جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أحمد صبرى أبوالفتوح: الثقافة والتنوير أدوات للقضاء على التطرف والإرهاب «حوار»

أحمد صبري أبو الفتوح
أحمد صبري أبو الفتوح

ورش الكتابة لا تصنع مبدعًا من لا شىء

الكتاب الورقى سيبقى ما بقيت الكتابة

أعمال نجيب محفوظ يصعب أن تعبر عنها أغلفة ما بعد حداثية

أحمد صبري أبوالفتوح، في الجزء الأخير من لقائه مع «الدستور»، يواصل بوحه عن عالمه الروائي الخاص، وعن بعض الظواهر علي الساحة الثقافية المصرية، وعن أبرز الكتاب الذين يقرأ لهم، سواء من الأحياء أو الذين رحلوا عن عالمنا ولكنهم باقون بإبداعاتهم.

كما يحدثنا أحمد صبري أبوالفتوح عن روايته «تاريخ آخر للحزن»، وخماسيته «ملحمة السراسوة»، بالإضافة إلي أبطالهم الروائيين ومن منهم أحبهم إلى قلبه، غير ذلك  في هذا اللقاء.

 ــ لمن يقرأ أحمد صبرى أبو الفتوح ولا يفوت له عمل؟

ممن رحلوا أقرأ لديكنز وفيكتور هوجو وديستويفسكى وكافكا وتوماس مان وكازانتزاكيس وفوكنر وهيمنجواى وماركيز، لم أفوت عملًا أعرفه لهؤلاء، ومن العرب لم أفوت كتابًا واحدًا لشيخنا الأكبر الدكتور طه حسين، حتى مذكرة حفظ قضية كتاب الشعر الجاهلى أستطيع أن أرددها ليس بلغتها تمامًا ولكن بمعناها حتى الوصول إلى قرار الحفظ، أقرأ لمحمد ديب والطيب صالح وإبراهيم الكونى وعبد الرحمن منيف.

 ومن المصريين أقرأ لشيخنا نجيب محفوظ، حتى مداعباته، وأقرأ لعمنا خيرى شلبى وفتحى غانم وصبرى موسى ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور، أما من الأحياء فأنا أقرأ لـ صنع الله إبراهيم وأحمد الخميسى وإبراهيم عبد المجيد ومحمد المنسى قنديل ومحمد جبريل وسلوى بكر وحمدى أبو جليل وصبحى موسى ومحمد رفيع ومجدى همام وإيهاب عبد الحميد ومحمد إبراهيم طه وعادل أسعد الميرى وسمير الفيل، وغيرهم، وغيرهم كثيرين، لا أستطيع أن أجد أسماءهم على مطبوعة ولا تنازعنى نفسى لقراءتها.  

2020-637182441125021206-502

 ــ كيف ترى ظاهرة الورش الكتابية وهل تصنع مبدعًا؟

لا أظن أنها قادرة على هذا، فكل الكتاب الكبار العظام الذين مروا على تاريخ العالم لم يتعلموا فى ورش للكتابة، صحيح أن التجمعات الأدبية والصالونات وما يجرى فيها من حوارات كانت بمثابة الورشة، وكذلك مقالات وكتب النقد، كل هذا طبعا يصقل الموهبة، أما الورشة بمعناها الحديث فأنا لا أستطيع الحكم، ولكنى لا أظن أنها تصنع مبدعًا من لا شىء.

ــ كيف ترى دور الفن والثقافة والقوى الناعمة فى عمومها فى القضاء على الأفكار المتشددة؟

القوى الناعمة من فن وثقافة بشكل عام وأدب هي في الأساس سفير أي أمة إلى غيرها من الأمم، وكثيرًا ما تخلق لدى الأمم الأخرى حالة من الاحترام والتقدير، أما على مستوى الداخل فإن الفن عمومًا والثقافة والتنوير هي كلها أدوات للقضاء على التطرف والإرهاب، ولكن بشرط أن تكون الدولة جادة في مقاومة الفكر المتطرف والمتشدد، أما إذا كانت السياسات المطبقة تفرخ هؤلاء فلا أمل في شىء، المتشددون يخرجون من بين صفوف إفرازات السياسات المطبقة وفي كل مرة يفلتون بعملتهم، فهل حاكم أحد الذين قالوا إن الشهيدة نيرة تستحق القتل لأنها كانت سافرة؟ لو قدم واحد منهم للمحاكمة لوضح أن الدولة جادة في مقاومة الفكر المتطرف، المثقفون والفنانون ما لم يحظوا بحماية الدولة فلا أمل في شىء. 

 ــ هل تعد روايتك «تاريخ آخر للحزن» استكمالًا لملحمة «السراسوة»؟

لا طبعًا، هذا سياق وذاك سياق، في «السراسوة» أنا أرصد بداية تكوين الطبقة المتوسطة المصرية في الريف، وأرصد بداية الشعور بالهوية الوطنية، ثم تطور هذا الخيط مضفورًا في تاريخ الوطن من خلال مرويات شفاهية أسرية عاشت وعبرت السنين، أما «تاريخ آخر للحزن» فهي رواية الصراع الذي لا ينتهي بين الملاك والشغيلة، عبر أجيال مختلفة، وهذا الصراع يتسبب في أحزان لا تعد ولا تحصى، وهذا هو التاريخ الآخر للحزن.

 ـــ من هو أقرب أبطال رواياتك إليك وما قصته ولماذا؟

أنا أحب أبطال رواياتى وأعرفهم، ولطالما وأنا أكتبهم كنت أحدثهم ويحدثوني، وكنت أحملهم معي أينما أذهب، حتى وأنا أترافع في المحكمة أراهم يستمعون إلى مرافعتي وهم جلوس بين الناس، أحب مريم الأولى ومريم الثانية وأحمد السرسى وموسى وسيد أحمد السرسى في «ملحمة السراسوة»، وأحب ثريا الداهش في «طائر الشوك»، وأحب رفاعة سيد الأهل في «الأجندة»، وأحب عبد العاطى ملش وبرسكال في «برسكال»، وأحب جويندلين أرسلان في «حكايات من جنازة بوتشى»، لكنني ضعيف جدًا أمام شخصيتين باهرتين في تاريخ آخر للحزن، هما معالى حلوية ومنجى أرسلان، طبعًا حبي لمعالي حلاوية مفهوم، فهي المرأة التي استطاعت أن تقهر الحزن، لكن منجى أرسلان هو جرحي النازف حتى الآن، إنه توليفة تجمع صديقًا لي مات تحت سطوة البكاء، وتجمع بعضًا مني، وتجمع بعضًا من أناس أعرفهم، ولما اكتملت التوليفة أحزنني أنني قدته إلى مصيره فهز بكاءه أرجاء الدنيا، كم هو قريب إلى قلبي هذا الرجل منجى أرسلان.

2021-637653484569046563-904

 ــ هل لك موقف مع كاتب أو فنان كبير تذكره دائمًا؟ ما هو؟

لى مواقف عديدة مع شيخنا نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وخيري شلبي، ويحيى الطاهر عبد الله، ومحمد مستجاب، أما الكاتب الذي سأتحدث عنه هنا فهو المرحوم الدكتور محمد سيد سعيد، كانت الرواية الأولى من السراسوة وهي الخروج قد نشرت وهو مريض، وكان في المستشفى ومعه زوجته الكاتبة الكبيرة نور الهدى زكي، وهو على فراش الموت طلب منها أن تأتيه برواية الخروج، كان قد قرأ منها جزءا ثم داهمه المرض فدخل المستشفى، وطلب منها أن تقرأ بقية الرواية عليه، فكانت تقرأ عليه مستكملة ما قرأ، وعندما ينام تقرأ من البداية حتى تستطيع أن تواكب قراءته، وقد أسعدني برغم حزني لرحيل شخصية عظيمة مثله، أقول أسعدني أنه أكمل قراءتها بأذنيه حتى انتهت، وأظنه أغمض عينيه عندما انتهت، وقال في نفسه إن الأدب يخلق حالة من الجمال لا تضاهى.

وأما الفنان فهو المرحوم الفنان الكبير الأستاذ ممدوح عبد العليم، قلبي يؤلمني وأنا أراه أمام عيني الآن وهو يحلم بلعب دور من أدوار البطولة في ملحمة السراسوة، ولا يزال موقعه في بيتي في المنصورة وفي قلبي شاغرًا، وكذلك العم الجميل لطفي لبيب، ربنا يشفيه ويظل يمتعنا بفنه الجميل. 

 ــ هل تعترف بقاعدة "اكتب عما تعرفه" أم أن المبدع من حقه خوض آفاق تجريبية حتى لو لم يعرفها؟

أنا من الذين يعتقدون أن الروائي يكتب من عالمه، بمعنى أنه يكتب من تراكم خبراته بالحياة وبالناس وبالأفكار وبالصراعات وبالمعانى الكبرى، وأظن أن هذا هو ما يعطى العمل الروائي مصداقيته، لكن هذا لا يمنع التجريب، ولكن ما هو التجريب؟ هل التجريب هو في ابتداع أساليب جديدة في السرد والتناول والنظر إلى ما سبق من زوايا مختلفة؟ أم التجريب هو في اختلاق واقعات لا يربطها منطق ولا يحاكيها واقع ولا يستسيغها خيال؟

نقول ويقول من سبقونا إن ألف ليلة وليلة هي كتاب الكتب، وللأسف كان للغرب الفضل في إعادة بعث هذا الأثر الخالد، ولقد علمتنا ألف ليلة وليلة أن نطوف بالخيال في كل مناطق السحر بحثًا عن الحكمة، وعن العظة، وعن المعنى الكبير من وراء الحكايات والأشياء، فتسحرنا البحور وعالمها السفلي، ملوكها وأمراؤها وأميراتها والإنسى الذىي يهبط إلى هناك بفعل الغواية، لكن عندما تخترع حكاية ليست من نسيج المجتمع الذي تعكسه في عملك، ويكون هذا الاختراع من أجل اللاشىء إلا ما يسميه البعض بالتجريب، فإنني أعتقد أن هذا ليس خوضًا في آفاق تجريبية، إنه فقر في محتوى العالم الروائي أو المخزن الذي يغترف منه الروائي وهو يكتب، لا أريد أن أضرب مثلًا، فيبين أننى أهاجم هذا الكاتب أو ذاك، فأنا أحترمهم جميعًا وأحترم تجاربهم، ولكننا هنا سنكون قد تنازلنا عما يميز الأدب العظيم عن غيره، وهو الصدق الفني. 

7635759

 ــ بين الكتاب الورقى والإلكترونى أيهما أقرب إليك ولماذا؟ وهل الكتاب الورقى فى طريقه للزوال؟

أنا أعشق الكتاب الورقي، وأعشق الجلوس في مكتبتي ويصورني أبنائي وأنا بين الكتب، ولكني مساير للتطور أقرأ الكتاب الإلكتروني، ولكن على مضض، ولا أظن أن سحر الكتاب الورقي سيخبو، لهذا أعتقد أنه ليس في طريقه للزوال، سيبقى ما بقيت الكتابة.

 ــ ما رأيك فى أغلفة روايات نجيب محفوظ التى أعلنت عنها الدار الحاصلة على حقوق نشر رواياته مؤخرًا؟

إنها اجتهاد لم يصادف محله، ولا أرى أنها تعبر عن محتوى العمل الذي هو بين دفتي الكتاب، أعمال نجيب محفوظ في معظمها بلزاكية، يصعب أن تعبر عنها أغلفة ما بعد حداثية.

 ــ العديد من الأعمال الأدبية تحول إلى الدراما المرئية كيف ترى الأمر.. وهل تحول الخيال المقروء إلى مشاهد مرئية يضيف أم يضر بالعمل الأدبى ولماذا؟

 إذا توافر للعمل الأدبي سيناريست موهوب وقبض هذا السيناريست على روح العمل فإن العمل الفني يكون إضافة طبعًا، وسأضرب مثلًا بمالك الحزين لإبراهيم أصلان، وكذلك كتابة محسن زايد لثلاثية محفوظ، وغيرها الكثير، أما الكتابة التي لم تقارب روح العمل الأدبي كمثل ما جرى مع تحفة عم خيري شلبي وكالة عطية، فإن الإساءة أو الضرر هنا لا شأن له بالعمل الأدبي؛ لأن تقييمه لا يكون إلا في ذاته، ولكنها طبعًا خسارة ألا يزداد انتشاره بسبب الكتابة غير الموفقة.

13414114

ــ ما رأيك فى «جروبات» القراءة وهل تضيف إلى الحراك الثقافى أم هى فقاعة صنعتها السوشيال ميديا؟

في الحقيقة أنا لم أطلع بشكل كاف على هذا الأمر، ولا أعرف ما الذي يقولونه في هذه الجروبات، ولا استطيع أن أحكم على شىء أنا لا أعرف تفصيلاته، وإن كنت أعتقد أنها في معظمها على ما أرى لمامًا تساير الموضة في القراءات الشبابية، التي هي مرحلة مبكرة جدًا قبل أن يصل القارئ إلى مستوى القارئ المحترف، صاحب الذائقة القائدة وليست الذائقة المنقادة.