جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أخطاء المصريين المعرفية الشائعة عن جماعة الإخوان!

لا شك أن جماعة إخوان البنا قد نجحت فى العقود التى سبقت هذا العقد الحالى فى غرس الصورة الذهنية التى أرادتها فى عقول ملايين من المصريين، والتى اشتملت على مغالطات معلوماتية تخص الجماعة وأصلها وطبيعتها وتاريخها. حتى أنه يمكننا القول إن غالبية المصريين– حتى الذين لا يؤمنون بأفكار الجماعة– قد سقطوا فريسة لهذا الخداع المعلوماتى، واستقرت فى أذهانهم أخطاء تجرعها حتى بعض المثقفين المحسوبين على التيارات المدنية.

(1)

الخطأ الأول والأكثر شيوعًا.. أنها لم تبدأ كجماعة تكفيرية!

اعتقد المصريون– وبعضهم لا يزال لديه هذا الوهم– أن جماعة الإخوان فى نشأتها وطوال فترة وجود مؤسسها حسن البنا لم تعرف ولم تنجرف إلى الفكر التكفيرى! أى أنها كانت جماعة دينية لها أهدافٌ إصلاحية وسياسية لكنها فى الأصل ليست جماعة تكفيرية.

وأن الجماعة انجرفت للفكر التكفيرى على يد سيد قطب، والذى دشن أفكاره التكفيرية فى كتابه "معالم فى الطريق" أثناء سجنه!

كان السبب الأكبر فى وقوع المصريين فى هذا الخطأ هو فظاظة ما ورد فى كتاب سيد قطب ووضع الصياغة اللغوية والمصطلحات التكفيرية– مثل الحاكمية، وجاهلية الشعوب، والتى تعتقد أنها مسلمة، وديار الكفر مقارنة بديار الإسلام من وجهة نظره- بصراحة وتصادمية لأول مرة فى مصر فى وثيقة منشورة!

لكن ماذا عن وثائق مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا فيما يخص فكرة التكفير؟!

هناك وثيقة هامة عبارة عن كتيب صغير "18 صفحة"، مما يسمى رسائل الإمام الشهيد حسن البنا.. وهو أحد مقتنياتى أثناء دراستى بجامعة المنيا (إحدى معاقل التطرف الدينى فى مصر آنذاك 1990– 1994).. ففى هذا الكتيب يخاطب حسن البنا شباب الإخوان الذين ضمهم لجماعته الجديدة ويحدد لهم الفكرة.. والطريق لتنفيذ تلك الفكرة.

ففى تحديد الفكرة أو العقيدة الأساسية لدعوته يقول لهم "ونحن لا نعترف بأى نظامٍ حكومى لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه.. ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية، ولا بهذه الأشكال التقليدية التى أرغمنا عليها أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها.. وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامى بكل مظاهره".

أما أخطر ما فى الوثيقة فهو تكفيره لمن لا يؤمن بما قاله فيقول بالنص.. "وإنّا نعلن فى وضوحٍ وصراحة أنّ كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل على تحقيقه لا حظ له فى الإسلام، فليبحث له عن فكرةٍ أخرى يدين بها ويعمل لها"!!

ها هو حسن البنا يقول نفس الأفكار التى قالها بعده بسنين سيد قطب، ويعتقد أنه وإخوانه وتلاميذه هم الذين سوف يحددون للناس الإسلام تحديدًا واضحًا– من وجهة نظرهم– ومن يخرج عن الإيمان بما قالوه وحددوه يعتبر خارج فكرة الإسلام أى يعتبر كافرًا!

سيد قطب لم يأتِ بجديدٍ إذن، لكن الفارق أنّ حسن البنا عرض أفكاره ببعض الإيجاز والنعومة والمراوغة التى اشتهر بها وأخذها عنه كثيرٌ من تلاميذه حتى اليوم.. لكن سيد قطب قالها بفظاظة.. لكن الفكرة واحدة..وهى التكفير!

لقد فصل سيد قطب، فى كتابه، غموض كلمات حسن البنا التكفيرية وصاغها لغويًا معتمدًا على ثقافته التى تفوق ثقافة البنا، وعلى قراءته لمؤلفات أبى الأعلى المودوى.. فقال إنّ الشعوب والدول التى تطلق على نفسها مسلمين ليسوا بمسلمين وتجب إعادتهم للإسلام مرة أخرى عن طريق القلة المؤمنة وهم جماعة الإخوان.. وفى سبيل ذلك وجب عليهم المهادنة فى وقت ضعفهم ووجب عليهم أخذ المجتمع بالشدة وقت قوتهم.. تمامًا كما فى تلمود اليهود الذى يحدد لهم كيف يتعاملون مع غير اليهود.

إن العلاقة بين ما كتبه حسن البنا وما كتبه سيد قطب يشبه تمامًا هذا المشهد الكوميدى في فيلم "طيور الظلام"، بين الورقة الصغيرة التى كتبها عادل إمام والمذكرات القانونية الطويلة المفصلة التى كتبها الأستاذ المخضرم. ولو تقابل الاثنان وجهًا لوجه ربما أتخيل البنا يقول لسيد قطب نفس العبارات التى نطقها عادل إمام.. اتفضل يا أستاذ آدى خلاصة التكفير.. البركة فيك يا أستاذ سيد وفى لغتك تصوغها للجماعة فى كتاب ومرجع!

لقد كانت أزمة مصر الحقيقية مع الجماعة عبر العقود الماضية هى أن بعض أفراد نخب مصر السياسية والفكرية قد سقطوا فى هذا الخطأ الوهم، فبعض الحكومات وثقت بالجماعة ومنحتها شرعية الوجود، وبعضها الآخر منحها حقًا لم تتمتع به أى قوى أخرى وهو تكوين مجموعات الرحالة والكشافة والجوالة، وقيامها بأنشطة فى الصحراء بعيدًا عن الأعين، وبعض الحكومات فتحت أبواب مصر على مصراعيها لأنشطة الجماعة وأخواتها تنفيذًا لمواءمات سياسية لصالح دول أخرى، بينما استمرأت حكومات أخرى لعبة المساومة مع الجماعة وبالجماعة على حساب الدولة المصرية ومقدراتها ومصيرها!

(2)

الخطأ الثانى..أن الجماعة لم تبدأ مسلحة ولم تعتنق فى بدايتها القوة منهجًا!

الخطأ الثانى هو الربط الزمنى المعلوماتى بين تاريخ بدء كشف جرائم الجماعة التى تم ضبطها، وبين تأريخ اعتماد الجماعة على العنف والإرهاب كطريق وطريقة لفرض أفكارها على الأرض! ومرة ثانية سقط كثيرٌ من أفراد النخبة فى هذا الخطأ ولم يعطوا لمفردات مبدئية الأهمية المفترضة.

فعدم قيام مجموعة أو جماعة راديكالية بجرائم عنف لا يكفى بالحكم بسلمية الجماعة أو الحركة، لأن اقتراف جرائم إرهاب سياسية يتوقف عمليًا على توفر القدرة من مال وسلاح وعنصر بشرى مهيأ!

أما أساس الحكم على طبيعة أى جماعة راديكالية، من حيث الإيمان بالسلمية أو بالإرهاب المسلح كوسيلة لتحقيق الأهداف، حكمًا حقيقيًا- فهو الوثائق التى تصوغ أفكار وعقائد ومنهج تلك الجماعة!

وهنا نعود لنفس الوثيقة التى وجهها حسن البنا لأعضاء الجماعة، وفيها- وبعد أن يطلق حكمه التكفيرى على من يرفض معتقدات الجماعة– يتحدث عن الطريق لتحقيق أهدافه. وإننى أعتبر ما يقوله هنا هو صفعة على وجوه أتباعه الذين يدافعون عن سلمية أستاذهم وصاحب الدعوة كما يحبون أنْ يلقبوه وكأنه نبىٌّ مرسل!

يقول البنا عن الطريق لتنفيذ معتقداته على الأرض.."وأول واجباتنا نحن الإخوان أنْ نبيّن للناس حدودَ هذا الإسلام واضحة كاملة بيّنة، لا زيادة فيها ولا نقصان منها، ولا لبس معها، وذلك هو الجزء النظرى من فكرتنا.. وأنْ نطالبهم بتحقيقها ونحملهم على إنفاذها ونأخذهم بالعمل بها.. وذلك هو الجزء العملى فى هذه الفكرة"!.

فطريق حسن البنا يبدأ بمطالبة الناس، ثم حملهم وأخذهم على العمل بما يعتقد أنه الإسلام بلا زيادة ولا نقصان! وكلمة حمل الناس على فعل شىء هو فتح للباب على مصراعيه لأعضاء وقيادات الجماعة على تدبر الوسائل لتحقيق ذلك، حسب الظروف المتاحة!

ثم فسر سيد قطب الطريق أكثر بمهادنة المجتمع وقت ضعف الجماعة، ثم أخذ المجتمع بالشدة وقت قوة الجماعة!

أما السبب فى انتشار الفكرة الخاطئة عن سلمية الجماعة بين عموم المصريين قبل 2013م، فهو استراتيجية الجماعة التى اختلفت عن غيرها من الجماعات الإرهابية التى تلتها فى الظهور حتى وإن كان السواد الأعظم من تلك الجماعات ما هم إلا أبناءٌ شرعيون للإخوان!

فمنذ بدايات الجماعة، استقر البنا على فكرة وتبعه كل أتباعه وهى التغيير القاعدى وصولًا لرأس السلطة مع استباحة كل الطرق فى سبيل تنفيذ الفكرة الرئيسية. لذلك تأجلت جرائم الجماعة الإرهابية لبعض الوقت، ولم تبدأ مباشرة مع بدء تكوين الجماعة، وأتت تلك الجرائم حسب الاحتياج إليها!

أما الجماعات الأخرى والتى انبثقت عن الإخوان، فقد رفضت هذه الفكرة واعتنقت فكرة تغيير رأس السلطة بالقوة المسلحة، لذلك فقد ارتبط فى أذهان المصريين أسماء تلك الجماعات بالإرهاب المسلح منذ لحظة الإعلان عن وجود إحداها!

الخطأ الثالث.. تأريخ العمل السرى المسلح فى الجماعة!

ارتبط بالفكرة السابقة وترتب عليها خطأ آخر يرتبط بتاريخ وطبيعة العمل السرى المسلح فى الجماعة. اعتقد كثيرٌ من المصريين أن ما يسمى بالجهاز السرى المسلح للإخوان تم تأسيسه بعد سنوات من تأسيس الجماعة. وأن هذا الجهاز (قد انحرف) عن مساره رغمًا عن مؤسسه ومؤسس الجماعة حسن البنا! بينما أصرت الجماعة سنوات طويلة على إنكار موافقة المؤسس على جرائم الإرهاب التى اقترفها الجهاز!

فى المناظرة الشهيرة بمعرض الكتاب يوم 8 يناير 1992م بين د. فرج فودة ورموز الإخوان، وجه فرج فودة إليهم سؤالًا نصه "قولوا لنا.. سيادة المستشار الهضيبى وهو رجل قانون يقول لنا.. إذا كان التنظيم السرى جزءًا من فضائلكم أم لا؟ تدينونه اليوم أم لا؟ هل قتل النقراشى ومقتل الخازندار هذه بدايات لحلٍ إسلامى صحيح؟ أو أن الإسلام سوف يظل دين السلام ودين الرحمة؟

وكان رد المستشار محمد مأمون الهضيبى، المتحدث الرسمى للإخوان، كالآتى "أما عما تقوله عن الإرهاب والجهاز السرى (فنحن نفخر به ونتقرب إلى الله بالجهاز السرى).. وصفق جمهور الإخوان وصاحوا (الله أكبر الله أكبر) فأضاف الهضيبى "النقراشى كان فى وقت من الأوقات من الجهات الوطنية، لكن من الذى جاء به؟ أليس الملك؟ وأليس الملك هو عميل الاستعمار والذى جاء به الاستعمار؟".

"والجهاز الخاص والذى سمى الجهاز السرى هو جيشٌ أعدّ أصلًا وتحقق فعلًا لكى يدافع فى القناة ولكى يُخرج الإنجليز.. واسأل قائد الحملة العسكرية فى فلسطين كيف حارب هؤلاء الناس؟".

هذا الكلام الخطير الصريح للهضيبى به شقان، الأول أنه اعترافٌ رسمى صريح بوجود هذا الجيش السرى الباطنى الدموى منذ الأربعينات.. أما الشق الثانى فهو أكذوبة كبرى أن الغرض من تأسيس هذا التنظيم السرى والذى يدعى المستشار أنه لمقاومة الإنجليز فى القناة والدفاع عن فلسطين، فلم يثبت قيامه بأعمال مقاومة للإنجليز، ولم يرسل حسن البنا قوام جيشه السرى إلى فلسطين، بل احتفظ به فى مصر "كما أوضحتُ فى مقال سابق بجريدة (الدستور) بعنوان أنجح وأشهر أكاذيب الإخوان..دورهم فى فلسطين!".

هذا عن اعتراف الجماعة الرسمى بممارسة الإجرام السرى المسلح، أما عن تأريخ قيامها بهذه الممارسة، وأن تلك الممارسة لاحقة لتاريخ تأسيس الجماعة بسنوات، فيكذب هذا الزعم ما أورده أحد قادة هذا التنظيم نفسه فى إحدى مراحله، وهو على العشماوى فى كتابه "التاريخ السرى للإخوان المسلمين".

ففى نطاق حديثه عن فترة انضمامه للتنظيم السرى أو النظام الخاص يقول عن تاريخ هذا التنظيم قبل انضمامه إليه:- "وبدأ الحديث عن تاريخ النظام، تاريخ بدء تكوين جماعة الإخوان وكيف بدأت فى الإسماعيلية عام 1928م، وأن تاريخ بدء النظام الخاص كان فى نفس الوقت تقريبًا.. وكان الأستاذ حسن البنا يعتبر أفراد النظام الخاص هم التعداد الحقيقى للإخوان المسلمين أما باقى الأفراد فهم- بدرجات متفاوتة– حقل لاختيار أفراد النظام الذين يحظون باهتمامه الكامل وأولويته المطلقة فى الإعداد والتربية والمتابعة، وكان يريد أن يصل بهم إلى عدد معين وهو اثنا عشر ألفًا وهو الرقم الذى لا يُقهر من قلة"!.

وما ذكره العشماوى يؤيد وجهة النظر التى تقول إن هذا هو لب فكرة تنظيم حسن البنا، وهى فكرة متطابقة فى طريقتها مع جماعة حسن الصباح الباطنية المعروفة باسم "الحشاشين".. فالصبّاح كان أيضًا يؤثر على عوام الناس خاصة الشباب بخطاب الدين والزهد والورع، ثم ينتقى منهم من يتوسم فيه القوة والطاعة، ليضمه إلى التنظيم الحقيقى السرى الذى يقرب أفراده إليه، لأنهم هم من يتولون تنفيذ ما يطلبه منهم.

لذلك فقد كان أفراد التنظيم السرى هم أساس جماعة الإخوان، أما الخلايا العلنية فهم المساندون والممولون، وهم من يتولون تهيئة القواعد المجتمعية لقبول الفكرة الفاسدة. ولهذا كان اهتمام البنا برحلات الطلاب للانتقاء من بينهم، وقد عين صالح العشماوى لتولى زمام التنظيم السرى قبل أن يتولى هو بنفسه الإشراف عليه فى مرحلة مبكرة من تاريخ الجماعة!

لذلك فاعتقاد البعض أن حسن البنا وكما يقول المصريون (حضّر العفريت ثم لم يستطع أن يصرفه!) هو اعتقاد خاطئ معلوماتيًا، فلقد حضر البنا العفريت بالفعل، لكنه أبدًا لم يكن يريد صرفه أو التخلص منه، لأن هذا العفريت هو أساس الجماعة، لكن ما حدث كان صراع قيادات وشأنًا داخليًا لا يتعداه إلى التبرؤ من العمود الفقرى لجماعته!

الخطأ الرابع.. أن جماعة الإخوان لم تتورط فى جرائم طائفية قبل فض اعتصامات رابعة والنهضة!

لم يربط المصريون فى العقود السابقة وقبل فض اعتصامات الإخوان المسلحة بعد ثورة يونيو بين جماعة الإخوان وبين جرائم محاولات إشعال الفتن الطائفية فى مصر، أو الاعتداء على دور عبادة مصرية غير مسلمة!

لكن وثائق وسجلات جرائم الجماعة قبل ثورة يوليو تكذب هذا الاعتقاد تمامًا، وتكشف عن نفس المسلك الإجرامى لباقى الجماعات الإرهابية الأحدث عمرًا من جماعة الإخوان!

كان المصريون آنذاك إما مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا، حتى بعد قيام الدولة الصهيونية الاستمعارية، لم يتخذ كل يهود مصر موقفًا مؤيدًا للكيان الصهيونى، بل بقى كثيرٌ منهم كمواطنين مصريين خاصة بعض رجال الأعمال وملاك بعض المحلات والشركات التجارية.

وبينما كانت جيوش العرب ومعها كتائب المتطوعين تحارب الجيش الصهيونى فى أرض فلسطين، كان التنظيم السرى المسلح للإخوان يقوم بأعمال إرهابية ضد بعض مصالح اليهود المصريين!

وذلك فى سلوكٍ يتفق تمامًا مع الرؤية الصهيونية التى أثبتتها الأحداث بعد ذلك، حين قامت منظمات صهيونية سرية بعمليات اعتداء ضد نفس المصالح اليهودية والأوربية لبث الذعر بين صفوف اليهود المصريين ودفع من رفض منهم الهجرة أو تأييد الدولة الجديدة إلى تغيير مواقفهم رغمًا عنهم!

حيث قام التنظيم السرى بمهاجمة وتفجير شركات اقتصادية مملوكة لمصريين يهود مثل "شركة أراضى الدلتا المصرية بالمعادى– مخزن محلات شيكوريل بحلمية الزيتون– شركة الإعلانات الشرقية– محل داوود عدس بشارع عماد الدين– محلات بنزايون بشارع قصر النيل– محلات جاتينيو بشارع محمد فريد".

حتى محاولات تفجير السينمات التى قامت بها منظمات صهيونية مسلحة بعد ثورة يوليو بغرض إثارة الفوضى وكشف حكومة الثورة وإظهار مصر بعدم قدرتها على حماية الممتلكات والأرواح مثل قضية فضيحة لافون، فقد سبقتهم إليها جماعة الإخوان قبل الثورة بمحاولات تفجير سينما ميامى وسينما مترو! 

ثم الاعتداء المباشر على مواطنين مصريين بنسف جزء من حارة طائفة اليهود القرائين! 

ولم يسلم المسيحيون المصريون من إرهاب التنظيم المسلح للجماعة، فتم ضبط واحدة من أوائل الجرائم الموجهة لكنيسة مصرية فى مصر المعاصرة، كانت الكنيسة المستهدفة فى أبى قرقاص، لإشعال فتيل صراع دينى طائفى فى مصر بين المسلمين والمسيحيين لتشتيت جهود الدولة المصرية فى نهاية الأربعينات!

الخطأ الخامس.. الفصل بين جماعة الإخوان وجماعات الجهاد الإرهابية فكريًا وتنظيميًا!

أخيرا يعتقد كثيرٌ من المصريين أن موجة ظهور الجماعات الإرهابية المسلحة فى نهاية السبعينات حتى مطلع الألفية الجديدة هى حدثٌ منفصل فكريًا وتنظيميًا عن جماعة الإخوان!

ولقد رأيتُ ذلك على الأرض بجامعة المنيا- معقل الجماعة الإسلامية مع أسيوط– حيث كان طلاب الإخوان وأساتذتهم يفصلون أنفسهم تمامًا عن أى تماس مع أعضاء الجماعة الإسلامية، وساد اعتقادٌ يصل إلى اليقين أن جماعة الإخوان جماعة (كيوت) تأنف العنف وتكره سفك الدماء وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة!

معلوماتيًا هذا يخلو تمامًا من الدقة، سواء على النطاق الفكرى أو حتى البشرى التنظيمى!

كانت البداية فى مصر حسن البنا الذى اختفى من المشهد ليحل محله (فكريًا) سيد قطب، أثناء وجوده فى السجن كتب أخطر الكتب، والتى تسببت فى سفك الدماء عبر عشرات السنوات بعده، ثم كان لقاءه بشكرى مصطفى فى السجن حلقة الوصل الكبرى بين الإخوان وبين عدة تنظيمات تكفيرية أخرى تولت تنفيذ أفكار سيد قطب الدموية المغلفة بالهوس الدينى!

مجموعة تنظيمات إرهابية تكفيرية تحت مسمى الجهاد ظهرت بداية من منتصف الستينات واستقت أفكارها من مصدرين، الأول أفكار جماعة الإخوان ومنهجها فى تنفيذ تلك الأفكار، أما المصدر الآخر فقد كان أزهريًا! الشيخ محمد خليل هراس، رئيس جميعة أنصار السنة بمنطقة عابدين!

لقد قامت تلك المنظمات عبر ما يقرب من ربع قرن بمحاولة تنفيذ جميع خطط وأفكار التنظيم المسلح الخاص بالإخوان، والتى تم ضبطها 15 نوفمبر 1948م فى السيارة الجيب!

منها على سبيل المثال خطط لتفجير سفارات أجنبية، تقارير مخابراتية عن دول وشخصيات مصرية وأجنبية، خطط لنسف ثكنات للجيش المصرى، متفجرات وأسلحة..... إلخ

لقد كانت جماعة الإخوان ترقب أبناءها الروحيين من أعضاء الجماعات الأخرى وهم ينفذون لها ما تريد دون أن تتورط بشكل مباشر، مما منحها فرصة ذهبية لتكوين إمبراطوريتها الاقتصادية وادخار وتعظيم قدرات تنظيمها السرى الذى ظهرت الإشارة إليه فى ومضات قليلة خاطفة، منها استعراضات طلاب الأزهر شبه العسكرية تمامًا كما كان يفعل أبوهم الروحى حسن البنا حين حصل من الحكومات المصرية المتعاقبة على تصاريح بتكوين مجموعات الكشافة والجوالة، فقام بتكوين خلايا تنظيمه السرى بهدوء وأريحية!

إن خط الفصل الوحيد بين الإخوان وما عداها من جماعات هو الاختلاف على إجابة سؤالٍ واحد.. بمن نبدأ القتل والاغتيال.. رءوس السلطة فى الدول، كما رأت التنظيمات الأخرى، أم الأقل فى الترتيب إن اضطروا لذلك وإرجاء قطف الثمرة لحين نضجها وسقوطها فى حجر جماعة الإخوان؟!