جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

بابا الكنيسة.. والوطن

طوبى لكل المسئولين الذين تواجدوا فى مواقع المسئولية منذ 25 يناير 2011 إلى وقتنا هذا، إنهم أبطال، وأيضًا طوبى لكل من تصدر المشهد ودافع عن الوطن وتماسك مؤسساته فى تلك الفترة، حرب شعواء من كل الاتجاهات محملة بالأتربة والرمال تسوقها المواقع الإلكترونية وهى من أعنف وأصعب الحروب لأنها تدار «عن بُعد» عبر نشر الشائعات والأكاذيب لتحطيم إرادة ومعنويات الشعب وكسر التماسك والتلاحم القوى بينه وبين مؤسسات الدولة.

وهى «حروب الجيل الخامس والسادس» القائمة على تقزيم القامة وتهميش القيمة ليصبح الكل مستباحا تحت مسميات عديدة للحقوق وحرية التعبير.

تلك هى الحرب التى تم توطينها داخل ثقافة المواطن المصرى والتى تعتمد على اللاوعى والإدراك والتميز، فينجرف الكثيرون ويصبحون أدوات تساق فى الاتجاه المرغوب فيه طبقًا للهدف المرسوم.

«خلوا بالكم من قداسة البابا والرجال يوزنون بالمواقف» تلك العبارة كانت للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء تواجده داخل كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الجديدة فى ليلة 7 يناير 2022 «للتهنئة بعيد الميلاد» موجهًا حديثه للشعب القبطى والمصرى، وعندما تخرج تلك الكلمات من رأس الدولة فحتما تحمل الكثير من المعانى والمعطيات، لأنها تعبر عما يتعرض له قداسة البابا من ضغوط كبيرة، أصبحت محض اهتمام رأس الدولة.

وفى كل ذلك يثبت الرجل أنه ليس رجل دين فقط بل رجل وطن ودولة نجده يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

منذ توليه مقاليد الكرسى البابوى فى 4 نوفمبر 2012 وهو يواجه حربًا شرسة داخليًا وخارجيًا تلك الحرب ليس المقصود منها شخصه بل الوطن ممثلًا فى الكنيسة المصرية، وهى حرب موجهة ومقصودة وكما سلفنا الذكر من ضمن حروب الأجيال المتقدمة التى تعتمد كليًا على مساحة اللاوعى والإدراك والثقافة والتمييز، ولكن كان الرجل «جبار بأس» وبطلا حقيقيا فى المواجهة مثله مثل كل المسئولين وعلى رأسهم السيد الرئيس، فلم يهتز بل ما زال صامتا صامدا شامخا قويا، 
وأثبت قداسته أن لديه مساحة كبيرة وإدراك واسع لهدف تلك الحرب ضد الوطن وكنيسته.

فمن داخل شعب كنيسته طالته اتهامات عدة وكثيرة لا أساس لها من الصحة بل كلها مفتعله يتناقلها ضعفاء الرؤية والثقافة عبر استلامها من اللجان الإلكترونية المغرضة، لكن الذى لا يعلمه هؤلاء أن قداسة البابا بجانب حرصه على الوطن وتماسكه واستقراره هناك حرص روحى آخر، وهو رسالة التسامح والغفران والمحبة التى يرسلها للجميع، فرغم بشاعة الاتهامات والتطاول لكن ما زال الرجل يتمثل بسيدة الذى قال وهو معلق على خشبة الصليب يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.

أمس أرسل لى البعض نموذجا تحت عنوان «حملة التعليم المستقيم سحب الثقة من البابا تواضروس والمجمع المقدس» بالطبع كل كلمات الدعوة ركيكة فى طرحها ومطالباتها وتنم عن انحدار ثقافى وروحى، وواضح منها الغرض الدنىء لحدوث ارتباك فى المشهد الكنسى الذى هو جزء من المشهد الوطنى وسط بسطاء الشعب، فرجال الكنيسة بكل الرتب الكنسية على قدر من المسئولية الوطنية والروحية ولديهم حكمة وفرز روحى وثقافى للأحداث والمواقف ويساندون شخص البابا ممثلًا عن الكنيسة ويساندون الكنيسة كجزء من دائرة الوطن الأوسع.

وما أود أن أقوله لهؤلاء الذين يهاجمون قداسة البابا، قفوا قليلًا وابحثوا عن خلاص نفوسكم وتعمقوا فى كلمات وتعاليم السيد المسيح لكى تعلموا أن أساس الإيمان السليم هو المحبة، وإيمان دون أعمال ميت، والأعمال هنا هى أعمال المحبة، فالذى يحب كنيسته يحب وطنه والذى يحب وطنه يدافع عن كل مؤسساته، حتى تعبر مصر والكنيسة تلك المرحلة الصعبة إنها «حرب وجود» وفى الأخير ستظل كنيسة الوطن شامخة، وسيظل قداسة البابا رمزًا وطنيًا.