جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

على الغاياتى.. الشعر والوطنية

فى ٢٧ أغسطس عام ١٩٥٦ توفى الشاعر الوطنى العظيم على الغاياتى، الذى ربما لم تسمع باسمه الأجيال الجديدة. ولو بيدى لأقمت له نصبًا تذكاريًا ضخمًا فى دمياط، حيث ولد عام ١٨٨٥ وأطلقت اسمه على شارع كبير عامر بالحركة وجعلت حياته الفريدة وكفاحه الثابت جزءًا من التعليم المقرر فى المدارس. 

ولد «الغاياتى» وقد وقعت مصر لتوها فى قبضتى الاحتلال الإنجليزى واستبداد الخديو، وما إن اشتد عوده حتى انضم إلى صفوف الحزب الوطنى مع مصطفى كامل ومحمد فريد حملة شعلة النضال الوطنى التى تفجرت بعده ثورة ١٩١٩، وخاض على صفحات مجلة كان يصدرها الشاعر خليل مطران أولى معاركه الصحفية عام ١٩٠٧ ضد رجال الدين الموالين للقصر والاحتلال ووصفهم بأنهم: «من ذوى الأفكار العتيقة البالية الجهلة»، فسجنته الحكومة جراء شجاعته نحو أسبوعين، خرج بعدها ينشر قصائده النارية ويؤيد كل فعل ثائر فى مصر والهند من أجل إجلاء الإنجليز والعمل بالدستور ومكافحة الفساد ونشر التعليم.

وحين زار مصر الرئيس الأمريكى تيودور روزفلت عام ١٩١٠ وأشاد فى زيارته بالاحتلال البريطانى، هاجمه «الغاياتى» بعنف على صفحات الجرائد، فلفقت له الحكومة تهمة سُجن بسببها، فلم يغير السجن منه شيئًا، وخرج ليواصل مقالاته وقصائده، حتى أصدر عام ١٩١٠ ديوانه الشهير «وطنيتى»، وكان الزعيم محمد فريد قد كتب مقدمة للديوان، وأضاف الشيخ عبدالعزيز جاويش كلمة إليها، فقدرت الحكومة أن الديوان المشحون بالغضب على الاحتلال والقصر عمل عدائى، وحكمت على محمد فريد وجاويش بستة أشهر سجنًا، وسنة كاملة لعلى الغاياتى، لكن الشاعر الوطنى العظيم كان قد قص شاربه ولبس نظارة سوداء وتنكر فى ملابس إفرنجية «وهو أزهرى». ثم تمكن من الهروب من ميناء الإسكندرية إلى تركيا! 

يقول فتحى رضوان فى كتابه «عصر ورجال» عن ديوان «وطنيتى»، الذى سجن ثلاثة رجال: «إنه بلا شك ديوان الوطنية المصرية فى الفترة ما بين سنة ١٩٠٧ وسنة ١٩١١، وإذا قرأته اكتملت لديك صورة كاملة للعهد الذى ظهر فيه، إذ لم تترك قصيدة منه حدثًا سياسيًا إلا وتعرضت له بروح ثائرة محبة للوطن». 

لم يطل «الغاياتى» إقامته فى تركيا، حيث كان يصدر جريدته «دار الخلافة» فهاجر إلى سويسرا، وعاش هناك على تدريس اللغة العربية وأصدر فى جنيف صحيفته «الشرق» وداوم على الكتابة لصحيفة الحزب الوطنى فى مصر، مجاهرًا فى كل مكان بعدائه الثابت للاحتلال والاستبداد.

وأقام على الغاياتى فى جنيف حتى الخامس من فبراير ١٩٣٧حين سنحت له فرصة العودة إلى مصر، فرجع إلى القاهرة ليصدر مرة أخرى جريدة «منبر الشرق»، ويعيد طباعة ديوانه «وطنيتى» ويواصل الشعر فى محبة الوطن. يستحق «الغاياتى» محبة كل أبناء الوطن فى ذكرى وفاته السادسة والستين التى تحل فى ٢٧ أغسطس.