جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

بوتين.. حديث عن مصر

فى إشارة إلى مكانة مصر ووزنها قال الرئيس بوتين فى خطاب الثلاثاء 20 سبتمبر الحالى: «إن مصر تعد من أهم شركاء روسيا فى إفريقيا والعالم العربى». وأضاف: «ونحن نتعاون فى بناء محطة الطاقة النووية فى الضبعة، وإنشاء منطقة تجارية فى السويس». 
العلاقة مع روسيا بدأت من أيام محمد على بانى نهضة مصر، حين كان الذهب تحت بصره فى منطقة فازولى بالسودان لكنه لم يستطع استخراجه من الماء، فاستدعى القنصل الروسى وأهداه علبة نشوق ذهبية وسأله: «هل لديكم طريقة لاستخراج الذهب من الماء؟». وأجابه القنصل: «نعم لدينا علم يسمى ميتالورجيا»، وعلى الفور أرسل محمد على طالبين مصريين إلى روسيا للدراسة عادا بعد أربع سنوات ليقودا أول سفينة إلى فازولى لاستخراج الذهب! من حينه، وقبل ذلك، وإلى لحظتنا الراهنة لم تشتبك روسيا ومصر فى حرب ما عدا مشاركة مصر بفيلق عسكرى فى حرب القرم عام 1768 ضد روسيا، وكان ذلك بصفتها تحت الحكم العثمانى. وعلى مدى مائتى عام تقريبًا ظلت العلاقات بين البلدين تقوى أحيانًا وتضعف أحيانًا وتراكم خلال ذلك تراث من التفاعل الذى لم ينقطع.
وقد شهدت العلاقات وثبة كبيرة خاصة فى السنوات الأخيرة، ففى عام 2007 تم إطلاق أول قمر صناعى مصرى بصاروخ روسى تمهيدًا لإقامة وكالة فضاء مصرية، وفى 16 أبريل أطلق القمر الثانى «إيجيبت سات» ليخدم مجالات التنمية المختلفة، وفى عام 2017 تم تفعيل الحوار الاستراتيجى بين مصر وروسيا بصيغة 2+2 التى تشمل وزيرى الخارجية والدفاع، وبذلك أصبحت مصر واحدة من ست دول فقط فى العالم تتمتع بهذه الصيغة الرفيعة من المباحثات السنوية مع روسيا. وفى العام نفسه تم توقيع اتفاق إنشاء محطة الضبعة النووية. وفى عام 2018 تم توقيع اتفاق إقامة منطقة صناعية شرق بورسعيد على مساحة نحو خمسة ملايين ونصف المليون متر. فى الوقت ذاته دخلت حيز التنفيذ فى يناير 2021 اتفاقية «الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجى» الموقعة بين روسيا ومصر عام 2018. أضف إلى كل ذلك صفقات السلاح، وحجم التبادل التجارى الذى يبلغ خمسة مليارات دولار سنويًا. وأيضًا دخل السياحة الروسية وكان عدد السياح يقترب من خمسة ملايين قبل الحرب الروسية لكنه تقلص بعدها إلى نحو 50 ألفًا. ولم تستطع حتى الحرب الروسية الأوكرانية أن تهز جذور تلك العلاقات، ومع أن مصر قد صوتت مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة مارس 2022 الذى أدان بشدة الجانب الروسى، لكن مصر أصدرت فى الوقت ذاته بيانًا أكدت فيه أنها: «ترفض منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولى.. من منطلق التجارب السابقة التى كانت لها آثارها الإنسانية السلبية»، وأنه: «لا ينبغى غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة». وبذلك اتخذت موقفًا متوازنًا وضع نصب عينيه حجم العلاقة والمصالح المتبادلة، الأمر الذى جعل روسيا تستبعد مصر من قائمة الدول المعادية لها والتى بلغ عددها ثلاثًا وأربعين دولة. 
من كل ذلك يتضح أن هناك حرصًا متبادلًا على استمرار وتطوير العلاقة أو على الأقل عدم المساس بركائزها وتاريخها، وقد جاءت إشارة بوتين فى ذلك السياق، مما يؤكد أنه إذا كان هناك ولع فرنسى بمصر، فإن ثمة ولعًا روسيًا بمصر بشكل أو بآخر، يحرص على مكانة مصر.