جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

خطاب مفتوح إلى وزير التعليم الجديد

أعرف يا سيادة الوزير أن التركة ثقيلة جدًا، وأن المهمة صعبة إلى حد يقارب الاستحالة، وأن الدغل مشتبك جدًا. لكنني أعرف أيضًا أنك على دراية بمسالكه. 

سيادة الوزير:

إن الحق في التعليم إذا ما تمت ضمانته عبر بنية تشريعية واضحة وعبر إتاحته للمصريين جميعًا دون تمييز كما ورد في أدبيات الخطة الاستراتيجية 14-30، وفي خطة التنمية المستدامة 20-30، وفي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وقبل ذلك في الدستور المصري- سيشكل الركيزة الأساس لنهضة مصر في كل المناحي. 

إن قانونًا جديدًا للتعليم أصبح لازمًا ليعيد للتعليم معناه ومضمونه كحق أصيل من حقوق المصريين ودون تمييز على أي أساس، خاصة الأساس الاقتصادي الاجتماعي والأساس الديني، فليس من المعقول الآن أن يكون هناك تعليم ممتاز للأغنياء وتعليم فقير للفقراء، كما أنه ليس معقولًا أن توجد مادة في قانون التعليم تميز ضد غير المسلمين. كذلك ليس معقولًا أن يغترب أطفال مصر عن لغتهم الأم لصالح لغات أجنبية منذ سنوات عمرهم الباكرة بحجج تجارية واستهلاكية فارغة. كل ذلك على أن تكون للقانون الجديد لائحة تنفيذية لكي لا يترك التعليم نهبًا للأمزجة وللفلسفات المتضاربة لمن يفسرون القانون. 

كذلك لا بد من ضبط علاقة العمل بين المعلمين والوزارة لسد العجز الرهيب في أعدادهم، عبر وجود كادر حقيقي لهم يكفل لهم أجرًا عادلًا وتقاعدًا آمنًا، وإعلان تجريم حقيقي للدروس الخصوصية وحرب حقيقية على مراكزها. 

سيادة الوزير

إن تحرير المعلمين نقابيًا عبر تغيير قانون نقابة المهن التعليمية ورفع يد وزير التعليم عن لائحتها الداخلية هو مهمة مكملة للبنية التشريعية واجبة التغيير في مجال التعليم. 

إن جلسات استماع مع ممثلي المجتمع المدني وأطراف العملية التعليمية يمكن أن تنتج بنية تشريعية ديمقراطية توافقية تعمل لصالح الجميع. 

كذلك تغيير قانون هيئة ضمان الجودة والاعتماد، التي تعتبر بحق هيئة لتسليع الحق في التعليم، فمدربوها هم من أدخلوا مصطلحات الاستهلاك والزبائن وبيع الخدمة أثناء تدريب المعلمين. 

سيادة الوزير 

إن مخاطبة كارثة فقر التعلم "ضعف مهارات القراءة والكتابة والحسابة" لدى أطفال مصر يجب أن توضع على أولويات الوزارة، فمن غير المعقول أن تصل نسبة تجاوز الثلث من أبنائنا إلى مراحل متقدمة من التعليم، دون التمكن من كتابة موضوع كامل أو قراءته. 

إن خططًا واضحة وشراكة حقيقية ومفتوحة مع المجتمع المدني يمكن أن تشكل جزءًا لا يستهان به في مخاطبة هذه المشكلة.

سيادة الوزير 

إن حالة من الإحباط العام وعدم الثقة المجتمعية تجاه وزارة التربية والتعليم تملأ النفوس، وأرى أن عدة قرارات سريعة "وليست متسرعة" يمكن أن تزيل جزءًا من هذه الحالة، فحل مشكلات نتائج الثانوية العامة لهذا العام، خاصة مشكلة طالبتي الـ١٢،١٢،٥٪، ضرورة واجبة.

كذلك لا بد من كلام واضح حول ظاهرة لجان أبناء الأكابر التي تتكرر سنويًا في صعيد مصر.

سيادة الوزير 

هل من المعقول أن يتقاضى المعلمون أجورهم التكميلية على أساسي عام ٢٠١٤ بينما تتم محاسبتهم ضريبيًا وعند إجراء أية خصومات على أساس السنة القائمة؟ أليست هذه مخالفة صريحة وواضحة للقانون وللعقل؟ 

إن هذه المشكلات تحتاج لتدخل عاجل حتى تتفرغ سيادتكم لهموم المنصب الحقيقية في جو من الثقة والتفاؤل.

سيادة الوزير:

إن التربية على المواطنة وعلى حقوق الإنسان وعلى الفنون والفلسفة منذ الطفولة تغرس روح الكرامة الإنسانية والانتماء والتعاون والحوار والتفكير العلمي والنقدي ونبذ العنف بين الأطفال، وهي خير داعم لمقاومة أحادية التفكير والتطرف، وهناك في مصر عشرات الرسائل العلمية التي يمكن الإفادة منها في تطوير مناهجنا، مع مراعاة بعد الكثافات المرتفعة وظروف العمل في مدارسنا، كما أن هناك عشرات الخبراء، إن لم يكن أكثر، في هذا المجال الذين يمكن الإفادة منهم في تدريب المعلمين تدريبًا حقيقيًا، وهناك تجارب متناثرة ناجحة هنا وهناك حققت نجاحًا رائعًا لو تم التنسيق بينها وتجميعها في خطط طموحة سوف يتغير وجه التعليم في مصر أو على الأقل بعض أوجهه إلى الأفضل.

إن إعداد المناهج للفصول عالية الكثافة لا بد أن يكون من أولويات الوزارة، وكذلك تصميم طرائق التدريس الخاصة بها وتدريب المعلمين والمعلمات تدريبًا حقيقيًا عليها بشكل يكفل استمرارية التطور، حتى نستطيع التغلب على آفة الكثافات المرتفعة في مدارسنا.

وهناك من الأمثلة الكثير كعمل المجموعات والمشاريع الدراسية المشتركة بين الطلاب والطالبات والأنشطة الجماعية وغيرها الكثير.

سيادة الوزير 

إن طلاب التعليم الفني يعانون الإهمال منذ زمن، ويتم انتهاك حقوقهم خاصةً في برامج التعليم المزدوج وتحت يدي عشرات الشهادات التي تقول إنهم يتم استغلالهم في المصانع دون رقابة حقيقية، وكل المطلوب هو ميثاق أخلاقي يعلق في أماكن واضحة في المصانع التي يتدربون بها يوضح الحقوق والواجبات، مطبقًا قانون الطفل المصري والمواثيق الدولية ذات الصلة، فبعض هؤلاء الطالبات يتم تشغيلهن في ورديات ليلية يا سيادة الوزير.

وبعد سيدي 

هذا قليل من كثير كما تعرف، لكنني اخترت الحديث فيما لا يُحمل ميزانية الدولة نقودًا اللهم إلا في موضوع المعلمين، والذي سنربح جميعًا إذا طبقناه.

وأخيرًا أذكرك بأنك تجلس على كرسي العظيم طه حسين، صاحب المقولة الأشهر: التعليم كالماء والهواء. 

وهو ليس كذلك في مجانيته فقط ولكن في ضروريته للجميع دون تمييز. دون أي تمييز.

  • مدير المركز المصري للحق في التعليم