جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

قصة الوشم.. كيف تحول من المحرمات إلى أجمل فنون الرسم على الجسد

قصة الوشم
قصة الوشم

يمتلك الوشم جذورًا قديمة، وقد تحول في السنوات الأخيرة من كونه من المحرمات إلى جزء من النسيج الاجتماعي، ويقول الدكتور «وو بريان وو»، فنان الوشم البارز المقيم في لوس أنجلوس، والذي يحظى بـ1.8 مليون متابع على إنستجرام، وعملاء رفيعي المستوى من بينهم جاستن بيبر ومايلي سايروس ودريك: «لقد جئت من عائلة مهاجرة آسيوية تقليدية جدًا، لذلك لم يكن والداي منزعجين جدًا عندما اختار ابنهما هذا المسار الوظيفي».

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، فإن الرسم على الجسد لم يعد يحمل نفس الدلالات السلبية، وكشفت أحدث الابحاث واستطلاعات الرأي مدى الانتشار الثقافي الذي يتمتع به الوشم في كل مكان حاليًا. 

واقترح استطلاع أجرته «يو جوف» عام 2015 أن خُمس البالغين البريطانيين لديهم وشوم، في حين أن أحدث الأرقام من إبسوس تظهر أن 30٪ من جميع الأمريكيين لديهم رسم واحد على الأقل على أجسادهم، وهو رقم يرتفع إلى 40٪ بين من هم دون سن 35، فما كان يُنظر إليه ذات مرة على أنه ثقافة فرعية مرتبطة بالبحارة الرحل وعصابات راكبي الدراجات النارية أكثر من الطبقات الوسطى، أصبح الآن قوة رئيسية منتشرة في كل مكان وصناعة تتكلف 3 مليارات دولار سنويًا.

وتابعت الإذاعة البريطانية، أن الوشم أصبح بمثابة طقوس لأكبر نجوم البوب ​​في العالم بوست مالون، بيلي إيليش، والرياضيين ليبرون جيمس، ليونيل ميسي بأن يقوموا بحفر الوشم في جميع أنحاء أجسادهم ووجوههم، مما يلهم المشجعين لفعل الشيء نفسه، كما تستفيد بيوت الأزياء الكبرى من مشاهير موشومين لإضفاء ميزة على علامتهم التجارية فعلى سبيل المثال الممثل الكوميدي ذو الوشم الثقيل بيت ديفيدسون هو الوجه العالمي الحالي لـ H&M؛ تسمح شركة الطيران فيرجن أتلانتيك للموظفين بالتباهي بأذرعهم الموشومة أثناء الرحلات الطويلة؛ كما خفف الجيش الأمريكي القواعد التاريخية التي تحظر رسم الوشم المرئي على أجساد القوات، متذرعًا بـ«تغيير الأعراف الاجتماعية» كسبب.

ويوضح مات لودر، المحاضر البارز في الفن في جامعة إسيكس والمتخصص في تاريخ الوشم: «لا يمكن إنكار مدى وضوح الوشم في الوقت الحالي، إنها صفقة ثقافية أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى»، مشيرًا إلى أنه لطالما كانت الرغبة في نقل القصص والرغبات عن طريق رسم شيء ما على بشرتنا حاجة إنسانية أساسية.

وتابع: «في أحد الأيام أرسل لي أحدهم منشورًا إعلانيًا من مكتب البريد البريطاني، يظهر فيه والد طفل صغير مع ذراع كامل موشوم مرئي، وفي هذا الوقت كان من الممكن أن يكون لدى مكتب البريد البريطاني رد فعل عنيف، ولكن الآن الأمر مقبول».

وسيط تاريخي وليس ظاهرة

وعلى الرغم من انتشار الوشم بين فئات عديدة في العالم، إلا أن لورد يصر على أنه من المهم أن يتم اعتبار الوشم وسيط تاريخي وليس ظاهرة حديثة، حيث غالبًا ما تقلل وسائل الإعلام من تراث الفن من خلال تضييق نطاق الشعبية الحديثة فقط. 

ولفهم مسار الوشم حقًا، يؤكد لورد أنه يجب علينا التعمق في التاريخ، قائلاً: «كان الوشم الغربي شكلاً فنيًا يعتمد على السلع منذ حوالي 140 عامًا فقط»، مشيرًا إلى أن أحد الدوافع الرئيسية وراء تسويقه في المملكة المتحدة كان الملك جورج الخامس، الذي حصل على وشم التنين على ذراعه أثناء رحلة إلى اليابان عندما كان مراهقًا في عام 1881ـ  وعلى العكس من ذلك، يضيف: «علينا أيضًا أن نتذكر أن هناك دليلًا ماديًا على الوشم يعود تاريخه إلى 3250 قبل الميلاد».

الجذور القديمة

ووفقًا للورد، فإن بداية اكتشاف الوشم قديمًا على «أوتزي» وهو رجل جليدي أوروبي من تيرول، تم حفظ جسده المتجمد تحت نهر جليدي في جبال الألب على طول الحدود النمساوية الإيطالية، قبل أن يكتشفه زوجان ألمانيان بعد 5300 عام من وفاته خلال إجازتهما سيرًا على الأقدام في جبال الألب. 

كان لدى أوتزي 61 وشمًا على جسده، مع مجموعات من الخطوط الأفقية والعمودية يُعتقد أنه كان له غرض علاجي يشبه الوخز بالإبر، ونظرًا لأنها تميل إلى التجمع حول أسفل ظهر والمفاصل، وهي مناطق يقول علماء الأنثروبولوجيا أن رجل الثلج كان يعاني من آلام وأوجاع تنكسية.

وأشارت الإذاعة البريطانية إلى أن رجل الجليد ليس المومياء الوحيدة التي تمتلك وشومًا، حيث يمتلك المتحف البريطاني منذ أكثر من 100 عام مومياء فرعونية تمتلك وشمًا على ذراعها على شكل خروف وآخر على شكل ثور، ويعود تاريخ المومياء إلى فترة ما قبل الأسرات في مصر القديمة أي أن عمرها يتجاوز الـ 5 آلاف عام.

وأوضحت أنه من الممكن أن المصريون استخدموا مادة كربونية تحت الجلد، حيث يعتقد الخبراء أنه من المحتمل أن يكون نوعًا من السخام، كما أن هناك أيضًا دليل على أن نساء مصر القديمة كان لديهن أوشام، حيث يتوقع الخبراء أنه تم نحتها في الجلد حتى تحمي الآلهة أطفالهن أثناء الحمل، حيث أظهر اكتشاف أمونت عام 1891، وهي كاهنة للإلهة حتحور في طيبة، وشمًا واسع النطاق عبر منطقة بطن الجثة المحنطة.

وتابعت أنه تم اكتشاف كاهنة محاربة تحمل وشمًا كثيفًا يطلق عليها اسم «أميرة أوكوك» من قبل علماء الآثار في جبال ألتاي- التي تمر عبر روسيا والصين ومنغوليا وكازاخستان- في عام 1993، وكان اكتشاف هذه الجثة التي يبلغ عمرها 2500 عام على وجه الخصوص مهم بسبب الحفاظ على الجلد الأصلي والجذع الذي يتميز برسوم توضيحية متطورة بشكل جميل للوحوش الأسطورية، بما في ذلك قرون الجدي.

وأوضحت الإذاعة البريطانية، أنه يُعتقد أن الأميرة كانت في الـ 25 من عمرها عندما توفيت، وكانت واحدة من قبيلة Pazyryks، وهي قبيلة من العصر السكيثي رأت أن الوشم الجسدي هو علامة على الوضع الاجتماعي، وشيء من شأنه أن يسهل عليهم العثور على أحبائهم في الحياة الآخرة. 

كل هذه الاكتشافات، وفقًا لودر، تحطم تمامًا فكرة أن الوشم هو أمر عصري، إذا كان هناك أي شيء، فهو أحد أقدم الأشكال الفنية المسجلة، حيث كانت البداية مع مومياوات الفراعنة، إلا أن الأدلة تشير إلى أن الوشم كان موجود مع بداية البشرية.

وقال: «تشير أفضل الأدلة الحالية إلى أن الوشم يعود إلى 45 ألف سنة مضت، هذا عندما طور البشر سلوكًا مرئيًا رمزيًا وتواصليًا، لطالما كانت الرغبة في نقل القصص والرغبات عن طريق رسم شيء على بشرتنا حاجة أساسية للإنسان».