جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أمر يستحق الفرجة

لكن الست مش ملزمة بـ ….. ششششش، لأ الست ملزمة، ولا الراجل ملزم. ولا الموظف ولا المدير، ولا صاحب العمل ولا العامل، ولا المالك ولا المستأجر، ولا أي حد ملزم تجاه أي حد بأي حاجة (في المطلق كدا وابتداء ودائما وأبدا).
علاقات البشر، سواء كانت إنسانية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، هي "تعاقدات"، وقلت وأقول: دور المجتمعات الشاطرة في التعاقدات هي الصيانة مش الصياغة. يعني، المجتمع لا يصوغ بنود التعاقد بين أي طرفين، ولا ينبغي له، إنما يجتهد في أن يصون التعاقد، وفي إن كل واحد التزم فعلا تجاه الطرف التاني بحاجة، يؤديها.
لكن هنا سؤال: ماذا عن حقوق المرأة/ الطفل/ العمال/ ....، حقوق الإنسان عموما، أليست هذه إلزاما لأحد الأطراف بصيغة معينة في التعاقدات؟ الإجابة: كلا البتة، دي كمان صياغة، لكنها استباقية.
يعني إيه؟ يعني حرية الإنسان في صياغة بنود تعاقداته، يلزمها إرادة، فالمجتمع بيبقى حابب يعني إن الأفراد يمتلكوا الحد الأدنى من تلك الإرادة، ما يبقاش عقد إذعان بالكامل.
لما يقول لك مثلا: الحد الأدنى من الأجور ألفين جنيه، أو ممنوع الفصل التعسفي، أو أوهو هنا مش بيقول إنه كل واحد بيشتغل يحصل على ألفين جنيه في الشهر، إنما دا "الحد الأدنى"، لو نزلنا عنه يبقى بالضرورة العقد باطل.
وأزيدك من الشعر بيتا، أو من البيت شعرا مش فاكر، كل الحاجات الحلوة دي بتكتب في الدساتير والقوانين واللوايح، إنما في النهاية، اللي بيحصل على أرض الواقع إن الاتفاق هو اللي بيمشي.
الاتفاق دا بيحصل نتيجة توازن القوى بين الأطراف المختلفة، أو ما نسميه العرض والطلب بـ«المفهوم الواسع» إنت بتقول لي: ممنوع الفصل التعسفي للموظف؟ ماشي!هاخليه وهو بيتعين يوقع استقالة من العمل، وإلا مش هاعينه. يوم ما أحب أفصله، أمضي موافقة على الاستقالة، مثلا يعني.
عموما عموما، كل واحد بيبقى عايز أفضل شروط في تعاقداته، لكنه بيقبل/ يرفض بما تتيحه له قوته في الصراع، ثم كيفية إدارة هذه القوة في ذلك الصراع.
لما بأقول قوة وصراع، مش قصدي أداء عنيف وشرس وجاف، وخناقات ونزاعات دائمة وما إلى ذلك، إنما حتى الأمور الإنسانية والعاطفية وما إلى ذلك: فيها قوة وفيها ضعف، وفيها صراع. الصراع غير النزاع.
إنما خلينا برضه نقول حاجة: الأمور دي لا تحدث في الفراغ، كون الإنسان ابن مجتمع ما فموازين القوى دي تُترجم عادة لمفاهيم، هذه المفاهيم تشكل إطارا، داخل هذا الإطار يحدد الإنسان شروطه في تعاقداته. 
يعني، إنت شايف نفسك كذكر ملزم بإيه ومش ملزم بإيه تجاه أنثاك، دا ناتج من مفهومك، وكذلك بالنسبة للست، المفهوم دا تشكل من الصراع الاجتماعي زي ما اتفقنا، ثم كل واحد يدور على من يقبل/ تقبل بتلك الشروط، أيا كان شكل قعدة المفاوضات، اللي بتبدأ بأننا بـ"نشتري راجل" و"ما تهمناش الفلوس" وتنتهي بأنها "مش أقل من بنت خالتها"، مثلا مثلا يعني.
طيب، ليه حاصل دلوقتي جدالات كتيرة وشبه مستمرة، حوالين الست ملزمة ومش ملزمة، والراجل مش عارف ماله؟
علشان حضرتك حاجتين: الأولى، نحن نعاني من تشوش مفاهيم. عموما يعني، مش بس في حالة الزواج وعلاقات الرجل بالمرأة، لأ، فيه حالة عامة من التشوش ناتجة أساسا من خلل في الصراعات، الزحام والعشوائية اللي بنعيشهم، مش بيدوا فرصة لتشكل مفاهيم عندها الحد الأدنى من التماسك.
دا نتيجة عدم انتظام الصراعات الاجتماعية، ودا كله راجع لارتباك أنماط الإنتاج عندنا، وتوظيف البشر داخل تلك الأنماط، حتى مسيرتنا الشخصية، بتلاقيها مليانة تحولات عنيفة دراماتيكية، تتدخل فيها الصدفة على نحو كبير، الصدف تنشط في العشوائية زي ما حضرتك عارف. بالتالي عمالين نلوش.
السبب التاني: فيه إصرار رهيب على إنه حل تلك العشوائية، في البحث عن نمط واحد شامل كامل، تنتظم فيه كل الحاجات والمحتاجات، والنمط أكيد محتاج مرجعية، فروح بقى للدين، لحقوق الإنسان، لأي من هاتيك العموميات، اللي مش ممكن تحمل الإجابة في حد ذاتها، لأنك دايما هتصطدم بمفاهيم تشكلت في مجال صراع اجتماعي مختلف، وغير قابلة لتحديد أطر لأي صياغات في عصرنا، وفي دولتنا.
يعني حضرتك، إحنا ناس ما عندناش مفاهيم متنوعة لها الحد الأدنى من التماسك، فبندور على مفهوم شامل مطلق التماسك، فدي حاجة لطيفة خالص، تستاهل الفرجة، بس يعني ما ينفعش تاخدها على مجمل الجد.