جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عزيزى المواطن الفقير لعلك أنت والوطن بخير

أكتب، أنتقد، أعارض، أؤيد، أساند، أصفق، أستهجن، كل تلك المشاعر تحركها مصر التي ‏تسكن داخل محبرة قلمي، فالعبد لله لا يرغب في الحصول على أي أنواع من الامتيازات تتمثل ‏في التقارب للسلطة لاعتلاء منصب أو التفكير في تعيينات أي من المجالس النيابية، بل فقط ما ‏أريده هو أن أرى مصر بخير دائمًا.‏

على أبواب المولات، وفي محطات المحروقات، وأمام الأسواق، وداخل الساحات، هناك أطفال ‏ونساء وشيوخ مشردون ليس لهم مكان لكي يسندوا رأسهم بداخله، ‏عيون تملؤها حيرة المصير ومتاهة الطريق، لكن رغم ذلك فملامحهم تقول إنهم أولاد أصول ‏وحضارة وعلم "ومش وش بهدلة"‏.

إنهم الأشقاء السوريون الذين كنت أقابلهم في إحدى دول الخليج التي أعمل بها، وهم يترجون ‏حاجة لله من المارة، وإلى كل الشعب المصري أكتب مقالي هذا كرسالة صوت صارخ من أجل ‏الوطن مصر، ولمن لا يعلم أن سوريا قبل أن تقع تحت مخالب "كلاب جهنم" كانت دولة ‏قوية لديها اكتفاء ذاتي، وليس عليها أي ديون خارجية، يعيش شعبها في أمن وأمان ‏واستقرار، ولديها مشروع نهضوي كبير علمي وثقافي وصناعي وزراعي، لكن للأسف كل ‏ذلك ضاع في "غمضة عين".‏

وعندما كنت أجالسهم أو أتحدث إليهم، كانوا يقولون لي إنهم يريدون الرجوع إلى منازلهم ‏وينامون على "البرش" أو يفترشون الطرقات، ويأكلون من الحشائش ولكن يريدون التواجد تحت حماية ‏الوطن حتى لو هتغطيهم "أربع حيطان"، عندها تلامست مع مشاعر عدم الأمان وأيقنت أن ‏الله منحنا نعمة كبيرة للغاية وهي الجيش المصري، نعم أنها أعظم النعم، هكذا قال لي ‏مواطنين إحدى الدول التي تم خرابها في الربيع العبري"، خذوا كل ما نملك من ثروات وموارد ‏واعطونا فقط 10% من جيش مصر لكي يخلص بلادنا من الفوضى والإرهاب.‏

أخي المواطن الفقير لعلك بخير أنت والوطن بعد أن قرأت تلك الكلمات، أعلم أنك جائع وتبحث ‏عما يسد رمق جوعك أنت وأسرتك ولا تجد في كثير من الأحيان، أعلم أنك تبحث عن ‏نصف كيلو "أرجل دجاج، أو بعض من عظام لحمة الرأس أو حتي مكعب شربة دجاج تعمل ‏معه طبق ملوخية أو حتي طبق "شلولو" بماء وملح فقط"، أعلم أنك تبحث عن أكلة كشك أو ملوحة أو حتي ‏فحل بصل لكي يكون شريكا للقمة خبز "تبلع بها ريقك" لأن قرص الطعمية أصبح بجنيه ‏وأنت لا تملك ذلك الجنيه، أخي المواطن الفقير أعلم أن جيبك وبطنك ليسا بخير، وأري ‏سيولة الدموع في عينيك وأسمع أهات الأنين تخرج وتخترق دائرة الصمت والترقب الذي ‏يعيش بداخلها من هم من أهلي الملايين من الفقراء، الآن المدارس وأولادك يحتاجون ‏مصروفات، من ملابس، أدوات مدرسية، مصروفات الكتب، ومعهم المصروف اليومي "‏أسمعك وأنت تقول للأرض انشقي وابلعيني".‏

ولكن أخي المواطن الفقير، عليك بعد أن تعايشت مع نبرات صوتي المشحون بمؤثرات الحالة ‏داخل تلك الكلمات، قف فقط واقرأ ما كتبته عن أشقائنا السوريين وهم متشردون داخل الدول، ‏وسأجمعك مع أحدهم الذي يمتلك بعضا من المال وهرب به خارج بلاده من حالة الفوضى، ‏وسيعرض عليك هذا الشقيق السوري أن تأخذ كل أمواله التي ربما تكون بالملايين ولكن ‏عليك أيضا أن تأخذ مع أمواله حالته التي يعيش متشردًا بداخلها، وهو أيضًا يأخذ فقرك ‏واحتياجك ولكن أيضًا سيأخذ حالة الأمان والاستقرار التي تعيش بها داخل منزلك وفي وسط ‏أهلك، "فأيهما ستختار؟".‏

أخي المواطن الفقير أعلم أنك وبلا تردد ستختار حالتك لأنك ستفكر كثيرًا وكثيرًا، وستصل إلى ‏نتيجة حتمية، أن الأموال مهما كانت كثيرة ستصرف وتنتهي وتبقي حالة التشرد والضياع، ‏أما حالة الفقر والجوع والاحتياج فهي حالة مهزومة ووقتية ما دام الوطن بخير، لأن الأمن ‏والاستقرار هو ما يأتي بالمصنع والمزرعة التي ستأكل منهما وتعمل أنت وأولادك
‏ بهما.‏

أخي المواطن الفقير، أعلم أنك تحملت الكثير والكثير ولا يمكن تعزية حالة جوعك ووجعك ‏واحتياجك وحيرتك بكلمات تعزية، لكن ما يعازينا جميعا ويعطينا الأمل في غد أفضل، أن ‏الوطن ما زال بخير تحت حماية نعمة الله الذي منحها  له وهي "الجيش المصري"، أما ‏فقرك وجوعك فسننتصر عليهما جميعًا بإذن الله.‏