابية، لأننا اعتدنا على وجود تيارات غنائية غريبة أو دون المستوى، وأخرى تدعو للفن الهادف البنّاء والحفاظ على الأصالة وتحقيق المعاصرة فى نفس الوقت، وفى النهاية الفنان صاحب الرسالة هو الذى يستطيع أن يفرض نفسه على الساحة.

■ أتقصدين أن تراجع المستوى الفنى يرجع لأسباب إنتاجية؟

- يمكن القول إن الإنتاج تراجع تمامًا وكاد أن يختفى، والسبب فى ذلك هو التغييرات الطارئة على الصناعة، وهذا التراجع لا يقتصر على قلة عدد الأغانى، بل شمل كل شىء، حتى الشعر والألحان، ما جعل الساحة مفتوحة أمام أصحاب الأهداف التجارية، ووصل بنا إلى الوضع الحالى.

ورغم ذلك أؤكد أن الأغنية المصرية ما زالت موجودة بقوة، ومصر ستظل رائدة فى الغناء والفن الأصيل على مر الزمان، رغم ما حدث من تعثر فى السنوات الأخيرة جعل البعض يبتعد، لكنى أرى أن المناخ الآن أصبح مناسبًا كى يثمر إنتاجنا مرة أخرى.

■ لماذا لا تفكرين فى إنتاج أعمالك كما فعل البعض؟

- كنت أنتج كل أعمالى لنفسى منذ البداية، فكل أغنياتى وألبوماتى كانت من إنتاج خاص بالتعاون مع الموسيقار العبقرى ياسر عبدالرحمن، زوجى الوحيد السابق ووالد ابنتى.

وفى الفترة الأخيرة كان لدىّ أكثر من مشروع إنتاجى، أحاول بها تقديم عمل يسهم بشكل أو بآخر فى تعزيز الأغنية المصرية بكل مفرداتها، فى ظل الحالة الإنتاجية المتعثرة التى فرضت نوعية غريبة من الأغانى علينا وعلى الجمهور، الذى أصبح متعطشًا للكلمة الجيدة التى تطرب أذنه وتحافظ على مستواه وذوقه العام.

ورغم ذلك، كانت القرصنة أحد الأسباب التى تسببت فى عرقلة الأمور والتوقف، خاصة أن الإنتاج ليس أمرًا سهلًا، ويمكننى أن أنتج ألبومًا كاملًا ويتم تسريبه قبل طرحه بالأسواق، وهذه مشكلة كبيرة يجب أن تهتم بها الدولة وتتصدى لها، لأنها أدت لاندثار الألبوم، وأصبحت كل الطرق تؤدى إلى الأغنية المنفردة «السنجل» وتسعى لسرعة الانتشار.

■ نقترب من موعد إجراء انتخابات نقابة الموسيقيين.. فكيف ترين المنافسة على مقعد النقيب؟

- فى رأيى، منصب النقيب يحتاج إلى نوعية خاصة من البشر، وشخص يتحمل ضغوط وأعباء تلك المهمة الأكثر صعوبة، بملفات المعاشات والتصاريح والمراقبة لسوق الغناء، بالإضافة إلى أن أعضاء النقابة يحتاجون للمزيد من لم الشمل، ونبذ الخلافات الشخصية بينهم.

وهنا يجب على أن أقول إننى أشفق على النقيب الجديد، الذى سيكون عليه أن يحارب ويعمل على إعلاء قيمة المهنة، ويحافظ على الفن الجاد الراقى، بعيدًا عن الإسفاف، مع وضع خطة محكمة للارتقاء بالذوق العام.

■ بالانتقال للحياة الشخصية.. حققت نجاحًا كبيرًا فى التعاون مع زوجك السابق الموسيقار ياسر عبدالرحمن.. فما السر فى ذلك؟

- أعتبر أن مشوارى مع «ياسر» هو أهم مرحلة فى حياتى، فهى رحلة دامت ١٤ عامًا، حققنا فيها إنجازًا مضاعفًا وأنتجنا معًا أفضل ألبومات فى حياتى، كما حققت أحلامى معه منذ بداية المشوار.

وقد تعرفت على «ياسر» أثناء تسجيل أغانى المطربين فى الاستديوهات، وتحديدًا أثناء تسجيل شريط كاسيت يحمل اسم «ذكريات»، لموسيقار الأجيال عبدالوهاب، وكان يقدمه بتوزيعات جديدة على طريقته، وبعدها قدمنا معًا «عصفور المطر» و«ليلة العشق» و«شباك قديم» و«إحساس» وغيرها، وكان هناك انسجام بين صوتى وموسيقاه، ودائمًا أقول إنه كان يستخدم صوتى كأنه آلة موسيقية، وأظن أننا صنعنا معًا توليفة لن تتكرر فى تاريخ الغناء.

■ ألم تفكر ابنتك «حبيبة» فى دخول عالم الفن لكونها من عائلة فنية؟

- «حبيبة» تمتلك صوتًا عذبًا ورشيقًا جدًا، «وكان نفسها تدخل المجال»، لكنى رفضت أنا ووالدها لأننا نخشى عليها من الإحباطات الموجودة فى الوسط الفنى، خاصة فى الزمن الحالى.

ماذا عن مشاريعك فى الفترة المقبلة؟

 - كامل تركيزى ينصب حاليًا على عملى كمدرسة للموسيقى والغناء داخل منزلى، حيث أقوم بتدريب العازفين على آلة «الكمان». وفيما يخص الجديد، أحضّر أغانى «سنجل»، وقريبًا سأطرح أغنية منفردة جديدة على موقع «يوتيوب»، وعبر صفحتى الرسمية على موقع «فيسبوك»، بعد أن أصبحت منصات ومواقع التواصل الاجتماعى أسرع وسيلة للانتشار، هذا إلى جانب استمرارى فى الحفلات التى أحييها على مسارح الأوبرا بمختلف المحافظات.