جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مطلوب استراتيجية ثقافية جديدة

تولى د. نيفين الكيلانى منصب وزير الثقافة مؤخرًا مناسبة جيدة للمطالبة باستراتيجية ثقافية جديدة، الاستراتيجيات القديمة أثبتت فشلها الذريع، كل التصورات القديمة لم تؤدِ إلى شىء، مطلوب استراتيجية جديدة تراعى تحديات المجتمع المصرى وتحشد جيش المثقفين المصريين فى المعركة، قرأت اجتهادات سابقة لصياغة استراتيجية عمل للثقافة فوجدتها تساوى بين الواقع فى مصر والواقع فى إنجلترا.. كلام جميل لكنه يبقى مجرد كلام.. أهداف تصلح لأن تحلم بها فى العالم الأول والثانى والثالث والثالث عشر.. تقول إحدى الاستراتيجيات مثلًا إنها تهدف لنشر ثقافة التسامح وعدم التعصب والحوار. إلخ.. أهداف جميلة.. لكنها عامة جدًا جدًا تنطبق على أى مجتمع وعلى أى دولة وأى اقتصاد وأى درجة تطور.. كلام يشبه الكلام.. لذلك لم يؤثر فى الواقع ولم يتحول إلى نتيجة ملموسة على الأرض رغم أن من وضعوه سيطروا على العمل الثقافى فى مصر لربع قرن كامل وكانت النتيجة صفرًا!! سيطر التطرف وساد التعصب وسرق الإخوان حكم مصر فى نهاية الأمر لولا غضب الشعب والجيش.. عشنا فى ظلال «التنوير الزائف» الذى لا يهدف سوى لجلب الوجاهة والمنافع لمن يتحدثون عنه.. تم عزل المثقفين فى معازل طبيعية بدلًا من دفعهم لأن يخوضوا معارك المجتمع ضد ثقافة التخلف.. خربت أقسام الفلسفة فى كليات الآداب ولم يعد لدينا مفكر واحد.. كليات الفنون الجميلة مشاريع تخرج طلابها مخزية ويسيطر عليها التطرف والسطحية والنقل من برامج الكمبيوتر.. هذه مجرد عينات لسيطرة أصحاب «الاستراتيجيات الثقافية» على الثقافة المصرية منذ التسعينيات وحتى الآن.. كانت هناك مجلات ثقافية جيدة لكن الشعب لا يقرؤها ولا يعرف عنها شيئًا، ومؤتمرات مهمة يحضرها أصدقاء المسئول ومعارفه وحلفاؤه وأعضاء شبكات مصالحه فى العالم العربى كله.. يركبون الطائرات ويقيمون فى الفنادق ويلتقطون الصور ثم ينفض السامر والشعب لا يعرف شيئًا لا عن المؤتمر ولا عن الثقافة ولا عن التقدم ولا عن «التنوير»! الشعب كان متروكًا لدعاة الوهابية وتجار الدين ودعاة التطرف ولجان الإخوان والنتيجة كما رأينا جميعًا.. تطرف مسيطر وتعصب مقيم.. فمن فضلكم كفى أكاذيب وعبادة أوثان.. ربما كان لدينا مسئولون مثقفون لكنهم أفادوا أنفسهم وأصدقاءهم فقط ولم يفيدوا الشعب فى أى شىء.. لذلك لا نريد إعادة إنتاج الفشل.. إننى أقول بكل تواضع إننا نريد أن نضع قائمة بأهم خمسة تحديات تواجه المجتمع المصرى وأن نبحث عن دور المثقفين فى التصدى لهذه التحديات.. من جانبى قلت إن هذه التحديات هى «زيادة السكان- التطرف والتخلف- الفساد- الأمية- المخدرات».. ربما يجتهد آخرون ويضعون قائمة تحديات مختلفة ويجتهد طرف ثالث ويضع قائمة ثالثة.. لا يهم.. المهم أن نتفق فى النهاية على قائمة بأهم التحديات التى تواجه التنمية فى مصر، وأن توضع خطة لتأسيس جيش من المثقفين يخوضون المعركة ضد التخلف فى مصر، كل منهم يستخدم سلاحه، المخرج يصنع فيلمًا، المسرحى يقدم عرضًا، الفرقة الموسيقية تقدم أغنية وحفلًا فى القرية، الكاتب يؤلف كتابًا، نريد أن ينزل المثقفون للناس فى الشارع وفى القرى، نريد قوافل ثقافية تطوف محافظات مصر المختلفة فيها الكاتب، والنجم، والشاعر، والمخرج، والمطرب، بحيث يراهم الأطفال والشباب فى القرى ويحلمون أن يكونوا مثلهم فى يوم من الأيام.. نريد من وزيرة الثقافة أن تعقد مؤتمرًا للمثقفين لتحديد أهم خمسة تحديات تواجه التنمية فى مصر وكيف يمكن تجنيد المثقفين للتصدى لها.. الواقع يتغير كل يوم.. واستراتيجيات المواجهة يجب أن تتغير كل يوم.. أنا أشك أن أيًّا من المسئولين عن الثقافة منذ التسعينيات الذين تنسب لهم استراتيجيات ووصايا قد زار قرية مصرية وهو فى منصبه، بعض مثقفينا انعزلوا عن واقعهم، أصبحوا متغربين ووكلاء ثقافيين للغرب، يسعى بعضهم لوظيفة فى جامعات الغرب، ومقعد فى مؤتمراته وينسى أن يزور القرية التى نشأ فيها.. من أجل هذا انعزلوا عن الواقع ولم يعودوا مؤثرين فيه.. التاريخ لا يعود للوراء، مع كل الاحترام للاجتهادات السابقة.. كفانا أوهامًا وأكاذيب.. وإعادة إنتاج للفشل.. نريد استراتيجية ثقافية جديدة الآن الآن وليس غدًا.