جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حياة جديدة.. «العفو الرئاسى» تبدأ أكبر خطة لدمج المفرج عنهم فى المجتمع

جريدة الدستور

أشادت أحزاب سياسية وحقوقيون بإعلان لجنة العفو الرئاسى عن سعيها لمساعدة جميع الشباب المفرج عنهم، وتسهيل عملية دمجهم فى المجتمع، وإزالة أى عراقيل أو إجراءات أمام عودتهم إلى أعمالهم أو دراساتهم وغيرها.

وباشرت اللجنة عملها على ملف دمج المفرج عنهم، وتلقت عددًا من الطلبات لمواقف للمفرج عنهم سواء بقرار من النيابة العامة أو بقرارات العفو من رئيس الجمهورية.

وبالفعل تم تنفيذ عدد من الإجراءات بعودة البعض لأعمالهم أو توفير فرص عمل، كما يتم التنسيق مع الجهات المعنية بالدولة لحل بعض الأمور الإجرائية المتعلقة بمنع السفر أو التحفظ على الأموال.

وأكدت اللجنة، فى بيان أمس، أنها وحدها- دون غيرها- التى تقوم بالتنسيق مع جهات الدولة فى هذا الشأن، ولا صحة لما تعلنه بعض الكيانات أو الأحزاب أو الشخصيات بذات الشأن.

أعضاء اللجنة:مقابلات مع المخلى سبيلهم لسماع طلباتهم

قال كريم السقا، عضو لجنة العفو الرئاسى، إن اللجنة تعمل حاليًا على فحص قوائم الشباب المفرج عنهم، حيث سيتم من خلال الفحص وضع آليات لاستقبال الطلبات، إضافة إلى إجراء مقابلات للتواصل المباشر مع المخلى سبيلهم، لبحث حالاتهم واحتياجاتهم.

وأضاف «السقا» أنه بالتعاون مع الجهات المعنية، تسعى اللجنة لحل أزمات الشباب المفرج عنهم، مع العمل على دمجهم مجتمعيًا من خلال عدة طرق، مشيرًا إلى أن هناك اهتمامًا قويًا لدى الرئيس وداخل اللجنة بدعم من يخرجون من السجون ومساعدتهم على العودة للحياة مرة أخرى، وكذلك مساعدتهم على عودتهم لأعمالهم، سواء كانوا موظفين أو طلابًا.

وذكر أن الرئيس السيسى شدد على ضرورة عودة المفرج عنهم لحياتهم الطبيعية ووظائفهم مرة أخرى، حسب وضع كل حالة، لافتًا إلى أن اللجنة بدأت بالفعل فى التواصل مع المفرج عنهم من أجل بحث متطلباتهم.

ووجه النائب محمد عبدالعزيز، عضو لجنة العفو الرئاسى وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى على دعمه المتواصل لعمل اللجنة، والتعاون المستمر بين اللجنة ومؤسسة الرئاسة وكل الجهات المعنية التى تسهل مهمتها.

وأضاف «عبدالعزيز» أن الهدف ليس فقط إخلاء سبيل هؤلاء الشباب، إنما إعطاؤهم فرصة أخرى، فمن «المهم هو إعادة دمجهم مرة أخرى فى الحياة الطبيعية»، لافتًا إلى أن اللجنة أطلقت مبادرة للدمج المجتمعى، تتولى مساعدة أى شخص تم إخلاء سبيله أو العفو عنه، حال مواجهته أى مشكلة فى ممارسة حياته بشكل طبيعى، مع حل أى عراقيل مثل الفصل من العمل أو من الدراسة، منوهًا إلى أن اللجنة تفحص كل الشكاوى والطلبات المتعلقة بذلك، وتتعاون مع الجهات المعنية لحلها.

وأشار إلى أن الخطوة بادرة إيجابية، وتأتى فى صالح مسار الحوار الوطنى الذى يجرى حاليًا، وستلقى ترحيبًا من كل القوى السياسية والحزبية المشاركة فى الحوار، وتعزز من مصداقية عمل اللجنة ومصداقية المرحلة الجديدة التى تُبنى على أساسها الجمهورية الجديدة، التى تستوعب الجميع، حتى لو كان هناك اختلاف فى الرأى بينهم، وهو الأمر الذى أكد عليه الرئيس خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، فى شهر رمضان الماضى.

حقوقيون:إثبات لجوهر المبادرات الرئاسية فى توفير حياة كريمة للمصريين

رأى الدكتور ولاء جادالكريم، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن من حق المفرج عنهم والمخلى سبيلهم أن يستعيدوا حياتهم الطبيعية، بالحصول على فرص لكسب الرزق واستكمال التعليم، عبر إعادتهم لأعمالهم أو مؤسساتهم التعليمية التى كانوا ملتحقين بها قبل السجن أو الحبس الاحتياطى.

وقال «جادالكريم»، لـ«الدستور»: «الأمر هنا مرهون بالإطار القانونى والتشريعى المنظم والعلاقات التعاقدية بين المفرج عنهم والمخلى سبيلهم من جانب، والجهات التى كانوا يعملون بها من جانب آخر».

وأشار إلى أنه فى حالة المفرج عنهم بقرارات عفو رئاسى، فإن هناك إدارة مهمة فى قطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا فى هذا الشأن، وفقًا لاختصاصها القانونى، وهى إدارة الرعاية اللاحقة، بينما المخلى سبيلهم من الحبس الاحتياطى قد يحتاجون إلى دعم بشكل مختلف من أطراف مجتمعية وحكومية لتمكينهم من العودة لأعمالهم أو بدء أعمال جديدة مرتبطة بمجال خبرتهم.

وتابع: «من وجهة نظرى، أرى أن أى جهد أو خطوات فى هذا الاتجاه من القيادة السياسية أو الحكومة أو وزارة الداخلية أو لجنة العفو الرئاسى، هو جهد محمود ويسهم فى تحقيق جوهر المبادرة الرئاسية».

من جهته، قال هانى إبراهيم، رئيس مؤسسة المحروسة للتنمية والمشاركة عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن لجنة العفو الرئاسى تمثل مبادرة أساسية من ضمن مبادرات رئاسة الجمهورية التى تستهدف توفير حياة كريمة للمصريين، مؤكدًا أن قرارات العفو لصالح المحبوسين احتياطيًا تمثل فرصة لمئات من الشباب، لاستكمال حياتهم والاندماج مجددًا مع المجتمع. وأضاف «إبراهيم»: «لجنة العفو الرئاسى جرى تفعيلها من قِبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية فى شهر رمضان الماضى، ووقتها وصفها الجميع، معارضين ومؤيدين، بأنها خطوة على طريق الإصلاح الديمقراطى والسياسى».

وواصل: «كانت اللجنة بتشكيلها الأول أحد مخرجات المؤتمر الوطنى للشباب الذى عُقد فى مدينة شرم الشيخ عام ٢٠١٧، وكُلفت وقتها بمراجعة كل ملفات وقضايا المحبوسين احتياطيًا من السياسيين، إذا ما كانوا غير متورطين فى أعمال عنف، ليتم الإفراج عنهم بقرار من رئيس الجمهورية، وفقًا لما كفله له الدستور المصرى من حقوق فى المادة ١٥٥، التى تنص على أن (لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأى مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها، ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون يقر بموافقة غالبية أعضاء مجلس النواب).. إلا أن هذه اللجنة لم يدم عملها طويلًا».

وأشار رئيس مؤسسة المحروسة إلى أنه بمتابعة أعمال لجنة العفو الرئاسى الحالية نجد اتساع نطاق عملها ليشمل الغارمين والغارمات، إلى جانب الشباب المحبوسين فى قضايا الرأى، والعديد من القانونيين والسياسيين المنتمين للحركات السياسية أو الأحزاب، مضيفًا أنه لا تزال هناك توقعات كبيرة بخصوص فاعلية اللجنة وقدرتها على التوسع فى الإفراج عن حقوقيين وسياسيين يجب النظر إليهم من منظور الحق فى الحصول على حريتهم، طالما لا توجد إدانة ضدهم بارتكاب عنف أو عمل إرهابى ضد مؤسسات الدولة وضد مواطنيها.

وأشاد بفكرة المبادرة المجتمعية نحو الدمج المجتمعى للشباب المفرج عنهم، ودراسة حالاتهم، مؤكدًا أنها خطوة نحو الأمام فى استيعاب قدرات الشباب والاهتمام بهم.

أحزاب:قرارات الدولة تبرهن على جدية تنفيذ بنود الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان

أشاد عدد من الأحزاب السياسية بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى للجنة العفو الرئاسى بشأن تذليل العقبات أمام المفرج عنهم، وتلقى اللجنة جميع الطلبات من المفرج عنهم لتلبية أى احتياجات أو متطلبات من شأنها إعادتهم لحياتهم الطبيعية، وفى مقدمتها حل أى مشكلات متعلقة بالعمل أو رفع الآثار الناجمة عن فترة الحبس، مؤكدة أن الرئيس أب لكل المصريين، ويسعى لفتح صفحة جديدة معهم وتعويضهم.

وقال النائب عاطف مغاورى، نائب رئيس حزب التجمع رئيس الهيئة البرلمانية، إن توجيه الرئيس بتذليل العقبات أمام المفرج عنهم يشير إلى حدوث انفراجة كبيرة فى هذا الملف، و«أمر إيجابى أن تهتم القيادة السياسية بأحوال المفرج عنهم»، موضحًا أن هذه القرارات تؤكد حرص الرئيس على تنفيذ بنود الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والحفاظ على كرامة كل مواطن وصون حقوقه.

وأكد «مغاورى» أن لجنة العفو الرئاسى أنجزت دفعات كثيرة من خلال إصدار القوائم المتتالية عن المفرج عنهم، لافتًا إلى أن هذا يؤكد مصداقية مصر فى تنفيذ بنود استراتيجية حقوق الإنسان، وترجمتها من خلال الإفراج عن أسماء متنوعة من مختلف الاتجاهات، ما يحقق جميع وعود القيادة السياسية ويؤكد صدق توجهاتها.

وأكد المهندس إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصرى الديمقراطى، أن القرارات المتتالية للجنة العفو الرئاسى عن العديد من الشباب المحبوسين احتياطيًا أمر إيجابى وجيد وتعكس وجود جدية كبيرة لدى لجنة العفو وحرصها على إنجاز القوائم الخاصة بهؤلاء الشباب، وأيضًا تشير إلى وجود انفراجة وأرضية مشتركة يقف عليها الشعب والقيادة السياسية.

وأضاف أن توجيهات الرئيس للجنة العفو ستسهم فى تعويض المفرج عنهم عن الفترة التى قضوها فى السجون وضياع الكثير من الفرص سواء فى العمل أو التعليم، أو الحياة العامة، مشيرًا إلى أن الحوار الوطنى تشارك به أحزاب كثيرة سواء مؤيدة أو معارضة، وهذه فرصة كبيرة من أجل توحيد الرؤى ووجهات النظر الخاصة بكل فكر سياسى، من أجل تحقيق مصلحة الدولة، وتوفير حياة كريمة للمواطنين، ومواجهة التحديات الراهنة التى تعيشها مصر، جراء التأثر بالتداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية.

وقال المهندس موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، إن توجيهات الرئيس تؤكد حرصه على تعويض هؤلاء الشباب عن الآثار السلبية الناجمة عن وجودهم فى السجون، ما يبعث فى النفس الطمأنينة بوجود قيادة سياسية حريصة على مستقبل كل شبابها، دون التفرقة، وتريد أن تفتح صفحة جديدة معهم.

وأضاف أن تلك التوجيهات تسهم فى مساعدة المفرج عنهم على العودة من جديد إلى حياتهم الطبيعية وحل أى مشكلات متعلقة بالعمل، أو التعليم أو الحياة العامة أو الخاصة، مشيرًا إلى أن تلك الخطوة مهمة وجيدة، وتشير إلى أن القيادة السياسية تريد الوقوف بجانب شبابها، وتمنحهم مزيدًا من الفرص للعطاء والاجتهاد من جديد.

ولفت إلى أن لجنة العفو مستمرة فى عملها بشكل متواصل ودءوب، وخير دليل على ذلك الإفراج حتى الآن عن أكثر من ٧٧٠ شخصًا، ما يعكس جديتها فى العمل، وحرصها على الإفراج عن أكبر عدد من المحبوسين احتياطيًا. 

خبراء علم نفس وسياسة:تطبيق «الرعاية اللاحقة» والاستعانة بالأزهر ودار الإفتاء لتصحيح المفاهيم المغلوطة

قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، إن المفرج عنهم فى قضايا تتعلق بالرأى والحريات ومثل هذه القضايا، يحتاجون إلى احتواء ودمج فى المجتمع، لأن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، لذا يجب العمل على الاستماع لفكر هؤلاء ومناقشته، والالتقاء عند مصلحة الوطن، ثم العمل على تعديل هذا الفكر مع الوقت إن تطلب الأمر ذلك.

وأضاف أن تلك الفئة تختلف كثيرًا عن المسجونين فى قضايا جنائية تتعلق بالعنف أو البلطجة أو السطو المسلح وغيرها، لأن هذه الفئة لا يمكن دمجها فى المجتمع إلا بعد تطبيق مناهج التهذيب والإصلاح عليها، كما أن المجتمع نفسه سيظل خائفًا من هؤلاء لاحتمال عودتهم إلى ما كانوا فيه، وهو وضع يختلف كثيرًا عن وضع المفرج عنهم عبر العفو الرئاسى.

من جهته، نصح الدكتور طه أبوحسين، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، بتطبيق «الرعاية اللاحقة» على المفرج عنهم خلال العفو الرئاسى، من أجل مساعدتهم على تغيير أسلوب ونمط حياتهم الذى اعتادوه فى السجون، حتى يمكنهم مواجهة المجتمع من جديد والعودة إلى نمط حياتهم السابق دون خوف.

وأضاف: «الرعاية اللاحقة ستوفر الاحتواء لأنها تتضمن الدمج فى المجتمع عبر المساعدة على توفير عمل للمفرج عنه يساعده على جنى الأموال والشعور بالتحقق الذاتى والاكتفاء، وهو ما يجرى تحت أعين الجهات المسئولة، ويساعد على عدم العودة إلى حياة الجريمة».

وفى السياق ذاته، قال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، إنه لا بد من مراجعة أفكار وآراء المفرج عنهم، على أن تكون مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء مسئولتين عن ذلك، لمساعدة المفرج عنهم على تصحيح الأفكار المغلوطة، والعودة ليكونوا مواطنين صالحين فى المجتمع وليس مجرد خريجى سجون. 

وأضاف: «لدينا تجربة سابقة تمت فى تسعينيات القرن الماضى، حينما تم الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين والمسجونين، وهى آلية يمكن الاستعانة بها مجددًا، كما يمكن أن يلعب المجتمع المدنى دورًا مهمًا فى دمج هؤلاء المسجونين فى المجتمع عبر مشاركتهم فى مشروعات خيرية ومجتمعية تساعدهم على الدمج والعودة للحياة الطبيعية من خلال الاحتكاك المباشر مع المجتمع».